fbpx

عن الفلسفة الآن وفي كل آن

0 266

منذ تناول الغزالي الفلسفة في كتابه تهافت الفلاسفة وحتى هذه اللحظة مازالت أسلحة العداء للفلسفة هي هي تقريباً، هذا لا يعني بأن الفلسفة لم يكن لها أعداء قبل ذلك، ولكن عداء الغزالي نموذجي حتى الآن يردده كل أعداء الفلسفة حتى الآن.

ومازال قول الغزالي هذا حاضراً «فإني رأيتهم أصنافاً، ورأيت علومهم أقساماً وهم – على كثرة أصنافهم – يلزمهم وصمة الكفر والإلحاد، وإن كان بين القدماء منهم والأقدمين، وبين الأواخر منهم والأوائل، تفاوت عظيم، في البعد عن الحق والقرب منه».

ولأن الأمر كذلك فإن الفلاسفة في عالمنا العربي مازالوا يخوضون صراعاً ضد أعداء الفلسفة.

الفلسفة، هي فن التفكير المنطقي بمشكلات المعرفة والوجود والإنسان، هي فن فهم للواقع، واكتشاف السؤال الحقيقي الذي يحرض العقل على الوصول إلى الجواب الحقيقي.

الفلسفة تعلمنا كيف نقرأ التاريخ، والظاهرة في تاريخيتها، وما المنهج التاريخي إلا البحث عن العوامل الفاعلة الموضوعية والذاتية وترابطها التي خلقت هذه الظاهرة أو ذاك. الفلسفة تكشف عن بنية الظواهر ووظيفة كل عنصر فاعل في البنية، وتجعل من المنهج البنيوي وسيلة لفهم نشأة البنى الاجتماعية والسياسية والأخلاقية وتحولاتها وموتها، وهكذا. والفلسفة لا تنفصل عن المنطق الذي يجعل من التفكير عقلياً، إنه أي المنطق، عاصم من ارتكاب الأخطاء ولولا التفكير المنطقي لما كان هناك تفاهم بين الناس. الفلسفة تبحث في القيم والأخلاق وتطرح كيفية الوصول إلى ضمير أخلاقي يحفظ حياة الإنسان الروحية والمادية. والفلسفة تنمي الفهم الجمالي والحس الفني والذوق الأدبي وكل ذلك يسهم في سمو الإنسان ورقيه. وليس هنا أي ارتباط بين الفلسفة والنيل من عقائد الناس.

لكن الفلسفة بوصفها منحازة للتغير والسيرورة والجديد والقطيعة المعرفية والتاريخية إنما تعبر عن ذاتها بوصفها الوعي الأعمق بحقيقة الحياة. انها لا تنحدر بوعيها إلى الوعي العام، بل تزوده بوسائل الصعود إليها فتحقق غاياتها النبيلة.

وأعود إلي خوف المرء على إيمانه الديني من الفلسفة، فهو خوف له ما يبرره طبعاً، ولكن ليطمئن هؤلاء الخائفون على إيمانهم بإن عدداً كبيراً من أساتذة الفلسفة في جامعات العرب مازالوا يحتفظون بإيمانهم الديني الإسلامي والمسيحي. وحده الفيلسوف من يملك عقلاً مستقلاً، إذ لا يجتمع في عقل الفيلسوف اللاهوت والفلسفة معاً. وسائل يسأل لماذا؟ الفلسفة نظرة إلى العالم مؤسسة على أعلى درجات العقل البرهاني المنطقي ومناهج البحث العامة في العلوم. والمفاهيم الكلية أدواتها المعرفية، وهي التي تنتجها. حتى الشذرات الفلسفية تنطوي على تماسك منطقي داخلي. إن انتقال عقل ما من عالم الفلسفة الذي عاشه وعياً بالعالم ونظرة له إلى عالم اللاهوت نمط من النكوص، والنكوص حالة مرضية. فضلاً عن إن الفلسفة لم تسكنه ولم يسكنها بالأصل إلا على نحو عابر، وما عودته إلى اللاهوت إلا عودة إلى بيته الحقيقي الذي ولد فيه وتربى. إنه لم يستطع الطيران بأجنحة الفلسفة الحرة في فضاء البحث عن الحقيقة، فآثر العودة إلى الإقامة في الصندوق ليطل من خلاله على العالم، ويكتب ترهاته.

وقائل يقول إن الفلسفة لا تصنع التاريخ. أجل فالتاريخ لا يصنعه الفلاسفة بل إن البشر يحققون وعي الفلاسفة في التاريخ. الفيلسوف يكره اﻷغلال فينقل الاغلال إلى وعي بحقيقتها وبوعي الحرية. بالوعي الذي صار خطابا. والبشر إذ يحطمون اﻷغلال باليد المثقفة تتحقق في التاريخ وحدة العقل وإرادته. عندما تدافع الفلسفة عن حرية الإنسان فإنها تدافع عن إرادة الفيلسوف نفسها. فالقوى الفاعلة هي إرادة الفيلسوف العملية. فكل ارادة تحقق الحرية على الارض هي الفلسفة وقد انتصرت. وكل إرادة تعاند الحرية فإن إرادة تقف ضد الفلسفة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني