التقارب السوري التركي.. ومشروع “المصالحة”
تركيا تتصرف كدولة ونظام حكم يعمل وفقاً لمصالحه، أما نحن، الذين لا نملك حالياً من أمرنا شيئاً نظراً لتدويل قضيتنا، وغيابنا وتغييبنا، فعلينا التصرف كجزء من حركة تحرر وطنية ملتزمة طويلة الأمد تناضل من أجل مستقبل بلدها وشعبها.
الحقيقة أنه لا جديد جذري في تصريحات أوغلو بما يخص مستقبل سورية، إذا قرأناه من وجهة نظر الدول المهيمنة ودورها في السنوات الماضية.
فلم نشهد طوال كل هذه السنوات سوى تنازلات مستمرة تعكس مصالح هذه الدول وفق المسيرة المتعرجة على الأرض.
بدأت في جنيف بقرار دولي ثم 2254 ثم أستانا ثم سوتشي ولجنة المفاوضات ولجنة الدستور وأخيراً قمة طهران.
كل هذا عبر “معارضات” بنيت واستخدمت وفقاً لتطورات الواقع المفروض على الأرض بالقوه.
ما الذي يدعو تركيا لاتخاذ مثل هذه المواقف؟
الواقع يؤكد أنه لا أحد من القوى المهيمنة قادر على هزيمة الآخر، العدو الصديق، المنافس ولا رغبة أو مصلحة له في ذلك، والكل بما ملكوا فرحين.
المعروض الآن حل يجمد عبر اتفاق رسمي اتخاذ مواقف واضحة ضد النظام، واستخدام المعارضة السياسية والمسلحة للقيام بهذا الدور، إذ لا حلول ناضجة متفق عليها لمستقبل سورية.
يمكننا ذكر مواقف تركيا الإيجابية تجاه قضيتنا حينما فتحت أبوابها لنا واستقبلت أبناءنا وأتاحت لهم العمل والتعليم… إلخ، كما يمكننا ذكر المواقف السلبية، مثل استمرار دعم منظمات عسكرية ومدنية، الائتلاف مثلاً، واستخدامها أدوات تحقق مصالحها وفقاً للمتغيرات، أما مواقف الدول العربية فحدث ولا حرج.
يميل تقاطع مصالح تركيا الاستراتيجية مع النظام الآن أكثر من تقاطعها مع مستقبل سوري غامض، ذلك أنها تسعى لوقف نزيف اقتصادها المحلي وما سيكلفها استمراره على المستوى الشعبي والسياسي والعسكري.
إضافة إلى تأثير المعركة الانتخابية الداخلية، والخوف من قرب تفوق المعارضة على أردوغان.
وهو ما رأينا بوادره عبر فوزها في أكبر المدن وأكثرها تأثيراً في اقتصادها.
تتاح لتركيا الآن عبر تقاطع مواقفها ومصالحها مع روسيا وإيران فرصة إضعاف، وربما هزيمة pkk مستقبلاً عبر النظام.
نظراً لمواقف الدول الكبرى التي لا تسمح لها بالتدخل المباشر لمسافات أكثر مما وصلت إليه حالياً.
Pkk يمثل الهم التركي الجيوسياسي الاستراتيجي، لذلك فإن إضعافه أو هزيمته تجعل كفة المصالحة مع النظام تميل نحو هذا الاتجاه، تؤدي إلى سيطرة النظام، عبر دعم روسي – تركي وصمت إيراني حالي، على منطقة الجزيرة التي لم يغادرها أصلاً.
كما أن ما آل إليه مشروع الإدارة الذاتية عبر ممارسات pkk القمعية للعرب والكورد يؤكد استحالة استمرارها.
نظام الأسد تحكمه وتوجه قراراته إيران وروسيا أساساً، ومن هنا يمكننا استقراء ما اتفق عليه في طهران.
حيث تتلاقى مصالح إيران كرديا مع تركيا، نظراً لتغلغل pkk في منطقة إيرانية ذات أغلبية كردية، كما تتلاقى معها ومع روسيا، المؤثرة سوريا، في مواجهة أمريكا.
وبما أن هم تركيا الأكبر هو pkk ودويلتها المسلحة في سورية، القابلة للتمدد وتهديد استقرارها، فإن تقارب مصالح تركيا المتقاطع مع النظام لهزيمة pkk بسكوت ضمني روسي – إيراني يصبح أكثر وضوحاً وفهماً.
لكن علينا الأخذ بعين الاعتبار أيضاً تأرجح هذه المواقف، لأن أي توافق أمريكي – إيراني حول المسألة النووية، وبالتالي رفع العقوبات، قد يؤدي إلى حالات مستجدة مختلفة.
ذلك أن سورية أصبحت ساحة لتصفية وتوازن صراعات دولية تتخطى حدودها وأهميتها.
موقفنا تفرضه قناعاتنا والتزاماتنا بقضية الوطن، وليس الدخول في متاهات مفاوضات عهدناها لا نملك فيها تأثيراً، مفاوضات كانت وما زالت تمثل تنازلات متتالية، وهو ما نعتبره تخلياً عن الثورة وتضحياتها.
لذلك علينا أن نحدد بدقة وشجاعة أننا نعارض بحسم أي اتفاق مع النظام، ولا نقبل أو نشارك في أي تفاوض أو مشروع اتفاق مصالحة ثنائي مع هذا النظام، لا ضمان له سوى وعود القوي للضعيف والمجرم لضحيته.
إن معركتنا الأساسية مع النظام، وكل ما/من يدعمه ويمد في بقائه.
تنطلق ظاهرة مواقف السوريين في المهجر تجاه الدول التي تستضيفهم من ضعف حالهم، وضرورات حياتهم اليومية، ما أدى بهم إلى اتخاذ مواقف محرجة مختلفة ومتناقضة.
هناك من يحكمه النأي بالنفس بسبب الضعف والخوف على المستقبل، وآخر يصفق دوماً للأقوى، وبعضهم يزاود مستخدماً شعارات غير مسؤولة حباً في الظهور.
مواقف متباينة تأييداً أو رفضاً وفقا للدولة التي تحتضنهم.
علينا تحديد وربط موقفنا دائماً، من أي مشروع سوري – سوري أو مبادرة دولية، بخطنا الوطني الذي نذرنا أنفسنا له.
لا حل مع وباستمرار وجود النظام كما هو.
“الأمل” المقبول هو حل إنقاذ إنساني عملي دولي بالقوة على أرض الواقع، من خلال اتفاق جنيف والقرار 2254، يفرض الأمن والأمان ويضمن خطوات التغيير نحو دولة الحرية والمواطنة، انطلاقاً من أن المعركة طويلة، فإن الأولوية تكمن في العمل المستمر على الأرض، مع وبين أبناء شعبنا في المهجر والداخل لبناء نوى متماسكة مترابطة مدنية وسياسية صلبة ومنظمة وملتزمة، تمكننا من استعادة قرارنا المستقل وقوة ثقتنا بأنفسنا وثقة الناس بنا، والدفاع عن قضيتنا.
لا لأي مشروع تقسيم تغلفه شعارات وأقنعه ديموقراطية براقة أو تبريرات تحت مسميات إنقاذ ما يمكن إنقاذه.