fbpx

استعارة

0 80

أنّى يكون لي نبض؟

وما هذا الدفق الذي يهزني كلما أضاء الخال الذي يستريح على حافة شفته، حين يبتسم أو يتكلم، ويترقرق صوته كساقية، أو حين يضم شفتيه حنقا لعبث سارة، وأفكارها المجنونة.

عينا سارة ترمقانه بشغفهما المعتاد، وهو يهزهز قلمه ويرسم على الورقة المستكينة بين يديه خطوطا متعرجة وحروفا كبيرة وأخرى صغيرة لا تكاد ترى.

أعرفه جيداً، حين يفعل ذلك يعني أن الغضب قد استبد به، فلا يركز فيما يكتب.

ترتجف شفة سارة السفلى وهي تضع بين يديه دفتراً بغلاف زهري كالح قليلاً، كدت أشهق وأنا أحاول منعها من التهور وتسليمه كل تلك الأسرار، لكن ما بيدي حيلة كل ما استطعت فعله، هو أن أقف مشدوهة بينهما، وأن أتحسر.

لطالما راقبت دفترها وهي تكتب له قصصاً عن نجمة تركت مدارها ولحقت شهاباً ولكنها حين اقتربت من مداره احترقت، حزنت كثيراً، لم أحب تلك القصة، أفضّل القصص التي تنتهي بزواج العاشقين، وكنت أظن أن سارة مثلي، فهي قد لحقت به، وتنقلت معه من بيت إلى بيت، ومن مدينة إلى أخرى، فما الذي حصل وجعلها تختار نهاية أخرى لقصتها.

لم أفهمها يوما، ولم أعرف أيضا ما الذي كان يشغل رأسه، وربما سارة مثلي، كذلك لم تكن تعرف أبداً، أو ربما كانت تعرف جيداً، وأنا الغبية العالقة بينهما.

حتى عندما كان يغيب أياماً، ثم يعود متعبا، ينام ليلتين ويستيقظ في الصباح الذي يليهما نشيطاً مبتسماً أبقى ساهرة أنتظره، يرفرف نبضي عندما يجلس في شرفنه المفضلة فأهدأ وأربض على الدفتر أمامه كأنه لم يغادر مطلقاً، أراه يغمض عينيه باستمتاع حين يرتشف فنجان قهوته، تضايقني سارة حين تدور بخفة بين النباتات الخضراء الندية التي انهمكت بزراعتها طوال أيام السنة الماضية.

تتمايل حين تقطف وردة أو اثنتين وتضعها على الطاولة أمامه، أكاد أنهرها لأنها تقطع علي استغراقي بمراقبته، سارة تبدو مرتبكة اليوم، تغير مكان الكأس عدة مرات، يداها ترتجفان، وشفتها السفلى ترتعش كعادتها عندما تقترف عملاً غبياً، أكاد أرى قلبها يقفز من بين ضلوعها، وأكاد أسمع وجيبه ولكن مجازي الغِرّ لا يستوعب ما يحصل.

كنت أعرف سرهما الكبير، هربا معاً من مدينتهما الممزقة بنار الحرب تنقلاً في أماكن كثيرة واستقرا هنا وكنت أنا رفيقة رحلتهما أرتاح على دفتر سارة حينا وأغفو بين أصابعها أحياناً، سارة سيدة تأويلي، وأنا موضع تنهداتها.

ورغم كل ما بيني وبين سارة وقعت في حبه، وما بيدي حيلة، وصف سارة وعشقها له جعلاني متيمة به. كيف يمكن للحب أن يمنح الحياة لاستعارة جوفاء مثلي. ولكن ما حدث بعد ذلك جعلني مجنونة…تائهة.

عاجزة أنا مرتين، ممزقة بين قصتين، وها أنا الآن أقف حائرة بين أربعة عيون تتقافز فيها الأسئلة بجنون.

هو وسارة يتواجهان الآن يبدوان مثل أي بشري اخترقه كشف مفاجئ. ويبدو كأن كل منهما قد فهم ما فعله الآخر.

هو يصرخ بلوعة:

أنت… أنت يا سارة… يا حبيبة عمري، كيف استطعت أن تشي بي.

وسارة تهمس بقهر:

أنت الذي اخترت ذاك الطريق، وأنت تعرف أن من يسلكه لا يعود.

وأنا فهمت ما يحصل، تبدت لي زيارات ذلك الضابط الأحمق، وهو يحضر بين فترة وأخرى، يعطي سارة بعض الأوراق، وفي زيارته الأخيرة رمى أمامها صورا جعلتها تنهار من البكاء.

 كنت أقف على دفتر سارة أنتظر أن تكتب كلمة، أفهم منها ما حدث. لكنها لم تكتب أبدا، تغيرت سارة كثيراً، وضعتني جانباً، وغرقت بحزن أحلامها وحدها.

رفع الكأس المترعة بالماء وقذفها على الجدار المقابل فتشظت.

أمسك يد سارة ولواها إلى الخلف محتضنا إياها من ظهرها، كنت أتساءل هل سينتهي الأمر بينهما كالعادة بعناق وقبلات ودموع، ربما تمنيت ذلك حتى لو انفطر قلبي لكنني بقيت أرتجف على سطور دفتر سارة الملقى على الطاولة. يتكرر أمامي المشهد بلا توقف:

نقطة ليزر حمراء مثبتة على جبينه، سارة ملقاة على الأرض. وحفيف رصاصة القناص يمر من خلالي بخط مستقيم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني