fbpx

إيران في قعر جهنم

0 1٬369

يمكن للمتابع رصد التراجع أو الضعف الذي اعترى مشروع التمدد الإيراني في المنطقة، بداية من خروج الرئيس ترامب الأحادي من الاتفاق النووي وتتالي فرض العقوبات الأمريكية القاسية على إيران، وصولاً إلى مطلع عام 2020 حيث تم قتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، مروراً بقتل فخري زادة (أبو المشروع النووي الإيراني).

قاسم سليماني وفخري زادة يعتبران قمري إيران الإقليمي والنووي، أو الجناحين اللذين يطير بهما المشروع الإيراني للسيطرة على المنطقة.

وبالنسبة لقاسم سليماني وما عرف عنه بكاريزما قيادية والولاء المطلق للميليشيات متعددة الجنسيات المرتبطة بالحرس الثوري والسطوة في طهران، بصناعة القرار السياسي، فقد اعترف وزير الخارجية الإيراني الأسبق جواد ظريف في تسريبه الشهير أن السياسة الخارجية الإيرانية تتم صناعتها في فيلق القدس وبإشراف سليماني.

ليس سهلاً (إن لم يكن مستحيلاً) تعويض تلك الشخصيات القيادية في ميليشيات أو أحزاب عقائدية تلعب شخصية الزعيم أو القائد الدور الأكبر في تماسكها وتحقيق أهدافها.

لذلك لا يمكن أن يغيب علينا لمس الفراغ الذي أحدثه وعدم استطاعة خليفته قاآني سد الفراغ.

ولازال طيف قاسم سليماني حاضراً في أماكن تواجد الميليشيات التي أشرف عليها، حيث نلمس رفع صور سليماني في غزة ولبنان والعراق، فيما يقوم الشعب الإيراني نفسه بحرق صوره في مختلف المدن الإيرانية التي تشهد الاحتجاجات بين الفينة والأخرى.

ثلاثة أحداث مهمة حدثت في العام الماضي وبدايات هذا العام أدت إلى استقرار إيران في قعر جهنم

أولها انتهاء عند الثنائي الإصلاحي (وفق المعايير الإيرانية) روحاني وظريف ووصول أحد الصقور وحيازته على تأييد المرشد وبالتالي استلامه لرئاسة الجمهورية، وتعيين حكومة ومسؤولين كبار في مفاصل الدولة الإيرانية من الجيل الثاني للثورة الخمينية قادمين من الحرس الثوري (المدني)، مثل وزير الخارجية أمير عبد اللهيان، وبالتالي سيطرة الحرس الثوري بشكل مطلق على كل مفاصل الدولة الإيرانية بشكل يجعلنا نستنتج أن لا ثنائية بعد الآن بين الدولة والحرس، بل إن إيران الآن هي دولة الحرس الثوري.

وقد تكشفت نتائج ذلك، بعرقلة القيادة الإيرانية الجديدة لفرص توقيع الاتفاق النووي، بإظهارها لورقة الحرس الثوري وضرورة رفعه عن لوائح الإرهاب الأمريكية، إضافة ليس لفشل خمس جولات مناقشات ثنائية مع المملكة العربية السعودية، بل ازدياد معدل ونوعية هجمات أذرع الحرس الثوري بامتدادها لمناطق أخرى لم تكن متوقعة.

ثانيهما إخفاق مفاوضات التوصل لاتفاق نووي (وفق الشروط الإيرانية طبعاً) بعد وجود إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض لسنة ونصف تقريباً، وهي الإدارة التي وضعت نصب أعينها ووعدت بذلك على لسان مرشحها للرئاسة بحملته الانتخابية.

وخلال الأشهر الأولى من مباشرة الرئيس بايدن لمهامه، وتعيينه نفس الفريق تقريباً، الذي أنجز اتفاق 2015 في عهد الرئيس الأسبق وحاولت الإدارة الامريكية مع روحاني وظريف قبل انتهاء عهد (الإصلاحيين) سلق اتفاق سريع خشية التعطيل من الرئيس المحافظ الجديد.

لم يتمكن نظام الملالي من الحصول على اتفاق نووي يتيح رفع العقوبات الأمريكية المتعلقة به مع إجهاض أي مسعى أمريكي لربطه بملفات تخشاها دول المنطقة (التمدد الإقليمي، البرنامج البالستي والطيران المسير).

وقد كانت المهادنة أو اللين الأمريكي تجاه إيران بغية الوصول لاتفاق يضمن الحدود الدنيا، سبب التدهور الهائل الذي حصل في العلاقات بين الإدارة الامريكية والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبشكل أقل مع مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

حتى إن حاجة الولايات المتحدة للنفط والغاز الإيراني بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، لم تكن سبباً كافياً لإرغام إيران الولايات المتحدة على تمرير الاتفاق كما تريده إيران.

ثالثهما الغزو الروسي البوتيني لأوكرانيا وما تتعرض له روسيا من فرض استنزاف عسكري واقتصادي من الغرب، إضافة لعزلة دولية، لا تدع مجالاً لأنصاف الحلول.

إنها معركة صفرية بين الغرب وبوتين ولابد فيها من رابح كامل وخاسر شامل.

العقلية الإمبراطورية الروسية (التي تفوح منها الرائحة الدينية بخلط للدين بالسياسة وشن الحروب المقدسة) تشابه كثيراً (إن لم تكن نفسها) العقلية الإمبراطورية الدينية العابرة للحدود عند نظام ولاية الفقيه.

إن نظام ولاية الفقيه فقد حليفاً استراتيجياً على الصعيد الدولي لا تستطيع الصين تعويضه، ورغم التناقضات الظاهرية بين المشروعين (الروسي والإيراني) إلا أننا في سورية وبوجود الفريقين المحتلين لسورية، الداعمين للنظام، لم نر أي تعارض جوهري بين المشروعين، بل اختلافات بسيطة تحدث بين الحلفاء، حيث كان الطرفان يحاربان في غرفة عمليات واحدة بتناغم جيش جوي روسي مع ميليشيا أرضية إيرانية.

الخسارة الإيرانية بتراجع الدور الروسي العالمي ستكون ضربة قاصمة للمشروع الإيراني في المنطقة.

تداعيات الإخفاق الإيراني ومظاهره

أهم تداعيات ومظاهر الإخفاق الإيراني، ربيع إيراني ملون نراه داخل إيران الآن.. حيث تندلع الآن انتفاضة جوع إيرانية أشعلتها قرارات الرئيس الإيراني برفع الدعم الحكومي عن المواد الغذائية الأساسية، ولن تكون خضراء كالتي جرت عام 2009 بل حمراء، حيث انتشرت الاحتجاجات الإيرانية أفقياً في نصف عدد المحافظات الإيرانية، واستعملت قوات الباسيج العنف المفرط، وسقط ضحايا من أيامها الأولى، وبدأت قوات الباسيج تدفع بالدبابات الإيرانية إلى وسط المدن المنتفضة، مع الشعارات القديمة الجديدة الموت لخامنئي والموت للديكتاتور.

المشكلة التي تواجهها السلطات الإيرانية اليوم، هي أنها لا تملك المال الكافي للتراجع عن قراراتها، وليس أمامها إلا المعالجة الأمنية.

الانسداد الحاصل في العراق الآن، الذي نتج عن الانتخابات البرلمانية العام الماضي مازال حاضراً، وهو عدم تمكن نظام الملالي من تنصيب حكومة موالية له في بغداد، وفشل كل الجهود في إقناع التيار الصدري بالمصالحة مع الإطار التنسيقي، وتفضيله لتحالف ثلاثي مع السنة وأكراد إربيل، وبالتالي، ونظراً لأن العراق أهم حلقة من حلقات الهلال الشيعي، فإن الاحتمالات كلها مفتوحة، وكلها لا ترضي نظام ولاية الفقيه.

أما التواجد الإيراني في سورية عبر ميليشياتها ودعم نظام الأسد، فهو مقبل على تداعيات كبرى بفعل التراجع الروسي الذي قد يتوج بالنهاية بانسحاب مفاجئ، والاهتمام الأمريكي الأكبر في سورية، ووضع فكرة الانسحاب منها جانباً، إضافة إلى تحسن العلاقة التركية – الأمريكية التي ستنعكس سلباً على إيران والنظام.

إن نتائج الانتخابات اللبنانية الأخيرة، المعاكسة لنتائج برلمان قاسم سليماني عام 2018، حيث حقق حزب الله وحلفاؤه أغلبية مريحة، جعلت قاسم سليماني يقول: “تحول الحزب من حركة مقاومة إلى حكومة مقاومة”.

يؤكد ذلك ما ذهبت إليه نتائج الانتخابات العراقية، إن الحاضنة الشيعية والبيئة التي كانت متصالحة مع المشروع الإيراني قد اكتشفت ماهية المشروع وحقيقته بعدما لمست تجلياته على الأرض.

أما جماعة الحوثي في اليمن، فإن موافقتها على هدنة الشهرين لم تأت من حسن نية أو إفساح المجال لنجاح الاتصالات السعودية – الإيرانية، بل بسبب خسائر هائلة مادية وبشرية تكبدتها تلك الميليشيات في فشل هجومها الأخير على مأرب، التي يصعب تعويضها.

علمتنا إيران أنها تتبع استراتيجية فوضى وتفاوض، لذلك، إن لم تنجح غزوات المخدرات والمسيرات، فلابد من إخراج الورقة الذهبية داعش، علها تكون الملاذ الأخير، وأظنها لن تتمكن من ذلك لأن الزمن لا يعود إلى الوراء.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني