ارتفاع نسبة الجرائم في دمشق في ظل غياب القانون وانعدام المحاسبة وانتشار السلاح
العنف هو محاولة لإظهار القوة الجسدية ضد الأشخاص الأضعف أو الأقل قوة، والعنف في الغالب يكون تصرفاً شخصياً ناتجاً عن تربية الفرد في بيئة غير مناسبة أو من التنشئة في ظروف قاسية وعنيفة وهنا تحدث ردة فعل عند الشخص ويميل للعنف لتحصيل حقوقه، ولا توجد أرض خصبة وبيئة حاضنة للعنف بقدر المجتمعات التي تعاني من الحروب، فالحروب تجعل كل المحرمات مباحة والأملاك مستباحة خاصة في غياب أي عقوبة أو محاسبة فوجود الحرب يعني غياب القانون، وهنا يتولد أمراء الحروب الذين يجمعون المئات من الأتباع ويطلقون أيديهم على رقاب الناس وأرزاقهم وممتلكاتهم، وبعد فترة من الزمن يمتلك هؤلاء الأتباع قوة وسلطة وعندها يعجز حتى مسئوليهم عن ردعهم، وهذا تماماً ما حدث في سوريا، فبعد انهيار منظومة جيش النظام ما بين قتيل ومنشق، لجأ النظام إلى تنشئة ما يسمى ميليشيا الدفاع الوطني وهي بالحقيقة مجموعة من السجناء الجنائيين الذين أطلق سراحهم من خلال مراسيم العفو المتتابعة، والتي جعلت من مجرمين سابقين حماةً للأرض والشعب، وبدؤوا في استعراض قوتهم وإجرامهم على الناس،
وقد أفادنا الشاب ن.ع: أوقفني حاجز، عبارة عن سيارة عسكرية ومسلحين بزي عسكري وطلبا هويته الشخصية وورقة تأجيل الخدمة العسكرية، ثم طلبا منه أن يتصل بوالده من هاتفه المحمول ليخبره بأنه مطلوب للأمن ثم قاما بضربه على رأسه وسرقة الهاتف والهوية الشخصية، وعند ذهابه للإبلاغ تفاجأ بوجود خمسة شبان آخرين تعرضوا لذات الموقف، وقد أجبر فيما بعد على سحب الشكوى لتهديده بأنه سيدان، لأن هاتفه استخدم لأمور غير مشروعة. وفي بيت سحم كانت الجريمة أفظع وأكثر دموية وإجرام وقد راح ضحيتها أم وثلاثة أبناء قتلوا ذبحاً، إضافة إلى إصابة الأب بجروح خطيرة. ثم قام الجناة بإشعال النار في المنزل ، وفي تفاصيل الجريمة أن شابان في العقد الثالث من العمر يؤديان الخدمة العسكرية في صفوف جيش النظام كانا يقومان بأعمال صيانة في منزل المغدور وبعد انتهاء عملهما خططا لعملية السرقة عند علمهما بوجود مصاغ ذهبي ومبلغ مالي في المنزل وقاما بجريمتهما في الصباح الباكر وقد استقبلهم صاحب المنزل وعند ذهابه لتجهيز القهوة لهما باغتاه بعدة طعنات وتركاه لظنهما أنه فارق الحياة وبعدها قاما بقتل باقي أفراد العائلة والسرقة وقد ألقي القبض عليهما أثناء محاولتهما الهرب خارج دمشق، وقد كانت هناك مطالب شعبية بإعدام القتلة في ساحة بيت سحم ليكونا عبرة لغيرهما، ولكن لم يعلن إلى الآن أي تفاصيل عن المحاكمة وهنا يخشى ذوي الضحايا والرأي العام أن تتم لملمة القضية دون توقيع العقوبة المستحقة على القتلة.
ولم تسلم مكاتب التحويل والصرافة من الأذى ففي أحد مكاتب مؤسسة الهرم للصرافة في دمشق قام عسكريان بالهجوم على المكتب بالأسلحة النارية وقتل المحاسب وسرقة الأموال الموجودة وأثناء السرقة دخل شرطي إلى المكتب وقام بإطلاق النار وأصاب أحدهما، والغريب أن الجريمة حدثت في وضح النهار وأمام الكاميرات وقد كانا يركبان دراجة نارية، والملفت في الفيديوهات التي انتشرت للقتلة أنها تظهر أنهما كانا يتصرفان بدم بارد ودون خوف على الرغم من وجود حاجز عسكري قريب من المكان وقد أعلن فيما بعد عن إلقاء القبض على المجرمين ولكن لم يذكر تفاصيل عنهما أو حتى الأحكام التي صدرت في حقهما وقد ناشدت والدة الشاب المغدور السلطات أن لا يضيع دم ابنها، ورغم مرور عام على الجريمة لم يتم إصدار حكم على المجرمين، وهنا يتضح جلياً ضياع الحقوق في بلاد تسيطر عليها الميليشيات والمحسوبيات وللأسف الطائفية.
والجدير ذكره أن حكم الإعدام مازال سارياً في سوريا لكن لم ينفذ أي حكم من فترة طويلة مع العلم أن حكم الإعدام يقع في حالة القتل العمد والاغتصاب بالإضافة إلى الخيانة وأعمال التحريض العسكري، وللأسف أصبحت أحكام الإعدام تنفذ بشكل عشوائي بحق المعارضين السياسيين حتى بدون تهم مثبته أو محاكمات، أما المجرمين فمراسيم العفو خففت كثيراً من الأحكام ضدهم ووصلت إلى حد أن يتحول حكم الإعدام إلى سجن لمدة خمس سنوات فقط، وهو ما سمح بارتفاع نسبة الجرائم وعمليات القتل ناهيك عن الخطف وطلب الفدية، وهنا تحتاج سوريا سنوات كثيرة لترميم المنظومة الأخلاقية التي هدمتها الحرب وبناء نظام قضائي عادل وشفاف ونزيه يحفظ حقوق الناس وأرواحهم.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”