fbpx

من انهيار القيم إلى تفكك الأسرة.. تأثير المخدرات على النساء السوريات

0 371

الحديث عن المخدرات وتعاطيها كمشكلة اجتماعية صحية يحتاج بالضرورة إلى إضاءتها من كل جوانبها، وأثرها على المجتمع في توازن الفرد والأسرة، وكذلك بيان ما يتركه الإدمان من مشكلات صحية نفسية وجسدية، إضافة إلى أثرها في شلّ قدرة الفرد المتعاطي على الإنتاج الطبيعي في مجال العمل أو الدراسة أو العلاقات مع المجتمع.

إذاً، يمكننا القول أن إدمان المخدرات ليست مجرد وسيلة للهروب من الواقع، وأنها كآفةٍ قاتلةٍ تؤثر بشكل مباشر على جوانب المجتمع كافة، وهذا ما نحاول تتبعه في شمال غرب سوريا، حيث أدى الصراع المستمر في هذه المناطق إلى تفكك النسيج الاجتماعي، وإلى تدهور الوضع الاقتصادي، مما جعل المنطقة بيئة خصبة لنمو تجارة المخدرات وانتشارها، فهذه المنطقة التي كانت في يوم من الأيام رمزاً للأمان والاستقرار، تحوّلت اليوم إلى بيئة خصبة لانتشار المخدرات، ما أدى إلى تأثيرات اجتماعية وثقافية واقتصادية هائلة، خاصةً على النساء.

انتشار المخدرات في شمال غرب سوريا ليس مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة، بل هو نتيجة حتمية لانهيار البنى الأمنية والاقتصادية والاجتماعية بسبب تزايد الفقر والبطالة، ما جعل كثيرين في حالة من اليأس دفعتهم إلى تعاطي المخدرات أو العمل في تجارتها كمصدر للدخل. هذه الظاهرة لم تقتصر على الرجال فقط؛ فالنساء أيضاً يتعرضن لضغوط شديدة تجعل من الإدمان مأساة تعصف بحياتهن.

النساء في هذه المنطقة يواجهن تحديات مضاعفة، فبالإضافة إلى الأزمات التقليدية التي تعاني منها المجتمعات في زمن الحروب، يواجهن تهديدات مرتبطة بالمخدرات تفاقم من معاناتهن.

الفتيات الصغيرات اللواتي كنَّ يأملن في مستقبل أفضل يجدن أنفسهن في مواجهة واقع مظلم يُجبرهن على ترك الدراسة والانخراط في أعمال غير مشروعة لتأمين متطلبات الحياة الأساسية. هذه الظاهرة تؤدي إلى تدمير مستقبل العديد من الفتيات اللواتي كنَّ يطمحن لتحقيق أحلامهن.

النساء المتزوجات أيضاً لسن بمنأى عن هذه الأزمة. في العديد من الحالات، يدفعهن تعاطي أزواجهن للمخدرات إلى حافة الانهيار النفسي والجسدي. تتحول الحياة الزوجية إلى ساحة للصراعات اليومية، حيث يصبح الإدمان سبباً رئيسياً في زيادة معدلات الطلاق والعنف الأسري. النساء في هذه الظروف غالباً ما يجدن أنفسهن وحيدات في مواجهة مصاعب الحياة، بلا دعم من المجتمع أو سلطات الأمر الواقع.

أسيل المحلول، مسؤولة قسم حماية المرأة والطفل في “المركز السوري لمحاربة المخدرات (SCDC)” هذا المركز هو مؤسسة مدنية مستقلة متخصصة في محاربة المخدرات وعلاج الإدمان والتعاطي.

أوضحت السيدة أسيل لنينار برس أنه في الوقت الراهن، لا توجد أرقام دقيقة عن نسبة الأشخاص المتعاطين والمدمنين على المخدرات في مناطق شمال غرب سوريا، وذلك لأن الحصول على بيانات دقيقة يتطلب جهوداً بحثية كبيرة ومعقدة.

ومع ذلك فإن نسبة النساء المدمنات على المواد المخدرة بلغت 4% من إجمالي حالات الإدمان التي تم رصدها خلال عام 2024.

أضافت أسيل: ندرك التأثير المضاعف للمخدرات على النساء، ولذلك قمنا بتصميم برامج توعوية خاصة تستهدف هذه الفئة بشكل مباشر، لضمان حصولهن على الدعم والتوعية اللازمين للوقاية والعلاج من هذه الآفة، خصوصاً في ظل الأرقام المثيرة للقلق حول سهولة الوصول إلى المخدرات في بعض المناطق. ومع تزايد أعداد المتعاطين وانتشار المواد المخدرة بأسعار في متناول الجميع، تمثل هذه الأرقام كابوساً للمجتمع، لا سيما للنساء، لأن الإدمان على المخدرات غالباً ما يترافق مع زيادة العنف ضد النساء، خاصة عندما يكون الشريك أو أحد أفراد الأسرة من المتعاطين.

وعند سؤالها عن الاستراتيجيات والخطط المستقبلية التي يعتزم المركز تنفيذها لمواجهة الزيادة الملحوظة في نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب في شمال غرب سوريا وكيف يمكن تعزيز التعاون مع الجهات الرسمية لتأكيد دقة البيانات ومعالجة هذه المشكلة بشكل أكثر فعالية أجابت:

أن المركز السوري لمحاربة المخدرات SCDC يعمل على تنفيذ استراتيجيات وبرامج شاملة لمواجهة الزيادة الملحوظة في نسبة تعاطي المخدرات بين الشباب في شمال غرب سوريا. ويركّز في خططه المستقبلية على تعزيز الوعي والتثقيف حول أخطار الإدمان والمؤثرات العقلية، من خلال حملات توعوية موجهة في المدارس والجامعات والمخيمات، التي تفتقر للرعاية والخدمات وحتى التوعية بآثار المخدرات، فضلاً عن حملات عبر التواصل الاجتماعي لتعزيز الوعي حول مخاطرها. وتغيير الثقافة المجتمعية حول مرض الإدمان، وفهم طبيعته، لتقديم الدعم اللازم من قبل الأسرة والمجتمع.

وتوضح السيدة أسيل:

كما لدينا وحدة متخصصة للعلاج وإعادة التأهيل، والتي تُعد جزءاً أساسياً من استراتيجيتنا لمكافحة تعاطي المخدرات. لكن، بسبب انعدام التمويل، أو عدم تلقي الدعم الكافي لتمويل برامج المركز، لم نتمكن بعد من تشغيل هذه الوحدة بالشكل الكامل الذي نطمح إليه.

انتشار المخدرات في شمال غرب سوريا لا يقتصر على كونه مشكلة صحية واجتماعية فحسب، بل يمتد ليشمل أبعاداً ثقافية تهدد النسيج المجتمعي برمته. تأثيرات هذه الظاهرة السلبية تتجاوز الحدود التقليدية لتطال القيم والمبادئ التي كانت تشكل أساساً للمجتمع السوري. مع تفشي الإدمان، نشهد تآكلاً تدريجياً في تلك القيم، حيث يتحول المجتمع من مجتمع يعرف بالتضامن والأسرة المتماسكة إلى مجتمع يعاني من التفكك والتشتت. النساء، اللواتي كن بالفعل يعانين من التهميش وعدم المساواة، أصبحن في هذه الظروف عرضة لاستغلال أكبر، حيث تُفرض عليهن أدوارٌ جديدةٌ وغير مألوفة نتيجة للضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يفرضها الإدمان.

المشكلة الأكثر خطورة تكمن في أن هذه التحولات الثقافية قد تؤدي إلى تآكل الهوية السورية التي كانت تستمد قوتها من قيمها المجتمعية الراسخة. إذا استمر هذا الانحدار، فإن المجتمع قد يفقد جزءاً كبيراً من مقوماته الحضارية، مما يجعل مهمة استعادة الاستقرار الثقافي والاجتماعي أكثر تعقيداً في المستقبل. الحلول لمكافحة هذه الأزمة يجب أن تكون شاملة، تأخذ بعين الاعتبار ليس فقط المعالجة الفورية للإدمان، بل أيضاً إعادة بناء القيم المجتمعية وتعزيز دور المرأة كشريك رئيسي في هذا البناء.

في ظل كل هذه التحديات، يبقى النظام القانوني في شمال غرب سوريا عاجزاً عن التصدي لتجارة المخدرات بشكل فعال. ضعف القوانين وغياب العدالة يزيد من تفاقم المشكلة، حيث يجد المجرمون طريقهم للإفلات من العقاب بسهولة، بينما تتحمل النساء تبعات هذه الفوضى القانونية. هذا الفراغ القانوني يؤدي إلى تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب، مما يشجع على استمرار انتشار المخدرات وتفاقم تأثيراتها على المجتمع بأسره.

في الختام، أرى أن مكافحة المخدرات في شمال غرب سوريا يجب أن تكون جزءاً من استراتيجية شاملة لإعادة بناء المجتمع. هذه الاستراتيجية يجب أن تشمل تعزيز الوعي المجتمعي بأخطار المخدرات، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للنساء المتضررات، وتطبيق قوانين صارمة لمكافحة تجارة المخدرات. الأسباب التي تدفعني لتبني هذا الرأي تستند إلى قناعتي بأن مستقبل المجتمع السوري يعتمد بشكل كبير على قدرة النساء على تجاوز هذه الأزمة. الحلول ليست سهلة، ولكنها ضرورية للحفاظ على ما تبقى من نسيج المجتمع السوري وإعادة بناء مستقبله. ومع ذلك، يجب أن نكون منفتحين على مناقشة وجهات النظر المختلفة وفهم التحديات التي تواجه تنفيذ هذه الحلول على أرض الواقع، في ظل تعقيدات الوضع في شمال غرب سوريا.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني