fbpx

اغناطيوس الثالث يونان في تركيا.. ماذا في جعبة البطرك السرياني الكاثوليكي

0 330

انتخب الأساقفة السريان الكاثوليك بتاريخ 20 يناير عام 2009 جوزيف يونان مطران أبرشية سيدة النجاة في أمريكا وكندا، ليكون البطريرك الجديد للكنيسة السريانية الكاثوليكية، هذه الطائفة قياساً على الطائفة الشقيقة لها السريان الأرثوذكس تعتبر طائفة صغيرة، وبذلك أصبح اسمه البطرك مار اغناطيوس جوزيف الثالث يونان، وليصبح من أشدّ مناصري رأس النظام الأسدي بشار الأسد، حيث أطلق عليه لقب “رجل الساعة”.

موقف البطرك يونان أثار حفيظة مكونات الشعب السوري المختلفة بصورة عامة، وحفيظة الطوائف المسيحية بصورة خاصة، حيث انحاز هذا البطرك إلى النظام الأسدي دون أي وازعٍ يردعه عن هذا التأييد، ودون أي فائد قد تجنيها طائفته من مواقفه المؤيدة للاستبداد.

الأسقف يونان بطرك على طائفة صغيرة من مسيحيي سوريا هم السريان الكاثوليك، إذ غالبية طائفة السريان هم من الأرثوذكس، أي الكنيسة الشرقية، وربما لعب صغر حجم طائفته دوراً في البحث عن دور يظهر من خلاله، حيث اختار الاصطفاف مع النظام الأسدي، أي الاصطفاف مع الاستبداد اعتقاداً منه أن النظام يحمي الأقليات، مغمضاً عينيه عما فعله النظام الأسدي من تدير المدن والبلدات والقرى وكل البنى التحتية للمناطق الرافضة لاستبداده.

الأسقف زار تركيا في الآونة الأخيرة، هذه الزيارة أثارت تساؤلات لدى كثيرٍ من المراقبين لتطور الأحداث في المنطقة عموماً، وعلى الساحة السورية خصوصاً، فهل زيارته هذه على علاقة بتقارب حذر بين تركيا والنظام الأسدي؟ أم هناك أسباب دينية تقف خلف زيارته، حيث يوجد سريان كاثوليك في تركيا، وهم موجودون في مناطق جنوب شرق تركيا، ويتواجد معهم فيها مكونات عديدة تنتمي للدولة التركية.

إن زيارة البطرك السوري مار اغناطيوس الثالث يونان لا يمكن أن تتم بدون حصوله على موافقة الأجهزة الأمنية في النظام الأسدي، فالعلاقات بين تركيا وهذا النظام مقطوعة عملياً، وإن كان هناك بعض التواصل عبر القنوات الأمنية للتنسيق بين البلدين، ولهذا هناك احتمال أن يكون البطرك قد حُمّل رسالة من النظام الأسدي إلى الحكومة التركية.

لقاء البطرك يونان بالرئيس رجب طيب أردوغان قد يحمل دلالات مختلفة وأهدافاً متعددة، فالسريان تاريخياً هم أبناء الجنوب الشرقي لتركيا وأبناء الشمال الشرقي لسوريا، وهذا يعني أن حكومة تركيا يمكنها الاستفادة من السريان على أراضيها لخلق توازنات ديمغرافية في تلك المنطقة، حيث لا يمكن اعتبارها مناطق كردية، بل هي واقعياً مناطق اختلاط أعراق متعددة تنتمي للدولة التركية، سواء كانوا من أصول عربية أو تركية أو سريانية أو كردية.. الخ.

كذلك هناك احتمال أن يحمل البطرك السرياني المؤيد للنظام الأسدي رسالة من رأس النظام للحكومة التركية، ترتبط بمحاولات التقارب بين البلدين رغم وجود ملفات شائكة بينهما تحتاج لحلول ملموسة.

زيارة البطرك لا تعني في كل الأحوال أنها إنجاز سياسي لصالح النظام الأسدي، فهذا النظام مثقل بالمصاعب الاقتصادية والسياسية والحقوقية، وهو متهم أممياً ودولياً بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولهذا فإن النظام في محاولاته للانفتاح على محيطه العربي أو الإقليمي مطالب بخطوات سياسية تستند على القرار 2254، فهذا القرار الذي قال عنه “غير بدرسون” أنه قرار لم يتم تفعيله، كان يعني أن النظام وحلفه الروسي الإيراني يعطّلون تنفيذه.

الحكومة التركية لا تزال تعلن تمسكها بتنفيذ القرار الدولي 2254، وهذا يعني تغيير سياسات النظام الأسدي تجاه شعبه، وتغيير سياساته حيال الإقليم، بما يخدم الاستقرار السياسي في المنطقة عموماً، وفي سوريا بحد ذاتها.

وفق هذه الوقائع، لا يمكن تصور أن الحكومة التركية تقبل بتسويق النظام إقليمياً، أو الانفتاح عليه إرضاءً لأصدقائهم الروس، فهذا الانفتاح لن يقدّم لتركيا اقتصادياً أو سياسياً ما يمكن الاستفادة منه في مواجهة الوضع الاقتصادي الذي يعصف بالعالم وليس في تركيا فحسب، كذلك تُدرك تركيا أن ملف حزب الـ PKK هو ملف لا يستطيع الروس أو النظام أن يقدموا حلولاً دائمة له خارج الموقف الأمريكي المتحكم بهذا الملف بصورة شبه كاملة.

ومع ذلك لابدّ من طرح الأسئلة حول زيارة بطرك السريان الكاثوليك السوري إلى تركيا، فهذه الأسئلة ضرورية لفهم ما وراء هذه الزيارة وما قد ينتج عنها من مواقف أو سياسات.

حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان حكومة ذات خبرة كبيرة في توظيف كل الأحداث لخدمة استراتيجيتها السياسة، التي ترتكز على مبدأ توفير كل الظروف الممكنة داخلياً وإقليمياً ودولياً من أجل دفع عربة التنمية التركية الشاملة، فهي بهذا الدور يمكنها لاحقاً أن تلعب دور قاطرة تنمية المنطقة بأكملها، رغم وجود محاولات لإيرانية وإسرائيلية تريد أن تلعب هذا الدور.

من هذه الرؤية يمكن قراءة زيارة البطرك السرياني الكاثوليكي السوري إلى تركيا، فلا يمكن إهمال الظروف والشروط المحيطة بالزيارة، بكل مستوياتها. سيما وأن تركيا مقبلة على انتخابات في العام القادم 2023، كذلك لا ينبغي النفخ بجراب هذه الزيارة فالمشهد السياسي في المنطقة واضح، ومصالح الأطراف المختلفة واضحة، لذلك ليس في الأفق ما يشير إلى شيء جوهري سيحدث بعد حين قريب.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني