fbpx

أهداف وآمال ومآل اللجنة الدستورية في مواجهة حقائق التسوية السياسية الأمريكية

0 71

في نظرة موضوعية إلى تلك الحروب التي صنعت مراحل الخَيار العسكري الميليشياوي بين 2011-2019، وما نتج عنها من تبلور سلطات أمر واقع ميليشاوية، شكّل أكثرها امتلاكا لعوامل الديمومة سلطتي قسد (الحصّة الأمريكية) والنظام (الحصّة الإيرانية)، يبدو واضحا، منذ وقت مبكّر، عدم توفّر نوايا حقيقية، لإعطاء الحوار الوطني الفرصة والسلطة، من اجل تجنيب سير البلاد على طريق الحرب؛ وان القرارات الأهم كانت قد اتخذت في مكان آخر، وإن الخيار الأمني/ العسكري، قد بدأ يحفر عميقاً في قلوب أجساد السوريين، وإنّ إطلاق النار قد أخذ أشكال تصعيد خطيرة.

لقد أدّى الخَيار العسكري، في مرحلته الأولى، إلى سيطرة الفصائل والميليشيات الطائفية المسلّحة (المعارضة) على كامل مناطق الجسد السوري المنتفض، ومن ثمّ سيطرة داعش شبه الشاملة؛ وبرّر، في المرحلة الثانية، الإحتلال العسكري المباشر لقيادة حلف الاستبداد، الأمريكي والروسي، في العام 2015، وانتهى، في مرحلته الثالثة، مع صفقة إدلب/الشريط الحدودي التركي، التي اتفق الرئيسان بوتين واردوغان في 5 آذار 2020 على تفاصيل تنفيذها.

وهكذا تكون في نهاية 2019 قد انتهت المعارك الكبرى في مسار تقاسم الحصص والنفوذ بين حلف الدول الذي حقق هزيمة أهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري في المرحلة الأولى بين 2012-2014، وإعادة ُتقاسم السيطرة الجيوسياسية بين 2015-2019 مُعلنة عن تحقيق أهداف المسار العسكري، وبداية نهايته، مع إعلان الرئيس الأمريكي عن قتل زعيم داعش، ونهاية تنظيمه!

طوال صيرورة الحل العسكري، منذ 2011، وحتى نهاية الحرب، لم يكن الهدف من استمرار مسار الحل السياسي الأممي، في جميع محطّاته المتعاقبة، خاصة 2254 سوى تضليل الرأي العام، العالمي والمحلّي، وإيهام السوريين بوجود اصدقاء، يسعون لإخراجهم من أتون الحرب؛ شراءً للوقت، لكي يعمل الجميع على إستكمال أهداف، ومراحل الحل العسكري.

في نهاية 2019 وهذه المرحلة، مع انتهاء آخر مراحل الحل العسكري، الذي ادّى إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، وحصص، وشرائط حدودية آمنة، بين أطراف قوى الخيار العسكري، تصبح الدول المنتصرة بحاجة الى غطاء سياسي، يوفّر البيئة الطبيعية المناسبة لتحقيق المصالح التي حصلت عليها، دون منغّصات؛ من خلال تحقيق هدفين، على الأقل، كما بدأ المشهد في 2020.

الأول: هو إعادة تأهيل سلطة النظام، إحدى شركاء الحرب وضخ دماء جديدة في عروق مؤسساتها؛ من خلال تطعيمها ببعض الشخصيات المعارضة، التي أثبتت، طيلة السنوات الماضية ولائها لمشغليها، سعيا لإعطاء النظام الشرعية الوطنية السورية، من خلال خلق إنطباع مخادع بحدوث حل سياسي شامل.

الهدف والغاية النهائية من ذلك، ليس دخول مسار التغيير السياسي، الديمقراطي، ولا تحقيق مصالح الشعب السوري الديمقراطية الوطنية، بل هو خلق نظام، يكتسب ما يكفي من الشرعية السورية، لكي يكون قادر على شرعنة الوجود الأجنبي، وما حصل عليه من حصص ونفوذ داخل سوريا، وعلى حساب سيادتها الوطنية.

من هنا سيكون الهدف الرئيسي للجنة الدستوريّة العتيدة، إدخال بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة؛التي تُسيَّر بالريموت كنترول، في أجهزة، ومؤسسات النظام الحالي؛ بما يحوي بقيام نظام جديد، وحكومة وحدة وطنية، تشاركية!.

وفقاً لهذه الرؤية، فإن أي تغيير أو تجديد نظري، سياسي، في البنية القانونية، الدستورية، لن يكون إلّا لذر الرماد في العيون، وخداع الراي العام السوري، والعالمي.

الهدف الثاني: هو أن تضمن قوى الاحتلال، من خلال الإخراج الجديد، قيام نظام ضعيف، تابع ومرتهن، لها؛ بينما يمتلك مقاومات كافية ليكون قوي، بما يكفي، لإبقاء المارد السوري داخل القمقم، في مختلف مناطقه، عاجزا عن القيم بأية أعمال في المستقبل، تقلب الطاولة على رؤوس الجميع، وتلغي شرعية الاحتلالات؛ وتقتلع قواها من الجذور!.

في ضوء رؤيتنا لما حصل خلال 2022-2024 من تسارع خطوات وإجراءات تأهيل سلطة قسد في تساوق وتأمن مع ما يماثلها لإعادة تأهيل سلطة النظام، ودون الوصول إلى تفاهمات سياسية شاملة مع تركيا وروسيا (وإسرائيل)، كما بيّنت خارطة الصراع على قسد ومناطق السيطرة الإيرانية، ندرك الأسباب الرئيسية لخيبة امل الروس والأتراك في الوصول إلى تفاهمات تسوية شاملة من خلال مخرجات اللجنة الدستورية، ونفهم ما وصلت إليه هذه الأخيرة من طريق مسدود!.

بخلاف تلك الرؤى، والتوقّعات والرهانات السورية والتركية والروسية، تبيّن المعطيات خلال 2022-2024 استمرار وتعزيز متزامن ومتساوق لخطوات وإجراءات كانت قد اطلقتها واشنطن قبل نهاية 2019، وتعمل على تأهيل سلطة قسد وإعادة تأهيل سلطة النظام السوري، كاشفة حقيقة أهداف مشروع التسوية السياسية الأمريكية؛ في تمحورها حول هداف تثبيت وضمان بقاء حصّتها على كانتون قسد، في إطار تفاهمات بين قسد وسلطة النظام السوري، تضمن شرعنة وتهدئة مستدامة، وتوفّر شروط أمان استراتيجي للسلطتين، في إطار معادلة تسوية، تربط من خلالها استمرار وجود سلطة النظام وتوفير شروط تأهيلها إقليميّاً ودولياً بشروط بقاء كانتون قسد، وتعزيز شروط تحويلة إلى إقليم ذاتي، يملك جميع مقوّمات الانفصال، وفقا لمقتضيات مصالح الولايات المتّحدة السورية والإقليمية. هي أبرز حقائق وقائع السيطرة الجيوسياسية السورية والتسوية الأمريكية لحظة تفجّر الحلقة الجديدة من الصراع على فلسطين، في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر 2023.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني