fbpx

استحالة التسوية بين الحق واللاحق.. فما الحل إذاً؟!

0 193

ينطوي مفهوم التسوية على معنى فض النزاعات البشرية، سواء كانت نزاعات فردية أو نزاعات جماعية أو نزاعات دولية.

إنها – أي التسوية – تعني أن هناك خلافات بين طرفين على قضية ذات شأن ،ويكون حلها بالتراضي بينهما.

ولكن هناك أنواع من النزاعات ولكل نوع من الأنواع ذي علاقة بإمكانية التسوية أو استحالتها. وهنا تكمن المشكلة في النظر إلى التسوية.

فالنزاعات الحدودية نزاعات تكون غالباً قابلة للتسوية، وبخاصة إذا كانت الحرب مكلفة للطرفين، وغير قادرة على حل النزاع. وأساس التسوية هنا أن يكون الطرفان قد اعترفا ببعضهما، أي بامتلاك كل طرف جزءاً من الحق. وعندها يعلن الطرفان بأنهما قدّما تنازلات مؤلمة درءاً لنشوب الصراع المسلح.

والتنازلات المؤلمة هنا تعني بأن كل طرف يعتقد بأنه تنازل عن جزء من حقه للآخر.

إذاً دعوني أعرّف التسوية على أنها حل لنزاع حول الحق. لكن الحق هنا حق واقعي، وليس ادعاءً، وهذا هو الذي يجعل التسوية ممكنة. لأنها اعتراف الطرفين بحقوق بعضهما البعض. ولكن عندما يكون هناك صراع بين الحق واللاحق فالتسوية عندها تكون مستحيلة.

ولهذا فالتسوية بين الفلسطيني صاحب الحق المطلق بفلسطين كلها من جهة، والصهيوني العنصري المحتل الفاقد لأي حق في فلسطين تسوية مستحيلة.

والحق في الحرية والديمقراطية والكرامة نقيضه اللاحق في ممارسة العبودية والاستبداد والإذلال للآخر، والتسوية بينهما مستحيلة. تخيل أن يكون هناك تسوية بين العبودية والحرية وبين الديمقراطية والاستبداد وبين الكرامة والذل. التسوية هنا لا تجري على تضاد كهذا. بل إن مبدأ الثالث المرفوع في المنطق هو منطقها: إما وإما ولا وسط بينهما.

هذه المقدمة المنهجية ضرورية جداً جداً لفهم إمكانية التسوية أو استحالتها. فالعمل السياسي ليس عملاً رغبوياً قائماً على الوهم والجهل. السياسة في أحد تعريفاتها فن تحقيق الممكن.

فالتسوية التي يسعى – ظاهرياً – إليها العالم في الصراع الدائر بين حق الشعب الفلسطيني في فلسطين وعنصرية اللاحق، أمر لا يقع في حقل الممكن، والتسوية بين السوري في الحرية والديمقراطية من جهة والباطل المطلق للدكتاتورية والاستبداد من جهة أخرى تسوية مستحيلة.

أي عقل قاصر هذا الذي يعتقد بإمكانية تسوية بين بنية دكتاتورية متخلفة بكل أدوات عنفها ومدعومة من أسوأ سلطة لاهوتية مرت على التاريخ وتحكم إيران، وبنية جديدة مأمولة لسوريا الديمقراطية؟!.

أي تسوية ممكنة هذه بين بنية متخلفة دمرت ثلاثة أرباع البلاد وشردت الملايين واستدعت ميليشيات الوسخ التاريخ لاحتلال الشام، وشعب يتوق للحرية والكرامة الإنسانية ويسعى نحو قطيعة مع نصف قرن من الظلام والانحطاط؟.

وبالمناسبة إن خامنئي وسلطته المتخلفة القروسطية، وميليشيات الوسخ التاريخي والجماعة الحاكمة البدائية، كل هؤلاء لن يرضوا بأي ممكن يسلبهم واحداً بالمئة من “اللاحق” الذي يملكونه. وكل من يعتقد غير ذلك فهو واهم.

ويسألونك ما الحل إذاً؟ ما الحل بين الفلسطيني والصهيوني الجواب لا حل الآن. ما الحل بين الشعب السوري والجماعة الحاكمة؟ الجواب لا حل الآن.

في هذه اللحظة من التاريخ لا حل، يجب العمل على وتفسخ جثة البنية المحتلة الحاكمة كعملية مستمرة قد تطول. يجب البحث عن طريقة لوحدة إرادة المعذبين على اختلاف انتماءاتهم دون أوهام التسوية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني