fbpx

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما بين الواقع والطموح

0 235

تحيي الأمم المتحدة الذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعدّ أكبر إنجازاتها، ويشكل مع العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وأصبح الإعلان دليلاً واضحاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان. وقد أكدت شعوب الأمم المتحدة في ميثاقها على “إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره” رجالاً ونساءً، كما “حزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح”، بعد أن “كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضت إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني” في حربين عالميتين أزهقتا ملايين الأرواح والمصابين، ودمرتا المدن والأرياف والبيئة الطبيعية في مناطق عديدة حيث دارت رحى الحرب فيها.

وقد شدّدت في ديباجة الإعلان على “الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم”. وأكد الإعلان في مادته الأولى على “يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بروح الإخاء”. كما تتضمن مادته الثانية أن للفرد حق التمتع بحقوق الإنسان والحريات دون أي تمييز يقوم على أساس الجنس أو اللون أو الدين أو اللغة أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو أي وضع آخر. وأكد في المادة الخامسة على أن “لا يُعرَّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة”. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش: “يُهدي الإعلان العالمي إلى السبيل لإعلاء القيم والنُهُج المشتركة التي يمكن أن تساعد في معالجة التوترات وإحلال الأمن والاستقرار اللذين يتوق إليهما عالمنا”.

والسؤال الآن: أين هذه الحقوق التي أكدتها شعوب الأمم المتحدة وضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟ وأين تلك القيم المشتركة التي يمكن أن تحدّ من التوترات والنزاعات المسلحة، وتساعد على إحلال الأمن والاستقرار والسلام في عالم تمخر زوارقه عباب بحر يتلاطم بالنزاعات المسلحة واجتياح بعض الدول لأراضي الآخرين؟ وأين الكرامة البشرية التي تُذل كل يوم في مناطق عديدة من العالم؟ وأين ما آلته شعوب الأمم المتحدة على نفسها أن تنقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب وكوارثها، وأن تدفع بالرقي الاجتماعي في جو من الحرية وأن تأخذ بالتسامح ليعيش العالم في سلام وحسن جوار؟

كل تلك المقولات تتبخر في مجلس الأمن الدولي عندما تتعارض مع مصالح الدول الكبرى مستخدمة حق الاعتراض/الفيتو، وتتغوّل على القرارات الدولية وعلى حقوق الإنسان، وتقفز فوق المبادئ والقيم، وتجتاح أراضي الآخرين، وتثير الفتن والنزاعات المسلحة كما حدث في كمبوديا، والفيتنام، والعدوان الثلاثي على مصر، والأزمة الكوبية، وحرب فوكلاند، ونزاعات أوربا الشرقية، وافغانستان، والعراق، وسوريا، واليمن، والصومال، وليبيا، والسودان، ودول أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وأوكرانيا، ومناصرة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية للكيان الصهيوني على الاستمرار في صلفه وحرب الإبادة الجماعية المحرمة دولياً.

إن الأهداف والمقاصد السامية التي رسمتها الأمم المتحدة في ميثاقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لن تتحقق في عالم تتحكم فيه الدول الكبرى التي تتخلّى عن القيم الإنسانية، وتسعى لتحقيق مصالحها على حساب الدول المستضعفة. ولن يستقيم الأمر إلا بإعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة، وإلغاء حق الاعتراض/الفيتو للدول الكبرى، وتشكيل مجلس الأمن الدولي لتتساوى الدول جميعاً، والأمم كبيرها وصغيرها بحقوق متساوية انسجاماً مع الأهداف التي أقرها ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني