fbpx

المرأة بين الذكورة والجندر.. حلقة مفقودة

0 472

الجندر (Gender) كلمة إنكليزية من أصل لاتيني تعني بالمعنى اللغوي “الجنس من حيث الذكورة والأنوثة)، ولكن هذا المصطلح دخل إلى علم الاجتماع تحت معنى النوع الاجتماعي.

والجندر كمفهوم تحوّل إلى ظاهرة نسوية تطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة. وهو أيضاً كمفهوم يستخدم للدلالة على العلاقات والأدوار الاجتماعية والقيم التي يمايزها المجتمع لكل من طبيعة المرأة والرجل، وفق الباحثة اللبنانية عزّة شرارة بيضون.

وعلى اعتبار أن المجتمعات ليست على نسق تطوري واحد فهذه الأدوار تختلف وتتعدد باختلاف وتعدد المجتمعات. لهذا لا يمكن فصل مفهوم الجندر عن العلاقات الاجتماعية السائدة مثل الدين والعادات والتقاليد والعرق والثقافة وغيرها من العوامل.

لهذا حين نتحدث عن الجندر (النوع الاجتماعي)، سيكون ملزماً لنا أن نتحدث عن مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص بما يحقق العدالة الاجتماعية.

وفي ظل الظروف التي أنتجتها الحرب في سوريا، وما آلت إليه من نزوح ولجوء حدثت هوّة أوسع على مستوى المساواة وتكافؤ الفرص لصالح الذكورية.

ومن الجدير ذكره أن هناك من يخلط بين مفهومي “الجنس” والجندر”، وكما هو معروف الجنس يمثل الاختلاف البيولوجي بين الذكر والأنثى، أما الجندر فهو يمثل الاختلاف في المساواة وفرص التكافؤ بالعمل أو العلم أو غيرها من مجالات الحياة.

الجندر وحقوق الإنسان:

لقد تمت مراعاة جميع حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة من قبل المجلس العالمي للأمم المتحدة في عام 1979، حين قام المجلس بتبني اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أو ما يعرف باتفاقية ‘‘سيداو‘‘ وقد تم من خلالها تعريف التمييز ضد المرأة وتحديد ما يجب على الحكومات الوطنية عمله في سبيل محاربة هذا العنف. وقد وقعت 187 دولة على الاتفاقية.

وتعتبر هيئة الأمم المتحدة المرأة كياناً للمساواة بين الجنسين: يعمل على تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين، وتركز أهداف هذه المنظمة على خمس قضايا تراها أساساً العنف ضد المرأة، السلم، القيادة والمشاركة، التمكين الاقتصادي، والتخطيط الوطني ووضع الموازنات.

الشرق والجندر:

نقصد بمصطلح الشرق هو مجموعة المجتمعات ذات النسق الاقتصادي والاجتماعي الأقل تطوراً من مجموعة البلدان الأكثر تطوراً في هذه الجوانب.

وما دامت العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية في المجتمعات الشرقية لا تزال محكومة بعلاقات تتفوق فيها الذكورة كدور اجتماعي واقتصادي وسياسي على دور المرأة، لهذا من الطبيعي أن تكون العلاقات الجندرية في هذه المجتمعات أقل تقدماً وبينها وبين الذكورة هوّة كبيرة، وحلقات مفقودة.

وتشير الحلقات المفقودة هنا إلى دور المرأة في المجتمع، سواء ما يتعلق بعمليات الإنتاج الاقتصادي أو التقسيم الوظيفي لجنسي الذكورة والأنوثة، وهذا ليس وليد مرحلة قريبة، بل هو يدخل ضمن حلقات تطور هذا المجتمعات، الذي يكون عادة بطيئاً بسبب تخلف قوى الإنتاج وأدواته.

في الشرق المرأة لا سيادة تامة لها على نفسها، فهي لا تستطيع حسب الوضع الاجتماعي العام أن تزّوج نفسها، فهناك ولي أمر هو الأب أو الأخ أو من ينوب عنهما حسب درجة القربى.

هذه الولاية تعني انتقاصاً واضحاً في حقوق المرأة على كل الصعد، فما دام هناك ولي أمر فعلى المرأة أن تطيع وتنفّذ رؤية هذا الولي، وفي حال تمرّدت على رأيه وقراره ربما سيكون العنف حلاً حقيقياً لإجبارها على الانصياع لقانون الذكورة السائد.

بقي أن نقول إن هذه الحالة تختلف نسبياً ما بين مجتمعات الريف ومجتمعات المدن في بلادنا سوريا، حيث حملها اللاجئون معهم إلى بلدان لجوئهم، فالريف لا يزال يعتبر المرأة أداة إنتاج، وهي لا تملك من هذا الإنتاج وعوائده أكثر من معيشتها حسبما يفرضها ولي أمرها.

الجندر في الريف يعتبر تجاوزاً على العادات والتقاليد والدين وفق فهمهم، ولهذا فالهوة بين الذكورة والجندر لا تزال واسعة. وهذا يجعلنا نستفهم عن جانبي المسألة الاجتماعي والقانوني.

الإعلامية راما العبوش

الحرب والجندر

الحرب الداخلية في سوريا أحدثت خلخلة عميقة في بنية الأسرة والجماعة الأكبر كالعشيرة أو القبيلة، فهي سببت حالات نزوح داخلية، أو حالات لجوء خارجي، وهذا يعني بالمعنيين الاقتصادي والاجتماعي تكسّر العلاقات السائدة ما قبل الحرب، وولادة حالات أنتجتها ظروف النزوح واللجوء، ما غيّر في وضع الجندر في زمن الحرب.

الحرب حوّلت المرأة إلى رب أسرة في ظل فقدان الزوج في المعتقلات أو استشهاده في المعارك، مما رتب عليها أدواراً مختلفة كسرت قاعدة الفروق الكبرى بين الذكورة والجندر لصالح الجندر بصور متفاوتة ونسبية.

كما غيّرت قواعد العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، التي قد يكون أفرادها موزعين على مناطق جغرافية متباعدة، وهنا اختلف النسق الاجتماعي الذكوري المتفوق متراجعاً بنسب مختلفة لصالح الدور الاجتماعي للمرأة، التي صارت رب أسرة أو معيلاً مادياً لأهلها أو أسرتها.

في هذه الحالة تبدلت طبيعة العنف السابقة لإخضاع المرأة لتبقى ضمن سياق المجتمع الذكوري المنتمية إليه، وانتقلت عملية العنف فعلياً لترتبط بالوضع الاقتصادي للأسرة الواحدة، فالزوج العاجز عن تقديم مستلزمات معيشة أسرته يكون فعلياً بدأ يخسر دوره الذكوري السائد لصالح دور اجتماعي مختلف وجديد ومتعدد، مثل أن يكون عاجزاً فتكون المرأة هي من يصرف على الأسرة وبالتالي فهو لا يملك القرار كلياً، فمن يملك قدرة الصرف يتمتع بقدرة ما على فرض بعض آرائه، وهناك حالات لا يجد الرجل فيها فرصة عمل، بينما يرسل زوجته للعمل ضمن قدراتها، فإذا أحست أنها لا تزال قيد أسر الذكورة فتحاول تغيير قواعد العلاقة في الأسرة لصالح حقوق تتمتع بها وتقربه من حقوق الرجل.

هذه الحالة وللأسف الشديد انتجت حالات عنف شديدة لدى السوريين في تركيا، أدّى بعضها للقتل أو تدمير الأسرة، وهذا أساسه نمط التفكير الذكوري، الذي لم تستطع الحرب بعد تخفيف غلوائه.

الجندر والعمل:

لا تزال سوق العمل في تركيا بالنسبة للسوريين، سوقاً غير مستقرة نتيجة حركة الاقتصاد التركي الذي يتعرض لضغوطات خارجية تريد منعه من التقدم واحتلال مواقع متقدمة على مستوى الاقتصاد العالمي، سوق العمل هذا يفرّق في الأجور بين الرجال والنساء، فأجور النساء العاملات في الحقول الزراعية أو في المعامل تكاد تكون نصف ما يناله الرجل من أجر.

هذا التمييز بين المرأة والرجل في الأجور، لا يخضع لحجم الإنتاج بينهما، بل يتعلق بنمط التفكير الذي لا يزال ينظر للمرأة أن مكانها الطبيعي هو بيتها ومطبخها وتربية أطفالها، وهذا معناه تبعيتها الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية لمجتمع الذكورة.

إن الاعتقاد بأن الرجل أكثر كفاءة من المرأة في سوق العمل الإنتاجي المعتمد على التكنولوجيا والشهادات العلمية هو اعتقاد خاطئ، مرتبط بذهنية تنظر للمرأة نظرة دونية على صعيد العلم والمعرفة والقدرة على الإدارة واتخاذ القرار، هذا الاعتقاد السائد يلعب فعلياً دور معوّق لتطوير الإنتاج وتطور التقانة، لأن عقل المرأة لا يختلف بقدراته التحليلية أو الرياضية عن قدرات الرجل، ولهذا فحيت تكون المرأة تحت قيادة إدارة عمل أقل كفاءة علمية منها، ستكون نتائج هذه العملية بالتراكم المستمر كارثية على صاحب الإنتاج وعلى المجتمع.

تضييق الهوّة بين الذكورة والجندر:

وفق كل ما ذكرناه من وقائع ملموسة تجري في أرض الواقع بخصوص العلاقة بين الذكورة والجندر، فإن الهوّة القائمة بينهما تحتاج إلى حشد جهود جبّارة من المجتمع ومنظماته المدنية والثقافية ومن مؤسساته الرسمية.

تقول الباحثة الاجتماعية أمل سلامات: “يكون ذلك بإزالة العوائق والتحديات الاجتماعية والقانونية ذاتها: فعلى المستوى الاجتماعي، لابد من توعية المجتمع بضرورة محاربة النظرة النمطية للمرأة، التي تؤطرها بأدوار الانجاب وتربية الأطفال فقط، وإن خرجت إلى سوق العمل فعملها لا يختلف كثيراً عن دورها الذي حددته النظرة النمطية، فهي غالباً ما تعمل في مهنة التدريس أو التمريض أو السكرتاريا.. لا تقف هنا العوائق الاجتماعية فهي كثيرة جداً ومتجذرة لأنها منبثقة من العادات والتقاليد وخاضعة في كثير من الأحيان للفكر الديني المتشدد والمتطرف.

توعية المجتمع لن تكون عملية سهلة إطلاقاً، فهي تستلزم تغيير في المناهج الدراسية، حملات مناصرة وحملات إعلامية، إضافة إلى تغيير المنظومة الفكرية لأفراد المجتمع، وتغيير على صعيد المؤسسات الاجتماعية التي تبدأ بالأسرة، ما يتطلب جهوداً فردية وجماعية، وجهود منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاجتماعية والسياسية والإعلامية.

على المستوى القانوني: لابد من تغيير القوانين التمييزية بحق المرأة، وخاصة قانون الأحوال الشخصية المجحف في فقرات كثيرة بحقها، ويقع هذا التغيير على عاتق الدولة والنظام الحاكم، وحتى نصل إلى ذلك لابد من الضغط المستمر على صناع القرار للوصول إلى تغيرات قانونية تكون منصفة للنساء”.

الإعلامية حلا الخطيب

أولى الخطوات بهذا الاتجاه هو القيام بحملات توعية واسعة ومكثفة في أوساط السوريين في تركيا، حول أهمية النظر للمرأة والرجل على أنهما انسانان، وبالتالي تتراجع الفروق الاقتصادية والاجتماعية بينهما، وهذا لا يتم بين يوم وليلة.

هذه المهام ليست مهاماً نخبوية، بل هي مهام كل منظمات وأطر السوريين سواء في المهن العلمية أو الروابط العمالية أو الجاليات، أو روابط الاعلام والصحافة ومراكز الدراسات.

إنها تحتاج إلى قراءة حقيقية للفروق الجندرية بين السوريين من رجال ونساء، وأسباب ودوافع هذه الفروق ومرتكزاتها، فيصير هناك ما يشبه قاعدو معلومات مركزية يمكن دراستها علمياً للبدء بتفكيك الحلقات الأكثر هشاشة وضعفاً فيها، ثم الانتقال إلى الحالات الأكثر صعوبة بعد فهم مرتكزاتها ووضع خطط لردم الهوة بين الذكورة والجندرة في هذه الحالة.

ترى الصحفية آلاء المحمد أن تضييق الهوّة بين الذكورة والجندرة يكون عبر: “أولاً من خلال سن قوانين تضمن حق المساواة بين الذكور والاناث ولا تفرق بينهم، وتطبيقها على أرض الواقع بحذافيرها ودون تساهل ومعاقبة من يتبع سياسات تمييزية، إضافة إلى التوعية والتثقيف المجتمعي القائم على تكريس قيم المساواة والعدالة بين الجنسين”

الدكتور سليمان العبار

ربما يكون هذا العمل يحتاج إلى مؤسسة قادرة على تنفيذ برامجه، وهذا ممكن بالتعاون الجاد بين منظمات المجتمع المدني العاملة في هذا الاختصاص وبين مؤسسة الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة، فذلك سيساعد على زيادة روابط الأسرة نسبياً على قاعدة ردم الهوة بين الذكورة والجندر.

“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني