fbpx

النساء الأزيديات من قبضة داعش إلى كابوس الألغام

0 360

تُشكل الألغام التي خلّفها تنظيم داعش قبل خروجه من مناطق الأزيديين كابوساً جاثماً على صدورهم بالرغم من إعلان العراق أواخر عام 2017 تحرير كامل البلاد بما فيها الموصل من قبضة تنظيم داعش.
وترك تنظيم داعش وراءه آلاف الألغام التي زرعها في المناطق التي كان يسيطر عليها، حيث عقّدت مشكلة الألغام مهمة إعادة النازحين إلى ديارهم في المناطق المحررة.
هناء خضر واحدة من النساء الأزيديات اللواتي يتمتعن بشجاعة نادرة قررت أن تبدأ رحلة جديدة مليئة بالمخاطر في سبيل تقديم المساعدة لأهل مدينتها وتمكينهم من العودة إلى بيوتهم.
تخرج هناء البالغة من العمر 27 عاماً كل يوم في تمام الساعة الرابعة صباحاً ترتدي قبعة من القش عليها وردة زرقاء وسترة تحمل شارة تظهر فصيلة دمها لتبدأ رحلة الكشف عن الألغام التي خلفها داعش في مناطق الأزيديين في العراق ومحاولة التخلص منها.
ووفقاً لصحيفة The Times البريطانية تقود هناء أول فريق نسائي من الأزيديات لإزالة الألغام، مهمته تعطيل مئات الآلاف من العبوات الناسفة التي خلّفها تنظيم داعش في المناطق التي كان يحتلّها في شمال العراق.
وقالت هناء في مكالمة فيديو من مكتبها في سنجار: “أعرف أن هذا العمل خطير وأن خطوة واحدة خاطئة يمكن أن تكلفني حياتي، لكنني فخورة بمساعدتي لعشيرتي ومدينتي وأهلي حتى يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم”.
فبعد ست سنوات من اجتياح مقاتلي داعش للمنطقة وقتلهم الآلاف من الرجال وأسرهم حوالي 7000 امرأة وفتاة بعضهن في سن التاسعة، لاستعبادهن جنسياً لا يزال حوالي 300 ألف شخص من الأزيديين يعيشون في مخيمات رغم طرد داعش من العراق عام 2017.
ولم يعد سوى حوالي ربع السكان الأيزيديين إلى سنجار ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الدمار طال معظمها، ولكن ثمة سبب آخر وهو أنهم لغموا المنطقة بعبوات مميتة قبل مغادرتهم إياها. وعثر فريق هناء على ألغام مخبأة في الأواني والقدور ولعب الأطفال فضلاً عن حزام من الألغام يبلغ طوله حوالي نصف كيلومتر.
ويقال إن العراق هو أكثر البلدان التي تحوي ألغاماً على وجه الأرض وتقول “بورتيا ستراتون” المديرة الإقليمية لمجموعة Mines Advisory Group التي تعرف اختصاراً بـ Mag وهي مؤسسة خيرية بريطانية من أكبر منظمات إزالة الألغام العاملة في العراق: “صنعت داعش ألغاماً أرضية يدوية بكميات كبيرة لزرع الرعب وتهديد أرواح الأبرياء لأجيال قادمة”.
ويضم فريق هناء المكون من ستة أفراد أماً لطفلين قُتل زوجها على يد تنظيم داعش وأخريات استعبدهن داعش جنسياً مثل عمشة التي كانت في الـ 16 من عمرها عندما أسرها التنظيم ونقلها إلى سوق الرقيق. وكانت عمشة من نصيب كتيبة داعشية وتعرضت للتعذيب والاغتصاب لمدة 15 يوماً. ثم بيعت لرجل من داعش في الموصل حيث ظلت سبية لمدة 10 أشهر وكانت تخدم زوجته وأبناءه وتتعرض للضرب والتعذيب والاغتصاب من حين لآخر. لكنها تمكنت في النهاية من استعارة هاتف للاتصال بأمها التي رتبت لإنقاذها.
تقول عمشة التي تتولى الآن المسؤولية عن كلب التنقيب عن الألغام إن العمل ساعدها في التغلب على ما مرت به.
ويشار إلى أن منظمة Mag دربت 36 امرأة على إزالة الألغام. وهناء واحدة من ضمن أربع قائدات للفريق اثنتان من الأزيديات واثنتان من العرب. ومنذ بداية عملها عام 2016، أزال فريقها 27 ألف لغماً. وقد تمت ترقيتها مؤخراً للإشراف على فريق ثانٍ يضم تسعة رجال.
يوثق فيلم جديد بعنوان Into the Fire من إخراج أورلاندو فون إينسيديل الذي أخرج فيلم White Helmets الحائز على جائزة الأوسكار عن عمال الإنقاذ في سوريا عملهن الخطير. وتنقل الكاميرا التوتر الذي يرافقهن وهن يتنقلن بمعداتهن الوقائية عبر الحقول الجافة أو عبر الشوارع التي تغطيها الأنقاض. وكن يحملن جهاز الكشف عن المعادن الذي تتوقف حاملته عندما يصدر صفيراً لتضع علامة على المنطقة باللون الأحمر ثم تنبش الأرض بحذر لإزالة اللغم أو تربط سلكاً حوله لتفجيره فيما تدعو هناء الجميع للتراجع وتحافظ على ثباتها بشكل يدعو للإعجاب حتى عندما تهز الانفجارات الأرض وتثير الدخان والغبار في كل مكان.
يقول فون إينسيديل: “هناء وزميلاتها من أشجع الناس الذين قابلتهم في حياتي. إنهن يضعن حياتهن على المحك بكل معنى الكلمة يومياً لاستعادة الأمن في المنطقة مجدداً. وهن يغيرن تماماً المفاهيم النمطية لدور المرأة في إعادة بناء المجتمعات بعد خروجها من الصراع”.
وقد عادت أسرة هناء إلى منزلها القديم في خانصور في سنجار. وقد حالفهم الحظ لأن منزلهم لم يتضرر. ولم يعد سوى 10% من سكان القرية خوفاً من الألغام وغياب الأمن. لكن هناء تشعر بالقلق على أطفالها الذين يقطعون مسافة تقترب من ثلاثة كيلومترات للوصول إلى المدرسة.
وتجوب القرية هي وفريقها لتنبيه الأطفال إلى الاحتراس من الأشياء غير المألوفة. ففي إحدى المناطق أخبرهن رجل أن لغماً أصاب ابن أخيه البالغ من العمر 15 عاماً أثناء رعيه أغنامه.
إلا أن جائحة فيروس كورونا أدت إلى توقف عمل فرق إزالة الألغام. ولم تشهد سنجار إصابات حتى الآن ولذا تأمل هناء في العودة إلى العمل قريباً.
وتقول: “كل يوم لا نخرج فيه يعني تعرض المزيد من الأرواح للخطر”.
المصدر: صحيفة The Times البريطانية

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني