fbpx

ورقة نقدية في قصيدة (لبيروت…) للشاعر المغربي محمد شنوف

0 556

الشعر ديوان العرب ولسان حاله وظيفته التوثيق والتأريخ، كما أنه لا وطن للشعر وللشاعر فكل الأوطان وطنه وكل القضايا قضيته، إذ يكفي أن تكون اللغة والثقافة والتاريخ والعروبة هي العنوان لينبثق الشعر مخترقاً الحدود والأنظمة من أجل التنديد أو المساندة، وهناك قضايا أسالت الحبر من مختلف المشارب القاصية والدانية واكتسبت التعاطف والتفاعل معها ويبقى لبيروت حصة الأسد من ذلك باعتبارها عروس العواصم العربية ومصدر افتتان زوارها بسحرها وجمالها وجاذبيتها ما جعلها مدينة شهرزادية تنجو كل ليلة من الموت لتحكي لنا قصصاً تقطع الأنفاس وتسرق لغرابتها العقول والألباب وكانت آخر حكاية حكتها (انفجار مرفأ بيروت) مبكية حد جفاف الدمع لينفجر نبع الشعر من قلم ذي حبر مغربي عريق، إنه الأستاذ الشاعر محمد شنوف الذي اتخذ من بيروت وجعه فكتبها قصيدة من دمه.

 

 

لبيروت…

 

من لي ببيروت عين الشعر قد نضبت

والروض جفت فلا طير لا فنن

 

لا مد لا جزر في أمواج قافيتي

والنبض طي شباك الحزن حيتان

 

وأسقي ذوب فؤادي كلما ذكرت

تضوعت وجعاً بالعقد أوزان

 

بيروت من ثكلها أدمت مدامعنا

في كل ناحية نحب وأحزان

 

كانت على صبب الأعراس موردها

فضج يصدرها للقرح عدوان

 

غطى انفجار بنار الغدر جرعها

في كل خدر أسى، فالأهل ما كانوا

 

كالصعق رجته والنار ألسنة

كان من تحتها يهتاج بركان

 

أنفاسنا قطعت أحشاؤنا حرقت

ما أعظم الخطب، هم أهل وإخوان

 

لبنان يا موطناً للسلم مهدته

والشعب من قزح بالحب تزدان

 

أكنافها جنة، ورفرفها

من كل فاكهة زوج وألوان

 

من كل روض أتاها عاشق كلف

يهذي برجع صدى والقلب ولهان

 

مضت كما الأرز رمزاً في تواشحها

سقياً لها أبداً سحقاً لمن خانوا

 

يا ويح شعب تخلى عن تماسكه

فالطعن مطرقة والخلق سندان

 

ماذا دهى ملحك المنثور في مرج

شطت به فتن تذكى وقد هانوا

 

وحد صفوفك يا لبنان في لبن 

من دونها ما علا في الخلد بنيان

 

إن الولاء لغير الشعب تهلكة

مدعاة تفرقة، هدم وخذلان

 

لا تشركوا في هوى الأوطان من وتن

أنتم سواسية بالعدل إخوان

 

وإن أوهى بيوت للتي بسطت

لأخلل حبل وصل فيه أضغان

 

فليس كل يد مدت إليك حنت

والورد تحته قد يندس ثعبان

 

وليس طبع الحسان العيش في غرر

والأهل من طيب أعراق وذرعان

 

وعد من الدهر تضميد الجراح إذا

لم ينكأ القرح أوغاد وخوان

 

للحادثات مدى تخبو مواجعها

والليل مهما سجى للصبح شطآن

 

قراءة النص 

 

العنوان (لبيروت..) يتكون من حرف جر اللام وبيروت اسم ممنوع من الصرف مع ثلاث نقط للحذف، له دلالة تخصيص الخطاب لبيروت دون غيرها، ونقط الحذف هي للمشاركة أي كل مدينة لها نفس وضع بيروت والتي تعرضت لما تتعرض له هذه المدينة.

فالشاعر محمد شنوف من أول بيت في القصيدة (من لي ببيروت عين الشعر قد نضبت…) يشير إلى أن الدفق الشعري قد نضبت عينه من كثرة ما كتب عن بيروت وما قيل عنها، كما أن بحور الشعر التي جعلها الشاعر بحاراً بها أمواج القوافي سكنت وخالفت الطبيعة إذ غابت عمليتا المد والجزر التي هي طبيعة البحار كما غابت القوافي التي هي أداة الشعر ووسيلة البحور وتضوعت الأوزان وجعاً وألماً لما صار ويصير في بيروت، ليسقط النبض في شباك الحزن كما تقع الحيتان في شباك الصيد رغم ما تتميز به هذه الحيتان من ضخامة وقوة، ولأن الخطب عظيم تندثر أمامه كل القوى ليبقى الألم سيد الموقف يسيل من أجله بدل الدمع دماً.

فالشاعر محمد شنوف ينتقل من الشعور بالألم بخصوص بيروت من المطلق إلى التخصيص بذكر سبب هذا الألم وهو انفجار مرفأ بيروت، فهذا الانفجار في عرف الشاعر هو بفعل فاعل وهو نتاج الغدر والخيانة حيث قال: (غطى انفجار بنار الغدر جرعها) وأيضا (سقيا لها أبداً سحقا لمن خانوا)، لينتقل إلى وصف قوة الاشتعال التي صارت بركاناً تاركة الأسى والحزن لأهالي المفقودين، حيث أظهر الشاعر مدى تضامنه وتعاطفه معهم باعتبارهم أهل وإخوان، رغم اختلاف الأوطان لكون الشاعر مغربي والمصابون من لبنان.

والشاعر محمد شنوف لم ينس ما عاشه لبنان في الماضي من سلم وجمال طبيعة وكأنه جنة تخلب العقول وتسرق القلوب، حيث كان الأرز ولا يزال رمزاً لها يتغنى به في تواشيحها.

والشاعر محمد شنوف بنظرته الثاقبة للأمور يؤكد على أن الخيانة هي سبب ما جرى في بيروت وهذه الخيانة ناتجة عن غياب التماسك بين أفراد الشعب وكذا انتشار الفتن، ليقف موقف الواعظ والمذكر إذ يدعو لبنان إلى توحيد الصفوف وإعادة البناء مع الالتفات لصوت الشعب والولاء له وأيضاً يؤكد على حب الوطن وجعل حبه عقيدة تشبه عقيدة التوحيد في عدم الشرك والتزام العدل والمساواة، وكلها قيم إنسانية بدونها يغدو الوطن إلى عدم.

كما أننا نشتم رائحة الحقل الديني في كتابة محمد شنوف حين ذكر الجنة بمختلف فواكهها (أكنافها جنة ورفرفها/من كل فاكهة روح وألوان) وأيضاً الإيحاء إلى أوهى البيوت وهو بيت العنكبوت لكن هنا أوهاها هو المليء بالأضغان.

كما أن الشاعر محمد شنوف يقدم حكمة مجانية حيث قال (فليس كل يد إليك حنت/والورد تحته قد يدس ثعبان) للإشارة إلى أنه ليست كل يد تمد هي يد بيضاء بل قد تكون يداً بمذاق السم.

والشاعر محمد شنوف في أبياته الأخيرة ينظر إلى النصف المليئة من الكأس ليبزغ الأمل في غد أفضل، حيث تخبو المواجع وتضمد الجراح ويبزغ فجر جديد، بعيداً عن الخونة والأوغاد.

ففي قصيدة (لبيروت…) برع محمد شنوف في العزف على وتر الإحساس بلغة سلسة سليمة غنية بالصور البلاغية والمحسنات البديعية التي تضفي على أبياته جمالاً وحسناً يليقان بقامته الممتدة في سماء الإبداع والكلمة الهادفة، إذ استطاع بقصيدته العمودية النونية أن يبصم بصمته الخالدة في سجل بيروت الأبدي.

———————————————————————————————————————————— 

محمد شنوف

تاريخ الإزدياد : 04 – 04 – 1960 بمدينة مكناس
●أستاذ اللغة الإنجليزية سابقا بمكناس
دبلوم كلية علوم التربية – الرباط.
العنوان الإلكتروني : ziryabe@msn.com
●شاعر :
– ديوان1: مِن هاجرَ يأتي زَمْزَمُهُ
– ديوان2 : إليكِ انتَهَى الأمرُ.
ديوان ثالث: صَدًى في المَدى –
ديوان رابع مهيء للطبع….-
– قصائد منشورة بصحف ورقية محلية ووطنية وعربية ومواقع إلكترونية إجتماعية وأدبية مغربية وعربية
– حوارات مع صحف عربية
– استضافات في حلقات أديبةمن قبل قنوات فضائية وإذاعية محلية وجهوية ووطنية وعربية.
– مشاركات بعدة ملتقيات ومهرجانات شعرية محلية ووطنية وعربية.
_ عدة احتفاءات بالديوان الاول و الديوان الثاني وحفلات تكريم وضيافات شرف في مدن مغربية مختلفة وأخرى عربية.
مدير منتدى عبد الله الحلبي للشعر والثقافة.
عضو لجن مسابقات عربية في الشعر.

●مهام واهتمامات أخرى سابقة:
°فاعل سابق في العمل الجمعوي و الثقافي و الحقوقي.
°كاتب سابق محلي وجهوي لهيأة حقوقية وطنية
°عضو سابق للجنة الثقافية الوطنية لحزب وطني.
°الكاتب العام سابقا لمنتدى مكناس للتنمية
°الكاتب العام لجمعية فنون و مهن بمكناس
°أمين سابق لمكتب مؤسسة الأعمال الإجتماعية لرجال التعليم.
°عضو منتخب سابق بالمجلس الإداري لأكاديمية التعليم – جهة مكناس تافيلالت
°عضو منتخب سابق بمكتب الجامعة الملكية للإلعاب المدرسية – نيابة التعليم مكناس..

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني