fbpx

أهداف وإجراءات التسوية السياسية التركية في مواجهة التسوية السياسية الأمريكية

0 53

1- تسير التسوية السياسية الأمريكية الجزئية منذ نهاية 2019، وقد قادت واشنطن جهود تحقيق أهدافها بالتنسيق مع الأوربيين (ومع أذرع سلطة قسد في الإدارة الذاتية ومسد التي نسقت مع حكومات أوروبية، ونخب ديمقراطية سورية) سعياً إلى تمكين السلطة الميليشياوية وأذرعها مقومات كيان سياسي مستقل؛ وكان من الطبيعي في ضرورات توفير عوامل نجاح جهود تأهيل قسد أن يتساوق مسار شرعنة سلطتها ويتكامل مع مسار شرعي سوري، تجسد في خطوات وإجراءات إعادة تأهيل سلطة النظام السوري الشرعية، وفقا لمعادلة الترابط الطردي بين تقدم خطوات المسارين.

2- تستثني التسوية السياسية الأمريكية تركيا، وتتجاهل مصالحها نظرا لتعارضها مع هدف الولايات المتحدة المركزي، كما تتعارض نتائجها مع مصالح إسرائيل، لأنها تعترف في صيروة إعادة تأهيل سلطتي قسد والنظام بمواقع النفوذ والسيطرة الإيرانية..

في ضوء وصول إجراءات التسوية الأمريكية الجزئية، في تكامل مساراتها الداخلية والاقليمية، اليوم إلى مراحل اللاعودة، وقد حولت كانتون قسد الميليشياوي إلى إقليم شمال وشرق سوريا الديمقراطي وأوصلت سلطة النظام إلى عتبة الأمان الاستراتيجي، تتبين طبيعة المأزق السياسي التركي، الذي نتج عن فشل جميع جهود النظام، السياسية والعسكرية، لدفع واشنطن على مسار التسوية الشاملة في مخرجات اللجنة الدستورية، والعمل على تسوية شاملة، تأخذ بعين الاعتبار مصالح تركيا في إزالة عواقب الخيار العسكري الطائفي، خاصة مرحلته الثانية بين 2015-2019، على الأمن القومي التركي، وتُعيد العلاقات السورية التركية إلى أقرب ما كانت عليه قبل 2011!.

في الواقع، لم تتوقف الجهود السياسية والعسكرية التركية بحثا عن الوصول إلى تسوية سياسية، تأمل من خلالها إزالة آثار الخيار العسكري على أمنها القومي، خاصة إيجاد حلول سورية لقضية المهجرين، ومعضلة كانتون قسد وميليشات الجيش الوطني والنصرة، وقد طرقت جميع الأبواب، دون جدوى!

من نافل القول أن حكومة النظام كانت تدرك جيدا أن عودة مناطق السيطرة التركية إلى سلطتها الشرعية هي مسألة وقت…وتدرك تعقيدات استمرار السيطرة التركية، وحقيقة أنه لم يكن هدف تركيا احتلال مناطق جديدة في سوريا، كما حصل للواء في سياقات مختلفة نوعياً.

3- في هذا الإطار، من المفيد التذكير بطبيعة أهداف سياسات النظام التركي تجاه عواقب الصراع على سوريا منذ ربيع 2011.

لقد تغيرت أولويات سياسات النظام التركي، وفقا لتغير ظروف الصراع في تمرحل الخيار العسكري:

أ- في أعقاب تفشيل جهود الحل السياسي، وتصاعد وتائر الصراع العسكري، وتحوله إلى حرب اقليمية، ميليشاوية بالوكالة، على السلطة، تمثلت أولويات سياسات النظام التركي في جهود احتواء عواقب الصراع على مصالح تركيا الحيوية في سوريا والحفاظ عليها في حال حصول تسوية سياسية، من خلال امتلاك بعض أوراق القوة السياسية، وقد تطورت أهداف تركيا تباعاً بعد 2015، إلى محاولة تحجيم كانتون قسد إلى الحدود الدنيا، ومنع وصوله إلى كامل التخوم السورية التركية، والاستحواذ على أوراق قوة عسكرية، تساعدها على فرض شروطها في سياق تسوية سياسية قادمة، خاصة بعد 2019، من أجل الوصول إلى حلول سورية لقضية ملايين المهجرين، ولم تكن ما صنعته من أوراق داخل المعارضات السورية أو عبر الاحتلال المباشر، بما فيها مساندتها لكانتون جبهة النصرة لتخرج عن سقف أهدافها، وقد سعت لمنع تمدد أذرع الكانتون غرباً، وصولاً إلى البحر المتوسط!. فتركيا، في مرتبة ثانية بعد الشعب السوري، هي أكثر المتضررين من عواقب الخيار الامني العسكري الذي عمل عليه النظام الإيراني السوري في سياق تقاطع مع مصالح وسياسات الولايات المتحدة، وفي إطار تكامل مع سياسات حكومات العراق والسعودية ولبنان والإمارات وقطر…تجاه تحديات الربيع السوري.

 ضمن هذا السياق، نفهم سقف وطبيعة علاقات النظام التركي مع ميلشيات الجيش الوطني والهيئة، التي لم تكن سوى أوراق مؤقتة، ولن تجد صعوبة في التخلي عنها في إطار تسوية مع الحكومة السورية، تحفظ مصالح الدولة التركية، وتزيل الأخطار التي تهددها.

ب- منذ نهاية 2019 عولت الحكومة التركية، كما حكومات روسيا والسعودية والنظام، على مجريات تسوية جنيف، ومخرجات اللجنة الدستورية، لكن إصرار الولايات المتحدة على تأهيل قسد بشكل منفرد، وعلى مسار تسوية جزئية، تربط تقدم خطوات تأهيل سلطة النظام بما تقدمه من تسهيلات لتأهيل قسد؛ وهو ما اضطر حكومة النظام للتعاون والتنسيق تكتيكياً مع إجراءات تأهيل قسد، لكي تحصل على ما يوازيها على صعيد سلطتها، وهو ما يُفسر أيضا وصول جهود اللجنة الدستورية ومسار حلها الشامل إلى طريق مسدود!!.

4- تواجه سلطة النظام التركي وتركيا أزمات سياسية واقتصادية متفاقمة بسبب معارضتها لسياسات الولايات المتحدة في سوريا منذ 2011، وفي أوكرانيا وأوروبا منذ غزو أوكرانيا 2022، وقد تمكنت من النجاة مرتين بفضل شرعيتها الشعبية والديمقراطية، وتدرك بالتالي مخاطر إضعافها على الأمن القومي التركي، خاصة ضرورات التخلص من أعباء الأزمة السورية الثقيلة، داخلياً وإقليمياً، المرتبطة بتعقيدات وجود ملايين المهجرين، وتكاليف سيطرتها المباشرة على شمال غرب، وغير المباشرة على إدلب، وهي تبحث عن حلول، تدرك جيدا أنها لا يمكن أن تكون إلا من خلال الوصول إلى التسوية مع حكومة النظام الشرعية، رغم جميع عقبات الوصول!.

من نافل القول أن جهود تركيا تواجه عقبات عديدة جداً، يأتي في مقدمتها ما يترتب على خشية واشنطن وقسد من أن تأتي صفقة التسوية التركية – السورية على حساب الكانتون، وبالتالي هدف الولايات المتحدة الاستراتيجي، ومخاوف سلطة النظام من مخاطر تجاوز مسار التسوية الأمريكية، التي أتاحت لها فرصة واقعية لإعادة التأهيل منذ مطلع 2020.

على صعيد أوراق القوة السورية، من الطبيعي أن تأتي إجراءات وخطوات صفقة تركية – سورية على حساب قيادات الميليشيات، التي تدرك المخاطر، ولن تتخلى عن امتيازاتها بسهولة؛ وقد أشار الرئيس التركي إلى هذه العقبة!.

الموقف الروسي من جهته، ملتبس وضعيف.. ولم يعد لروسيا بالأساس اية أوراق إيجابية أو سلبية للتأثير على مجريات التسوية منذ 2020!

لا أعتقد أن جهود التسوية السياسية التركية – السورية تتعارض مع جهود إسرائيل لتقويض وتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا! على العكس، قد تعزز شرعية النظام السوري، وتخلق المزيد من التعقيدات في العلاقات السورية الإيرانية، غير المتوازنة إطلاقاً!!.

ليس أمام دول الخليج سوى دعم جهود التسوية التركية، ومحاولة الاستفادة من مجرياتها لتحقيق مصالح خاصة.

5- على أية حال، ولكي لا نغرق في التفاصيل كما هو حال الذين يتناولون مستجدات الأحداث في تيارات ونخب المعارضات المنتهية الصلاحية، من الموضوعية التأكيد على دور العامل الأمريكي الحاسم في تحديد مآلات الجهود التركية الراهنة!.

فهل يستطيع النظامان السوري والتركي الوصول إلى صفقة تسوية، تضمن مصالح الطرفين، لا تتعارض مع هدف الولايات المتحدة الاستراتيجي تجاه عواقب الصراع المستمر على سوريا منذ 2011؟.

هل تستطيع حكومتا النظام وتركيا تقديم بديل مناسب لدور قسد، يلبي شروط السيطرة الجيوسياسية للولايات المتحدة؟.

هذه التساؤلات، تدفعنا للبحث عن أهداف الولايات المتحدة الاستراتيجية الحقيقية من قيام كانتون قسد؟ ما هي؟.

طبعاً، لفهم حقيقة أهداف سياسات واشنطن في سعيها لتجيير الصراع منذ ربيع 2011 وعواقبه، ينبغي أولاً وضع أكاذيب ما روجته الدعايات الأمريكية، وحولته النخب السياسية والثقافية السورية المعارضة إلى رأي عام، في أقرب سلة مهملات، (انتهاء الصلاحية – أصدقاء الشعب السوري – المجموعة الدولية لدعم سوريا – مسار جنيف للحل السياسي – التحالف الدولي لمحاربة داعش…)، والانطلاق من حقائق الواقع الراهنة التي تبين طبيعة أهداف وجهود واشنطن بعد تدخل جيشها المباشر خلال صيف 2014، بفضل عواقب العسكرة والتطييف:

أ- نجحت واشنطن بين صيف 2014 و2019 في السيطرة المباشرة على ما يقارب 25% من مساحة سوريا، بأذرعها السورية، التي قادت ميلشياتها باسم قوات سوريا الديمقراطية وديعة النظام السوري في حزب PYD!.

ب- نجحت واشنطن بين نهاية 2019 وحتى اليوم في تحويل كانتون سلطة أمر واقع ميليشاوية إلى إقليم شمال وشرق سوريا الديمقراطي، وما حصل، و يحصل عليه من شرعية سورية وإقليمية ودولية!.

ت- ترفض واشنطن التخلي عن مسار التسوية الجزئية التي توفر عوامل الأمان الاستراتيجية للكانتون، رغم تعارض نتائجها وأهدافها من أقرب شركاء الولايات المتحدة الإقليميين – النظام التركي ودولة الاحتلال الإسرائيلي!!.

بناء على تلك الوقائع العنيدة، نستطيع الاستنتاج أن الهدف الرئيسي الاستراتيجي للولايات المتحدة في مواجهة عواقب الصراع على سوريا منذ ربيع 2011 هو اقتطاع وتأسيس قاعدة ارتكاز عسكرية ولوجستية، تمكنها من التحكم بسلطات ومصائر أبرز دول المنطقة، تركيا وسوريا والعراق وإسرائيل.

بناء عليه أيضاً، يمكن إدراك طبيعة العامل الأمريكي المتحكم في مسارات الخيار العسكري منذ 2011، وفي صيرورة التسوية السياسية بعد 2020، وطبيعة التحديات التي واجهت الشعبين السوري والتركي، وهددت المصالح العليا للدولتين السورية والتركية، وتواجه اليوم جهود الوصول إلى تسوية حول قضايا الخلاف الرئيسية في العلاقات بين النظامين السوري والتركي!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني