fbpx

انتخابات نظام الأسد اللاشرعية.. والدور الروسي فيها

0 289

الروس لا يؤيدون الأسد لأنهم مفتونون بلون عينيه، بل يريدون الاحتفاظ بالورقة السورية لأسباب تخصّ مصالحهم، وتخصّ صراعاتهم مع الغرب. هذه الصراعات سببها تجاهل الروس لحقيقة قدراتهم الاقتصادية، التي لا يمكن أن تضعهم في مربع الدول المتطورة، وسببها الآخر اعتقادهم أن القوة العسكرية النووية التي يمتلكونها، تكفي لجعلهم دولة عظمى.

هذه الحقيقة لا يريد نظام بوتين، الذي أوهم الشعب الروسي، بأنه سيعيد لهم أمجاد الإمبراطورية السوفياتية، ناسياً أن هذه الامبراطورية، انهارت لأسباب تتعلق ببنيتها الاقتصادية، العاجزة عن منافسة مثيلاتها في الغرب الأوربي أو الأمريكي.

النظام الروسي، يعتقد أنه يستطيع تطوير اقتصاده وعلومه وثقافاته، في ظل استبداد سياسي فظيع، متجاهلاً حقيقة إنسانية طبيعية، أن العقل الخائف لا يبدع، ولهذا فهو لا يمكنه إبداع ما ينافس به الآخرين.

هذه الذهنية المغلقة، على فكرة فرض الخوف، واستخدام القوّة، هي ذهنية بوتينية بامتياز، وهي مؤشر على استمرار تحكم الأوليغارشية الأمنية، والاقتصادية، الناشئة من نهب الدولة سابقاً، ولاحقاً.

هذه الذهنية، تقف خلف تدخل الروس في سوريا، وهي من سيقودهم إلى الغرق المرسوم غربياً لهم في الوحول السورية، وهي من يفسّر إصرارهم على فرض نظام ارتكب جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية، بحقّ الشعب السوري، لأنهم لا يؤمنون بحرية العقل والتفكير والسياسة والإنسان.

الروس في عمق تأييدهم للنظام السوري، يعيدون إنتاج شغفهم بقهر المجتمع، عبر شعارات فضفاضة، لا قيمة لها، وهذا ظهر بعدم تحمّل بوتين للمعارض الروسي أليكسي نافالني، حيث ألبسه تهماً خارج العدالة الحقيقية، وزجّه بسجن يفرض الأعمال الشاقة على نزلائه.

موقف إدارة بوتين من انتخابات نظام الأسد، يكشف حقيقة الدور الروسي في الصراع السوري، هذا الموقف يقوم على إعادة انتاج بنية سياسية يريدونها، باعتبارها تتلاقى مع مصالحهم الضيّقة في هذا البلد، مصالح لا تأتي عبر علاقات اقتصادية وسياسية متكافئة مع سوريا، بل تظهر كعلاقات بين بنيتين استبداديتين، لا تهتمان للقوانين الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان.

هذه السياسة الروسية، تكشف تعطيل إدارة بوتين، لجوهر القرار 2254 الذي وقّعت عليه في مجلس الأمن، فهي من منظور براغماتي سيّء، وقّعت على القرار المذكور، لأسباب تتعلق بتدخلها المباشر بالصراع السوري عسكرياً، ثم وضعت سيناريوهات متعددة لإفراغه من محتواه وتعطيله.

الروس يفعلون ذلك نتيجة سياسة العزلة البنيوية، التي يعيشها نظامهم السياسي، على الصعيد الدولي، حيث تسيطر السياسة الأمريكية، والغربية، على هذا الفضاء الدولي، وهو أمرٌ يجعل الروس في دائرة حصار، تدفعهم لممارسة سياسات عدوانية بحق الشعوب الأخرى، لإثبات وجودهم عالمياً، والمطالبة بحصة اقتصادية وسياسية، تتناسب وتقديرهم هم لقوتهم الذاتية، وليس وفق تقديرات الواقع الحقيقي لهذه القوة.

هذه الرؤية تفسّر حسابات روسية، بنيت عليها إجراءات عسكرية وسياسية وديبلوماسية، ففي أوكرانيا مثلاً، ذهب الروس إلى احتلال شبه جزيرة القرم الأوكرانية، حين أحسوا بخطر خروج أوكرانيا عن مربع تحكمهم السياسي، والتحاقها بعربة الغرب الاقتصادية والسياسية.

وتفسّر هذه الرؤية في مكان آخر، انخراطهم في الصراع السوري، نصرة لنظام يشبههم بنيوياً كنظام قهر واستبداد، فهم يعتقدون أن بنية الثورة السورية، هي بنية ستذهب بسوريا إلى تحالفات مع الغرب الأمريكي والأوربي، ولهذا فإن خروج سوريا من مربع تحالفاتهم المتوهمة، ومن دائرة مصالحهم، يجعلهم يحسون بخطر حصار الغرب عليهم أكثر فأكثر.

الروس وفق هذه الرؤية، يريدون ضمانات غربية حقيقية لمصالحهم في سوريا، هذه الضمانات، ترتكز كما يرون، على وجود عسكري دائم لهم في سوريا، وتحديداً في الشاطئ السوري على البحر الأبيض المتوسط، ويريدون أن يكونوا لاعباً رئيسياً في عملية إعادة إعمار سوريا، وفي الحفاظ على بعض الامتيازات الاقتصادية في هذه الدولة.

وباعتبار أن الغرب عموماً، والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، ليسوا في وارد الابتزاز الروسي، أو الرضوخ لمسار سياسي رسمته إدارة بوتين، نجدهم يصرون على تنفيذ الروس لالتزاماتهم الدولية، واحترام توقيعاتهم على القرارات، التي وقّعوا عليها في مجلس الأمن، كبيان جنيف1 والقرار 2118 والقرار 2254.

إن ذهاب الروس (نكاية بالغرب الأوربي والولايات المتحدة) إلى تأييد انتخابات الأسد اللاشرعية، سيزيد بدون شك من تعقيدات الحل السياسي السوري، وهذا قد يذهب إلى تقسيم مؤقت لسوريا، على قاعدة مناطق النفوذ الحالية، (منطقة الجزيرة وشرقي الفرات) تكون تحت الوصاية الأمريكية وفي الواجهة قوات سوريا الديمقراطية، وفي الجنوب السوري (القنيطرة والسويداء ودرعا) ستكون تحت الوصاية الروسية وفي الواجهة الفيلق الخامس المدعوم روسياً، (ومناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام وإدلب) ستكون تحت الوصاية التركية، وفي الواجهة جيش الحكومة المؤقتة المكون من فصائل كثيرة، أما (باقي المناطق السورية والتي يهيمن عليها النظام وإيران والروس حالياً) فستكون تحت وصاية مختلطة، وفي الواجهة النظام السوري وميليشياته.

إن إصرار الروس على عدم تنفيذ القرارات الدولية، وتعطيل مفاوضات اللجنة الدستورية، ومن قبلها هيئة التفاوض، لن يخدم مصالحهم في هذه البلاد مستقبلاً، فعملياً هم من يحمون النظام بكل الوسائل، وهم من يعملون على بقائه فوق رؤوس السوريين بالقوة، وهذا سيُبقي الغرب في حالة فرض عقوباته الاقتصادية والسياسية على النظام، ما يزيد من حالة تفكك حاضنة النظام وغضبها، بسبب الجوع والفاقة والأمراض، وهي حالات ناتجة عن سياسات النظام وحماته الروس.

الروس حين يبتعدون عن تنفيذ قرارات وقّعوا عليها، يقتربون بالضرورة من هزيمتهم السياسية والعسكرية، لأنهم غير قادرين على الإطلاق في ظل هذه الظروف على انتشال النظام من مأزقه الخانق، ولن يستطيعوا إيجاد بدائل أمام سيف العقوبات الأمريكية المطبقة عليهم وعلى حليفهم النظام السوري.

فهل يفهم السيد لافروف أن خبثه واحتياله وصلفه لا قيمة له بعد اليوم؟ وهل هو المؤهل لاشتقاق سياسة روسية واقعية تُخرجها من عنق الزجاجة؟.

الجواب متروك لمزيد من فشل السياسة الروسية، التي يتباهى لافروف بأنه مبدعها.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني