fbpx

مجلة أمريكية تكشف خطورة إعادة تأهيل الأسد على سوريا والمنطقة

0 41

سلطت مجلة “فورن أفيرز” الأمريكية في تقرير لها الضوء على الآثار المترتبة على خروج زعيم عصابة المخدرات في المنطقة بشار أسد، من عزلته العربية والدولية في ضوء تطبيع جامعة الدول العربية الأخير معه، مؤكدة أن إعادة تأهيله لن تؤدي إلا إلى تشجيع المزيد من الوحشية في سوريا وأماكن أخرى في المنطقة.

وقالت المجلة في التقرير الذي أعدّه كبير الباحثين في شؤون الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بواشنطن إيميلي هوكايم، إن قرار الدول العربية كسر عزلة نظام أسد يحمل بين طياته مشكلات أكثر من الحلول التي يقدمها.

مخاوف في المنطقة
ولفت التقرير إلى أن بعض المسؤولين العرب بما فيهم أولئك الذين يؤيدون التطبيع مع النظام يشعرون بالقلق حيال هذه العملية ويتوجسون من نتائجها، حيث بدت تفتقر إلى التنظيم والتنسيق.

وفي حين أغفل بشار أسد الحديث عن المشكلات التي تقلق الدول العربية وفي مقدمتها المخدرات واللاجئين والميليشيات الشيعية الإيرانية، فإن إعادة تأهيله لن تساهم إلا في زيادة ظهور نزاعات خطرة في المنطقة، حيث سيستعين النظام بالدعم العربي له حتى يدعم إستراتيجيته الوحشية بهدف ترسيخ سلطته.

ووفق ذلك، فإن التطبيع يهدد موقف الأكراد في شمال شرق سوريا ويمكن أن يسرّع من الانسحاب الأميركي، وبالتالي عودة تنظيم داعش إلى المنطقة، فضلاً عن كونه مسوّغاً للسياسيين الشعبويين في المنطقة لتصعيد تهجمهم على اللاجئين السوريين.

وسيؤدي أيضاً إعادة تأهيل الأسد بهذه السرعة وفق التقرير إلى تشجيع كل من إيران وروسيا على استرداد فاتورة الحرب التي أنفقتاها لدعم الأسد وترسيخ نفوذه في العالم العربي.

انقسام عربي
وتطرّق التقرير إلى حالة الانقسام العربي حيال تطبيع العلاقات مع النظام قبل أن تأخذ هذه العملية زخماً كبيراً بسبب تغيّر سياسة السعودية، وهو ما ساعد نظام أسد على هذه العودة.

ومن تلك الدول كان الأردن الذي يخشى من موجة لجوء جديدة من الجنوب السوري، بعدما أدرك أن موافقته على عودة ميليشيات النظام للجنوب السوري بضمانة روسية لم يحقق الاستقرار في المنطقة، وبالتالي وضعت عمّان مخططاً لعملية دبلوماسية متعددة الأطراف تتم بالتدريج، ربطت من خلالها تحسن العلاقات مع سوريا بتنازلات مؤكدة يقدّمها النظام، ولاقى هذا المخطط استحساناً في مصر والغرب، لكنه لم يحقق شيئاً يذكر، لأن ما أعاق الأردن عن تنفيذه هو عدم التنسيق بين الحلفاء العرب.

الموقف السعودي
بالمقابل، كانت السعودية ضد التطبيع بشكل مطلق حتى قبل بضعة أشهر، لأن لها تاريخاً مؤلماً من المساومة مع نظام أسد، خاصة أن الأخير وجّه إهانات متكررة للقيادة السعودية واتهمها بأنها وراء ظهور تنظيم داعش، وهذا ما أثار استياء الرياض إلى أبعد الحدود.

إلا أن ما دفع القيادة السعودية لإعادة تأهيل النظام هو محاولة محمد بن سلمان بإعادة رسم السياسة الخارجية للمملكة، وعزل خطط التنمية الاقتصادية الكبرى عن حالة عدم الاستقرار في المنطقة، وقد شجعه على ذلك خيبة أمله بالولايات المتحدة، فقد صار يعتبرها طرفاً لا يمكن الوثوق به، ولهذا أخذ يعمل على الحد من التدخل الأمني الأميركي في دول الخليج.

وورث ابن سلمان الملف السوري عن أسلافه الذين استثمروا في الشؤون الإقليمية كثيراً من دون أن يحققوا شيئاً، كما أن وجود معارضة سورية عاجزة سياسياً وعسكرياً، ووقوع الزلزال في سوريا خلق فرصة لإحداث هذا التحوّل الدبلوماسي، حيث أرسلت الرياض مساعدات إنسانية إلى مناطق النظام، وكان ذلك بمثابة ذريعة لفتح قنوات التواصل بين الطرفين وتخفيف العقوبات الغربية.

وما إن برزت خطوات التقارب السعودي الأخيرة، ظهرت دول رافضة له مثل الأردن ومصر وقطر والكويت، كونها لا ترغب بإثارة حفيظة الولايات المتحدة، فضلاً عن معارضتها التطبيع مع النظام دون الأخذ بعين الاعتبار قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يعدّ عملاً إطارياً لحل النزاع في سوريا.

إلا أن المباركة السعودية أجبرت الدول العربية على الوقوف صفاً واحداً في هذه القضية، إذ زعم المسؤولون السعوديون في بداية الأمر بأنه سيتبعون نهجاً حذراً ومتدرجاً، يشبه النهج الذي وضعه الأردن، إلا أن تلك العملية جرت بسرعة كبيرة، حيث تم الإعلان عن تبادل فتح القنصليات والسفارات في كل من السعودية وسوريا.

الموقف الأوروبي والأمريكي
كما إن الموقف الأوروبي والأمريكي شجّع وفق التقرير الدول الخليجية على التطبيع، إذ لم يتطرق أهم المسؤولين الغربيين لذكر سوريا في أي تصريح صدر مؤخراً فيما صاغت وزارة الخارجية الأميركية معارضتها لتلك الخطوة بعبارات ألطف، حيث جاء في أحد تصريحاتها: كانت الولايات المتحدة تفضّل أن تبقى سوريا منبوذة سياسياً، لكنها لم تطالب بذلك.

بالمقابل، أشار كاتب التقرير إلى أن الأسد لم يُبدِ أي ندم أو رحابة صدر تجاه المسؤولين العرب الذين التقوه في دمشق أو في العواصم الخليجية، إذ برأيه لا يتعيّن عليه أن يندم أو أن يفكر بما ارتكبه من فظائع، بل إنه يتوقع من الدول العربية أن تعتذر عما اقترفته من ذنب عندما وقفت ضده، فيما بدأت تُمحى من الذاكرة المذابح التي ارتكبها نظامه بحق السوريين والتي كانت تشكل موانع أخلاقية ضد التطبيع معه.

ويسعى الأسد لتطبيق الصيغة نفسها التي خدمته كثيراً في الماضي، إذ إن اللاجئين والكبتاغون والإرهاب برأيه ما هي إلا عناصر بوسعه أن يستثمر فيها، كونها تمده بقدر ثابت من النفوذ السياسي والمالي في الوقت الذي يزوره فيه متوسلون ليطلبوا منه المساعدة في حل مشكلة هو الذي أوجدها، وسبق له أن حاول ترجمة تقرب العرب منه إلى مكاسب جيوسياسية ومالية، حيث طلب من الدول العربية هو ووزير خارجيته في اجتماعات مع نظرائهما، أن تضغط على الحكومات الغربية لتخفف العقوبات على سوريا.

كما إن الاحتضان العربي للأسد أثار مخاوف في لبنان من تحكّم سوريا بسياسته من جديد، فالمرشح الأبرز للرئاسة في لبنان، سليمان فرنجية، ما هو إلا أمير حرب سابق ضعيف على المستوى السياسي، وكل ما لديه هو تقاربه مع النظام وحزب الله.

وفي حين رحّبت إيران وروسيا بالتطبيع العربي مع سوريا، يشير التقرير إلى أن الأسد يعرف هو أيضاً بأنه لم يعد شريكاً وفياً لإيران بعد الآن. ولذلك ليس بغريب أن يزور الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي دمشق وسط الانفتاح العربي عليها في مطلع شهر أيار، لتكون تلك الزيارة الأولى من نوعها لسوريا منذ قيام الثورة.

وختم التقرير بالقول إن “تكرار الغرب لكذبة: “لا يوجد حل عسكري للنزاع السوري إنما حل سياسي” صار مفضوحاً، ولهذا ليس بغريب أن تترتب نتائج سياسية على الانتصارات في ساحة المعركة، لذا فإن هذه الكذبة لن تفيد إلا في تبرير التقاعس الغربي تجاه نزاع أثّر على السياسة والأمن في أوروبا بشكل مباشر، وفي إعادة تأهيل الأسد على يد الدول العربية اعتراف آخر بهذا الواقع، إذ في الوقت الذي تتجادل فيه الدول الغربية حول الأهداف التي ينبغي عليها السعي لتحقيقها في أوكرانيا، تبقى سوريا شاهداً يذكرنا بالكلفة الإستراتيجية والبشرية للتهاون في هذا الصدد”.

المصدر: أورينت نت

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني