fbpx

الأيتام في ظل الحرب.. معاناة مضاعفة

0 250

خلّفت الحرب السورية أعداداً كبيرة من الأطفال الأيتام الذين فقدوا الأبوين معاً أو أحدهما، يعيشون ظروفاً صعبة، يفاقمها ضعف استجابة المنظمات الإنسانية لأوضاعهم.

الحاجات المادية

معظم ﺍلمنظمات الإنسانية والمشاريع ﺍﻟﺘﻲ تقدم خدماتها للأرامل ﻭﺍﻷﻳﺘﺎﻡ في إدلب، ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ تؤدي ﺃﺩﻭﺍﺭاً محدودة ﻓﻲ التخفيف من صعوبات ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ عليهن، ﺇﺫ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﺮﺍﻣﺞ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻭﺷﺎﻣﻠﺔ ﺗﺨﺪﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺍﺟﻪ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺟﻤﺔ، ﻻﺳﻴﻤﺎ ﺃﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺰﻭﺝ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺳﻤﻮﻥ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ ﺍﻟﻜﻔﺎﻻﺕ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﻷﺑﻨﺎﺋﻬﺎ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ من ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻔﺎﻻﺕ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻻ ﺗﻜﻔﻴﻬﺎ ﻣﺼﺎﺭﻳﻒ ﻟﻬﺎ ﻭﻷﻃﻔﺎﻟﻬﺎ، ﺧﺼﻮﺻﺎً ﺑﻌﺪ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺃﺳﻌﺎﺭ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺃﺿﻌﺎﻓﺎً ﻣﻀﺎعفة، لذلك يضطر الكثير من الأطفال الأيتام لترك مقاعد الدراسة، والتوجه نحو العمل لكسب لقمة العيش بعد فقد المعيل.

يوسف الكنعان(12 عاماً) من مدينة إدلب، هو الابن الأكبر لأسرته، يعمل في فرن للخبز، ويتقاضى مبلغ 10 ليرات تركية بشكل يومي، وعن معاناته يقول: “فقدنا والدي بشظية قذيفة منذ سنتين، وقد كنت آنذاك في الصف الرابع فتركت المدرسة سعياً وراء لقمة العيش.”

ويتابع بحزن: “أحب المدرسة، وكنت أتمنى أن أكمل تعليمي، لكن وفاة والدي وضيق الحال أجبراني على العمل.”

يبين الكنعان أن عمله يستمر من الصباح الباكر حتى المساء، ويعود منهكاً من الوقوف طوال اليوم.

المصير المجهول 

تعاني الأرملة في تربية أبنائها، حيث يغيب الأب وتتولى المسؤولية وحدها، وتخشى عليهم من الوصم المجتمعي والانحراف إن فشلت في تربيتهم.

أم ابراهيم (38 عاماً) أم لخمسة أطفال، أربعة فتيات، وصبي واحد هو أكبر أولادها في سن السادسة عشرة، فقدت زوجها بغارة حربية على مدينتهم سراقب منذ أكثر من سنة، وتعاني في تربية أبنائها، وعن ذلك تتحدث لنينار برس بالقول: “ولدي يعتبر نفسه قد أصبح رجلاً بعد وفاة والده، ومسؤولاً عن الأسرة، حيث يعامل أخواته بأنانية، كما أصبح يدخن السجائر، دون أن يكون قادراً على تأمين ثمنها.”

أما خالد الحمشو (15 عاماً) من بلدة جرجناز بريف إدلب، فقد أصبح عدوانياً بعد وفاة والديه، واختار الانضمام لإحدى الفصائل العسكرية في إدلب، وعن ذلك يقول لنينار برس: “قتل النظام السوري أبي وأمي نتيجة سقوط برميل متفجر، وانهيار المنزل فوقهم منذ خمس سنوات، ثم انتقلت للعيش في كنف أهل أبي، ولكنني أفكر بالانتقام لوالديّ من نظام الأسد المجرم من خلال حمل السلاح والقتال في الصفوف الأمامية ضده.”

المعاناة النفسية 

يقع الأطفال الأيتام فريسة الضغوطات النفسية، والشفقة من عيون الآخرين.

المرشدة النفسية علا العلوش (33 عاماً) من مدينة أطمة تتحدث لـ نينار  برس عن الأطفال الأيتام بقولها: “تحتاج الأسر التي فقدت المعيل إلى تلبية حاجاتها الغذائية والصحية والنفسية والتربوية، ما يضع مؤسسات المجتمع المدني والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية أمام مسؤوليتهم تجاه تلك الأسر، والسعي لتأمين مصدر دخل يبعدهم عن العوز ويضمن حياة كريمة لهم. “كما تطالب المنظمات الدولية والمحلية المعنية بشؤون الطفل، بالتدخل السريع لمنع تفاقم مشكلة عمالة الأطفال الأيتام التي تؤثر سلباً على الطفل، وتحرمه من حقه في التعليم، والسعي لإبعاده عن التأثيرات المضرة وسوء المعاملة والاستغلال في بيئات العمل.”

وتبين العلوش أن الطفل اليتيم قد يتعرض للضغوط النفسية التي تتمثل بالاكتئاب في سن مبكرة، والعزلة الاجتماعية وقلة تواصله مع أقرانه والمحيط، ويمكن أن يصبح أكثر عنفاً، ناهيك بالخوف عليه من الانحراف، مؤكدة على ضرورة تكثيف الجهود لنشر الوعي بخطورة عمالة الأيتام، والتركيز على صقل الأطفال دراسياً ليتمكنوا في المستقبل من انتشال أسرهم من الفقر.

لا توجد إحصاءات دقيقة بعدد الأيتام في سوريا، لكن التقديرات المختلفة تشير إلى وجود قرابة مليون طفل يتيم في سوريا، فمع بداية العام 2018 قدّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” عدد الأطفال السوريين الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما بنحو مليون طفل، 90% منهم غير مكفولين.

وذكرت المنظمة في دراسة خاصة لها أن سوريا تعد إحدى أخطر المناطق في العالم بالنسبة للأطفال، مشيرة إلى أن “آلاف الأطفال فقدوا حياتهم وأشقاءهم وشقيقاتهم وأصدقاءهم ومن يقدمون لهم الرعاية ومنازلهم واستقرارهم، كما بات عشرات الآلاف منهم معاقين إعاقات دائمة، مع تقطع السبل بمئات الآلاف من الأطفال في المناطق المحاصرة.

يدفع الأطفال الأيتام فاتورة الحرب، حيث لا يتوقف ألمهم عند فقد ذويهم، بل يفقدون القوة والسند في الحياة، كما يخسرون فرصهم بمتابعة تعليمهم، ما يضعهم أمام مستقبل مجهول، ومعاناة لا تنتهي، دون أن يجدوا من يربت على آلامهم التي فاقت أعمارهم، وأثقلت كاهل أجسادهم الغضة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني