fbpx

أردوغان في الدوحة مع قادة الخليج.. بوتين في أبوظبي والرياض.. ورئيسي في موسكو.. ماذا يجري في المنطقة؟

0 3٬658

شهدت الأيام القليلة الماضية لقاءات هامة، قِمّة قطرية سعودية في الدوحة أرست تفاهم عميق بين البلدين وكانت على هامش قمة خليجية، أعقبها قمة خليجية – تركية في الدوحة أيضاً، وفي اليوم التالي الأربعاء 6 كانون أول زار الرئيس الروسي أبو ظبي والرياض ثم عاد إلى موسكو مساء اليوم التالي واستقبل الرئيس الإيراني.

كل ذلك يجري على وقع المرحلة الثانية من الحرب على غزة والتي استؤنفت بعد أسبوع من الهدنة الإنسانية، مع ضغوط أمريكية على جيش الاحتلال لإنهاء المعركة في نهاية هذا العام.

 كل ذلك يجري في ظلّ انكفاء إيراني عن نجدة غزة عملياً وذلك عبر شعار كانت تُردّده كل ميليشيات محور المراوغة وهو توحيد الساحات.

لم تَتَوحّد الساحات بعد دخول الحرب شهرها الثالث.

ومنذ 8 أكتوبر بدأت التسريبات والتصريحات الإيرانية بأنّ لا علم لإيران بتوقيت العملية أو أهدافها ومع ذلك فهي تدعمها، وهذا الموقف كان مُوجهاً للولايات المتحدة على وجه الخصوص التي وضعت خطوطها الحمراء على توسيع الحرب وخروجها عن جغرافية غزة، وترافقت التحذيرات الأمريكية بحشد عسكري غير مسبوق في المنطقة وتشاركت الدول الغربية الرئيسية (إنكلترا – فرنسا – ألمانيا – إيطاليا) بذلك الحشد جَدّياً عبر إرسالها لقطع حربية رئيسية لشرق المتوسط، فيما كان الدعم السياسي للحرب على غزة مُطلقاً وغير مُقيّد إلى أن تُحقّق المعركة أهدافها وفق الأجندة الإسرائيلية.

لكنّ الانكفاء الإيراني عن المشاركة في الحرب مباشرة أخذ أشكالاً أخرى، تصعيد على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية ضمن قواعد الاشتباك، واستهداف بعض ميليشيا الحشد الشعبي العراقي للقواعد الأمريكية في سوريا والعراق، ولكن ضمن نطاق إرسال الرسائل وعدم إيقاع ضحايا بين الجنود الأمريكيين.

وعملت إيران على تحييد الأسد عن أيّ مشاركة وعدم إزعاج إسرائيل من الأراضي السورية حتى غاب الأسد ذاته عن أيّ موقف رسمي يَصُبّ في تَوجّهات وسياسة محور المراوغة.

الرغبة الأمريكية المشفوعة بالتهديدات الحقيقية لعدم توسيع الحرب رافقها صبر أمريكي على محدودية الردّ على هجمات تقع على قواعدها وعند الردّ على بعض الهجمات تكتفي البيانات الأمريكية بأنّ ذلك كان رداً على اعتداء طالت قواعدها ولا علاقة للحرب على غزة به، فيما كان إعلام المحور يُصوّر تلك الهجمات على أنها للتخفيف عن غزة، والتزم حزب الله في لبنان والميليشيا العراقية بالهدنة التي جرت في غزة لتعزيز ذلك الربط بين الساحات.

ومع أنّ الميليشيا التابعة لإيران في سوريا والعراق ولبنان لديها تواصل جغرافي وعمق إستراتيجي وبتماس مع دولة الاحتلال إلّا أنّ إيران عَهِدت لميليشيا الحوثي في اليمن بتأدية أدوار أكثر خطورة، حيث أعلنت تلك الميليشيات الحرب رسمياً على إسرائيل وأعلنت استهدافها مباشرةً عِدّة مرات، وأخذ نشاط ميليشيا الحوثي أبعاداً أكثر خطورة عندما بدأ يّهدّد الملاحة في مضيق باب المندب بذريعة استهداف أو خطف سفن إسرائيلية، وهذا خَطّ أحمر أمريكي آخر يُضِرّ بهيبة الولايات المتحدة المسؤولة عن أمن الملاحة العالمية منذ اتفاقية بريتون وودز عام 1944 حيث تَعهّدت أساطيلها بذلك مقابل اعتماد الدولار كعملة التداول والتسعير العالمي.

تُنجز الولايات المتحدة تَحوّلاتها الاستراتيجية بهدوء القادر على الفعل وتُراعي اعتبارات داخلية وخارجية كثيرة.

قبل طوفان الأقصى كانت أهداف الولايات المتحدة التركيز على الاستنزاف الروسي في أوكرانيا لأقصى درجة ممكنة وعدم السماح للرئيس الروسي بالتقاط أنفاسه أو إضعاف التركيز الغربي على تلك الحرب بإشعال مناطق أخرى مُلتهبة ولكنها خامدة.

لاشكّ أنّ الصراع الغربي مع روسيا صراع صفري لا يقبل أي حلول وسط وكانت قبل 7 اكتوبر تسير الأحوال على هذا المنوال.

وكان الجهد الأمريكي مُنصبّاً على تركيز جهود كبرى للضغط على الصين لردعها عن أي مغامرة عسكرية في تايوان، وتوجد عشر حاملات طائرات وقطع عسكرية أخرى لتحقيق ذلك.

في الشرق الأوسط كانت تجري جهود سياسية وتحشيدات عسكرية على قدمٍ وساق، بعد فشل الوصول لاتفاق نووي مع إيران وانحياز إيران المطلق لروسيا في حربها على أوكرانيا، حيث كان يُلاحظ إعادة بناء للقوة الأمريكية في المنطقة وإصلاح العيوب مع حلفائها في الإقليميين وكان المشهد يَنمّ عن استراتيجية أمريكية بعيدة المدى بدأت تتشكّل بتموضع عسكري كبير ودائم والعمل على تأسيس نظام دفاع إقليمي أساسه التعاون بين العرب وإسرائيل تحت مظلة القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى (السنتكوم) ومحاولة الدفع لإجراء تطبيع حقيقي بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل لتغيير وجه المنطقة كُلّها، وكلّ هذا العمل بالطبع كان ضِدّ المصالح الإيرانية والروسية في المنطقة، وكان مُتوقعاً أن يَتمّ خرق ما لتعطيل المسار الأمريكي وكانت الأساطيل على أهبة الاستعداد لتلافي ذلك.

حدث الخرق في غزة بعملية طوفان الأقصى وكان الغرب جاهزاً وخلال أيام كانت الأساطيل الغربية في المتوسط وكأنها جاهزة أو تَتوقّع هذا.

يرى بعضهم أنّ الأهداف الأمريكية الكبرى في المنطقة فكفكة أذرع المحور الإيراني وأهمّ تلك الخطوات هي إغلاق الممر البري الاستراتيجي بين العراق وسوريا عبر معبر البوكمال، مع إنهاء الوجود العسكري الروسي في سوريا الذي يُحيط بحلف الناتو جنوباً، والوصول إلى هدف أن تكون الضفة الشرقية للمتوسط نظيفة من وجود الميليشيات الإيرانية والقواعد الروسية، وذلك لتثبيت الطلاق النهائي الأوربي مع الغاز الروسي وتأمين ينابيع وطرق توصيل الغاز البديل القادم من الشرق الاوسط أو يَمرّ منه إلى القارة العجوز العطشى للطاقة.

ولم يكن ذلك تَوقّعات أو تَكهّنات بل تَمّ الإعلان في قمة العشرين الأخيرة في الهند وعلى لسان الرئيس الأمريكي وبوجود زعماء الدول المعنية به عن البدء بإنشاء الممر التجاري الهندي العربي الإسرائيلي الأوربي، والذي سيكون ميناء حيفا نقطة الارتكاز الرئيسية فيه وهي لا تَبعد عن غزة وبيروت وطرطوس إلا كيلومترات معدودات.

هذا كان المشهد العام للمنطقة قبل 7 أكتوبر، ولم يُخفِ مسؤولين إيرانيين كبار أن تطبيع السعودية لعلاقتها مع إسرائيل ستكون نتيجتها كارثية على المشروع الإيراني بِرمّته في المنطقة وذلك بإنهاء تاريخي للصراع الإسلامي السني مع الدولة اليهودية بعد ابتكار حَلّ ما للقضية الفلسطينية، ويرى بعضهم أنّ إرباك الولايات المتحدة في حرب جديدة وتعطيل التطبيع السعودي الإسرائيلي إضافة للتشويش على الممر الهندي الآسيوي الأوربي الذي ترعاه الولايات المتحدة من أهمّ الأسباب التي دفعت إيران لإعطاء الضوء الأخضر لحماس والجهاد للقيام بالعملية.

لم يَتوقّع الإيرانيون والروس سُرعة تَبلّور موقف غربي سياسي وحشد عسكري أطلسي بهذا الحجم والوضوح في منطقة حساسة جداً دولياً وإسلامياً وعربياً، وكان الهدف المعلن هو اجتثاث حماس وعدم الرضوخ لابتزازها (كما يَعتقد صُنّاع القرار الغربيون)، وبالتالي تكون إيران بذلك خسرت أذرعها الفلسطينية ولم تَربح شيئاً حيث من الممكن إبطاء التطبيع السعودي الإسرائيلي وليس إجهاضه، وهي خسارة استراتيجية بالتأكيد، وخسر الروس فُرصتهم بخلق مناطق نزاع جديدة حساسة تُربك الولايات المتحدة، وكان قرار توسيع الحرب من قبل الميليشيات الإيرانية يبدو كارثياً عليها لذلك تَمّ الاكتفاء بالمناوشات وطلب التفاوض على دور إيراني بالمنطقة.

ويَعتقد الإيرانيون والروس أنّ الأهداف الأمريكية الكبرى والتي كان العمل جاري عليها بِبطء وصمت قد أتاحت لها فرصة الحرب على غزة الإسراع في تطبيقها، مع تَوفّر الأدوات اللازمة لذلك.

وبعد شهرين من بدء الحرب أكملت الولايات المتحدة وشُركائها في حلف الأطلسي نَشرِ قُوّاتهم في المنطقة للردع أولاً وهو ما نجح لِحدّ الآن، وللإكراه على فرض شروط على إيران ثانياً، وإن لم ترضخ إيران للإكراه فهذه الأساطيل صُنِعت خِصّيصاً للحرب.

ويَتوقّع الروس والإيرانيون الهدف الأمريكي التالي لغزة هو إما شَنّ الحرب على حزب الله في لبنان (ولم يُخفِ ذلك قادة إسرائيل العسكريون منهم والسياسيون) عبر سلسلة إجراءات استفزازية تبدأ بالإكراه على تطبيق القرارات الدولية 1701 ثم الانتقال لتطبيق 1559 القاضي بنزع سلاح الحزب (كُرها أو حَرباً)، وهو كما معروف ورقة إيران الذهبية في المنطقة والتي تُطِلّ من خلاله على سواحل المتوسط.

فيما يُدرك الرئيس الروسي أنّ مصالحه في خطر وهو المعني بسلامة نظام الأسد بالذات أكثر من غيره مع يقينه أنّ استمرار الأسد في الحكم هو قِصّة نجاح روسية وتأكيداً على قدرتها على لعب أدواراً هامة في العالم.

ويُدرك بوتين أنّ استمرار بقاء قواعده في سوريا مُرتبط بوجود الأسد في السلطة حيث تُشكّل سوريا لروسيا أهمية كبرى وهي مركز تواجدها الوحيد في المنطقة.

إنّ الهدف الأمريكي والذي تَمّ تسريبه عبر الإعلام مع توفر الأدوات لتحقيقه هو إغلاق الممر البري بين سوريا والعراق، وإنّ هذا الإغلاق سيقطع التواصل بين أذرع محور إيران الإقليمي لكنه سَيُسقط الأسد بالتأكيد وسيجد الروسي نفسه مٌضطراً للخروج من سوريا.

ويَربط بعضهم بين المغامرة الإيرانية باستخدام الحوثي لعرقلة الملاحة الدولية في باب المندب للضغط على الولايات المتحدة للعدول عن إغلاق معبر البوكمال وفق قاعدة معبر بمعبر، نفتح معبر باب المندب مقابل إبقاء معبر البوكمال مفتوحاً.

ومن المُؤكّد أنّ الرئيس بوتين بحث مع زعماء الإمارات والسعودية رغبته في عدم التحرّش بنظام الأسد بعد أن عمل بالنصيحة الروسية واتبع سياسة النعامة بدفن رأسه بالرمال وعدم أخذه لأي مواقف سياسية أو استعمال جبهة الجولان للإضرار بإسرائيل وامتثاله للتهديدات الإسرائيلية حيث إنّ إيصال تلك المطالب الروسية لتل أبيب وواشنطن هو الهدف الجوهري لزيارة بوتين الخاطفة للمنطقة مع بحث إمكانية استغلال قدوم فصل الشتاء في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية ومع إعاقة الملاحة في الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر لرفع أسعار البترول عبر منظمة أوبك بلس (والتي تَضمّه مع الإمارات والسعودية) وذلك للضغط على الرئيس بايدن في عامه الانتخابي ومعاقبة القارة العجوز على تَخليها عن الطاقة الروسية على أمل العدول عن قرارها.

زيارة الرئيس التركي للدوحة وعقده لقمة خليجية تركية وتوقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع السعودية، تَسير وفق النهج الأمريكي بإشراك الأتراك والعرب والإسرائيليين مستقبلاً في إدارة أمن المنطقة بعد طرد النفوذ الإيراني والروسي منها.

ولا شك أنّ لتركيا والعرب الدور الرئيس فيما يُسمّى خطة اليوم التالي لغزة، حيث هناك الكثير من الأقوال التي تُرجّح قيام إدارة عربية انتقالية للقطاع بمشاركة الأتراك لفترة مؤقتة واستبعاد السلطة الفلسطينية من ذلك لمدة يَتمّ تحديدها لاحقاً.

أما زيارة الرئيس الإيراني لموسكو فهي عادية وليست حدثاً مُهماً وتندرج في إطلاعه على نتائج مباحثاته في أبو ظبي والرياض وتنسيق المواقف بينهما لتلافي أن يكون نظام الأسد هو الصيد الثمين بعد غزة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني