بيدرسون يقترح والنظام يعطّل.. والسوريون في انتظار غودو
تبدو المفاوضات الخاصة باللجنة الدستورية السورية وكأنها فرصةٌ للتعطيل وليس للحل، هذا الرأي لم يأت من فراغ، فبإمكان السيد جير بيدرسون أن يجيب عليه بدون رتوش ديبلوماسية، تستدعيه لاستخدامها من أجل إبقاء خيط المفاوضات العنكبوتي مشدوداً بلا قطع.
مقترح بيدرسون الأخير يعتقد صاحبه أنه فرصة مقبولة لتحريك عجلة التفاوض حول مسودة دستور جديد لسوريا، هذا المقترح ينصّ على دور الرئيسين المشتركين للجنة الدستورية هادي البحرة وأحمد الكزبري، لتعزيز توافق الآراء وضمان حسن سير عمل اللجنة الدستورية.
ويقترح بيدرسون أن تقوم الوفود الثلاثة المكونة للجنة (وفد المعارضة ووفد المجتمع المدني ووفد النظام السوري) بتقديم مقترحات مكتوبة إلى مكتب المبعوث الخاص في شكل نصوص مقترحة لمبادئ دستورية اساسية، لتضمينها في مشروع الدستور. هذه العملية المقترحة تهتم بها الهيئة المصغرة للجنة حيث تناقش في كل اجتماع مبدأً واحداً على الأقل من المبادئ الدستورية الأساسية.
مقترح بيدرسون يحتاج إلى إرادة تفاوض لدى فرقاء اللجنة الدستورية الثلاثة، اثنان من الفرقاء موافقان على هذا المقترح، المعطّل الوحيد لأي تفاوض جدي هو وفد النظام السوري، والذي لا يملك أي سلطة تفاوض بدون موافقة علنية ورسمية من النظام السوري، والذي ليس بوارد التفاوض منذ بدء الثورة السورية، ومنذ بدء حربه على الشعب السوري.
النظام السوري لن يفاوض إلا تحت الضغط العسكري من جهات دولية، أو تحت قرار صادرٍ عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع، ومثل هذا القرار لا يمكن استصداره من مجلس الأمن في ظل التجاذبات والصراعات بين روسيا والولايات المتحدة وحلفها الغربي.
النظام السوري يدرك أن قبوله بالتفاوض مع المعارضة لكتاب دستور سيفتح الباب في أضعف الحالات على انتخابات رئاسية وبرلمانية في شروط لن يتحكم بها، ويعرف سلفاً أن الإشراف الدولي على هكذا انتخابات لن تتيح له تزويرها ولا الفوز.
الروس من طرفهم لا يزالون يلعبون لعبة كسب الوقت منذ أول فيتو عطلوا فيه قرار دولي من أجل تحقيق حلٍ سياسي، هذه اللعبة يروّج الروس لها الآن بصورة “دعوا الأسد يجري انتخاباته، ثم تابعوا التفاوض معه”، هذا الموقف الروسي يكشف عن مأزقهم بعدم قدرتهم على تسويغ الانتخابات لدى المجتمع الدولي، وعدم قدرتهم على الذهاب إلى مربع الحل السياسي الدولي وفق 2254.
الروس يظنون أن الوقت يلعب لمصلحتهم، بينما لعبة شدّ الحبل بينهم وبين الغرب بدأت تظهر في مربع توتر الأجواء على الحدود الأوكرانية مع القوى التي تناصرها موسكو، والتي تسيطر على مناطق أوكرانية اقتطعتها روسيا بحجة أنها أراضٍ روسية، وغالبية سكانها من الروس.
الروس لا يزالون يروجون لفكرة، تبدو يائسة وبائسة في آن واحد، حول منع إدانة النظام، لاستخدامه السلاح الكيماوي في مناطق سورية متعددة، متسلحين برؤيتهم حول كذب الأمريكيين أيام بوش الابن عن امتلاك العراق اسلحة دمار شامل.
هذه المعطيات لن تقدم أي جدية في مسعى بيدرسون نحو إطلاق عجلة التفاوض حول كتابة دستور جديد ولو بأسلوب سلحفاتي، وهذا ما يجعل بيدرسون يقدم مقترحاته وهو على يقين من عدم جدواها في ظلّ التوتر الحاصل بين الروس والولايات المتحدة والغرب الأوربي.
إن حالاً كهذه الحال تستدعي من قوى الثورة والمعارضة ممارسة نشاط سياسي وديبلوماسي أوسع، يسمح بزيادة الضغوط الاقتصادية على نظام الأسد، ويقطع الطريق على مبادرات قوى الثورة المضادة العربية من عملية إعادة تأهيل هذا النظام الذي تطارده جرائم حرب وانتهاكات كبرى لحقوق الانسان.
قوى الثورة لا يجب أن تراهن على مسعى بيدرسون في ظل غياب توافق دولي حول تنفيذ القرار 2254، وبنفس الوقت لا ينبغي لها القطع مع هذه العملية في ظل شروط تدخل دولي في الصراع السوري.
اللعبة حول سوريا لا تخصها بمفردها، بل تخصّ مربعات صراع أخرى خارجها، منها مربع أوكرانيا، ومربع الطاقة وغيرها من صراعات. لذلك تحتاج قوى الثورة إلى هذا الوقت الضائع، لتعميق ارتباطها بحاضنتها الشعبية والثورية، والتمسك بقوة بتنفيذ القرار 2254.
مقترح بيدرسون يدرك صاحبه، أنه مركبه المتبقي، للمحافظة على استمراره كوسيط دولي في حل الصراع السوري، وهذا مشروع له، فلا أحداً يحب الفشل والهزيمة من أول منعطف صعب، ولذلك سننتظر وقتاً أطول بقليل مما ترسمه الظروف، ريثما تتغير قواعد اللعبة حول سوريا.
حالتنا تشبه حالة ابطال صموئيل بيكت في مسرحيته الشهيرة “في انتظار غودو” وهذا قدرنا على ما يبدو في هذه المرحلة الخطيرة.