fbpx

واقع مرير وأمل منشود

0 111

بعيداً عن التنظير والحزبية ومقارنةً مع الواقع، الواقع المأساوي الذي يعيشه السوريون أينما وجدوا وبأي موقع جغرافي كانوا على الأرض السورية وأياً كانت مواقعهم السياسية، الحزبية، الدينية، والقومية، وكما أن الإرهاب لا يعرف أخلاقاً ولا ديناً ولا يميز بين ضحاياه أسود أو أبيض، طويل أو قصير موال أو معارض، سنيّ أو شيعي أو مسيحي أو درزي، عربي أو كردي أو آشوري أو أرمني أو…..

فطبيعي أن يحتج أو يثور لسوء الأوضاع كل متضرر منها فتراكم واستمرار أسباب العوز والفقر تتحول القضايا المعيشية والاقتصادية والحاجات الضرورية لترتبط بالكرامة الإنسانية وحريات الناس، وهنا أمرٌ طبيعي أن تتحرك الناس لتعلن احتجاجها على هذا الواقع المزرى وهنا المعاناة توحد الناس ويضعها في صف واحد أو جبهة واحدة ولكن قد تختلف شكل الاحتجاجات وإن كان موجهاً من قبل الجميع ضد الفساد وعصابات الخطف وعصابات التهريب وتجار السلاح والمخدرات، نعم قد تختلف من مكان لآخر أي شكل الاحتجاجات لأن لكل كيان اجتماعي خصوصيته ولكل كيان اجتماعي طريقته بالتعبير عن عدم رضاه عن واقعه وعن معاناته. فهل أوضاع أهل السهل والجبل تختلف عن أوضاع وظروف ومعاناة أهل الساحل أو أهل الشمال أو أهل المنطقة الوسطى؟! لذلك لابد من التفكير بالأسئلة التالية والإجابات عليها.

والأسئلة التي تفرض نفسها الآن كيف تُعامل هذه الجماهير من قِبل سلطتها، كيف تستجيب مؤسسات الدولة وقواها الأمنية لمطالب الناس التي امتزج فيها البعد السياسي الوطني الحر الديمقراطي بالواقع المعيشي وأعتقد هنا تكمن المعضلة الحقيقية، فما هو دور الروس وما هو دور الإيرانيين؟.

دور وفعل ممثلي الشعب السوري المعارض المعترف بها دولياً وغير المعترف بها.

وأطرح هذه الأسئلة وأترك الإجابة عليها لكل وطني حر ولكل تجمع ولكل حزب ولكل مؤتمر ولكل منصة، معتمداً على اعتماد الثوابت الوطنية والسياسية الأساسية التي يُجمع عليها الجميع، المتعلقة بالمصالح الكبرى للشعب السوري بالتأكيد على وحدة سورية أرضاً وشعباً والانتقال السياسي لدولة المواطنة، ووقف الحرب والعمل على تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة وخصوصاً القرار…. والعمل على القضاء على بؤر الصراع والتوتر والفلتان الأمني.

بنظرة متأنية لما يدور حولنا ومن خلال جميع الدوائر ذات الصلة بدءاً من الدائرة الشخصية مروراً بدائرة المجتمع والدولة والإقليم والمنطقة والقارة وصولاً لدائرة العالم.

ومما لا شك فيه وإن كانت كل دائرة تبدو مستقلة عن الدوائر الأخرى لكن بين هذه الدوائر تأثير متبادل، فلا تتحرك أي دائرة إلا من خلال تأثيرات الدوائر الأخرى، وهكذا فالعلاقة وثيقة بين ما يجري في أضيق الدوائر بما يحصل في الدوائر الأخرى مهما صغُرت أو كبرت، وكما قال ابن خلدون بأن الظواهر الاجتماعية مرتبطة بعضها ببعض، وارتباطها كارتباط العلة بالمعلول ومثل ما تكون هذه الظاهرة علة لغيرها فهي معلولة بغيرها وهكذا، فما رأيك إذا أدخلنا إلى الظواهر الاجتماعية الظواهر السياسية والاقتصادية وغيرها وبين تلك العوامل والظواهر أيضاً علاقات تأثير متبادل فحتماً أو على الأغلب سندخل في شبكة معقدة من العلاقات وكشف غوامضها يصبح من الأمور الصعبة.

من خلال ملاحظة الواقع السوري وعلاقته بالواقع الاقليمي وعلاقته وعلاقة الواقع الاقليمي بالواقع الدولي وما بينهم من تناقضات ومصالح و…

هل نستطيع أن نتعرف على حقيقة الأمر في العلاقات الدولية وسبب أزماتها وسبب الحروب بينها ونتائجها؟! والتي تسيطر عليها المصالح السياسية والاقتصادية وتبعاتها، أي كل ما يتعلق بها وكل ما ينتج عنها، يترافق ذلك بضعف المرجعية الأخلاقية والإنسانية الناظمة لهذه العلاقات وضرب عرض الحائط بمبادئ حقوق الإنسان وملحقاته والشرعة الدولية بشكل عام، فمع كل التطور الحاصل في العلوم والآداب والفلسفة والمعرفة بشكل عام، وكلنا يعلم بأننا في زمن الاتصالات وثورتها والبرمجيات وتطور هائل في صناعة الأسلحة على اختلاف أنواعها بما فيها النووية والكيميائية والجرثومية والفيروسية وغيرها وغيرها، وحقاً نستطيع أن نقول إن كثيراً من الدول تمتلك أسلحة الدمار الشامل، وكل ذلك على حساب تطور وتأمين ما يخدم الإنسان وتحقيق التعايش السلمي بمناخ من الأمن والسلام والطمأنينة، كعلاقة حقيقية بين الناس بعضهم ببعض أو بين الدول، من هنا دعنا نلقي نظرة على الواقع في الشرق الأوسط.

لا يخفى على أحد أن بين هذه الدول صراعات ومصالح متناقضة وعلاقة هذه الدول مع سورية لا تقوم على احترام السيادة ولا تعمل على مساعدة الشعب السوري بتحقيق سيادته وبناء دولته، الدولة الحديثة الدولة العلمانية الديمقراطية، دولة القانون وسيادة الدستور، فكان لها دور بشكل مباشر أو غير مباشر بتدمير البنية التحتية السورية وتشتيت الشعب السوري وتهجيره ووصول 85% منه لتحت خط الفقر وما يعادل نصف عدد السكان تقريباً في المخيمات يعيشون أسوأ الظروف، ويكابدون أمر الظروف في العيش الطبيعي واللائق بهم كبشر (كإنسان) وأنا هنا لا أبرئ النظام وحلفاءه ولا الروس والأمريكان، وأيضاً بدل التطور الطبيعي المنسجم مع شعارات الشعب السوري تحولت القضية السورية لقضية دولية تتحكم بها قوى فاعلة ذات المصلحة، حتى القرارات الدولية ذات الصلة كالقرار 2254 وجنيف 1، لم تعمل هيئة الأمم المتحدة بجدية ومسؤولية لتحقيقها، حتى المساعدات الإنسانية لم تصل لمستحقيها كما يجب، بل قد يكون الذي وصل منها لأصحابها لا يتجاوز 50% وذهب الباقي لأياد ما، منها النظام ومنها ما يسمى المعارضة، وأمام فشل القوى السياسية والحزبية وضعف قدرت الشارع السوري كحامل اجتماعي للتغيير وفشل المشاريع السياسية على اختلاف مرجعياتها كالمشروع القومي والمشروع الماركسي أو اليساري أو مشروع الإسلام السياسي.

أمام هذه اللوحة القاتمة، هل يمكن إعادة ترتيب المبادئ أو الأهداف والآليات والوسائل لنتجاوز حالة الانكسار وننطلق نحو التغيير، هل نستطيع التركيز على الاستفادة من تجربة أكثر من عشر سنوات بما فيها من نجاحات وبما فيها من إخفاقات حيث ننظر للنجاحات وتعزيزها ونرى بعين ثاقبة الإخفاقات وأسبابها وعواملها لنتمكن من معالجتها وتجاوزها ويكون منهجنا ومبادئنا، التمسك بمبادئ حقوق الإنسان والاعتراف بالآخر وحقه بالتعبير والعمل لنصرة رأيه ولكن بالطرق السلمية بعيداً عن قوة السلاح أو غيره من أساليب الترهيب، وهذا يتطلب طرائق تفكير جديدة تستند لمستوى وعي متقدم وامتلاك آليات وأساليب خطاب وعمل جديدة يخدم ذلك تشكيل تيار وطني ديمقراطي حقيقي، هدفه تحقيق الحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل البشر دون أي نوع من التمييز لأسباب سياسية أو دينية أو قومية أو طائفية أو عائلية أو عشائرية فالجميع يحتكمون لدستور علماني يحقق العدالة والمساوة، تيار وطني ديمقراطي بمنهجيه علمية من مهماته الأساسية بناء القاعدة الشعبية المتماسكة وقيادة شرعية منسجمة معها وتمثلها تمثيلاً حقيقياً، مهمتها الانتقال بالمجتمع والدولة لحالة يسودها الأمن والسلام والطمأنينة وتأمين الحياة الكريمة وتكافؤ الفرص، واستبدال خطاب الكراهية بخطاب التسامح والمحبة والتآخي.

مثلاً واقع الائتلاف اليوم وما يعانيه مما يسمى الإصلاح الداخلي مقترناً بالمهمات التي تفرض نفسها، ما العمل حتى يستطيع أن يكون ممثلاً حقيقياً للشعب السوري ويُقنع الجميع بأنه الممثل الشرعي لهذا الشعب المنهك سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً؟ وهل استطاع أن يتقدم ولو خطوة واحدة على الواقع ليبرر وجوده؟ لا أقول ذلك من باب الاتهام، لا بل من باب النقد والرغبة بأن ينتقل السوريون لامتلاك قدرتهم على القرار والسيادة التي تغيب اليوم بسبب التشتت والتشرذم والتناقض، بين ممثلي الشعب السوري، وتعدد المنصات والمؤتمرات والتحالفات… وجميعها لم تصل إلى تشكيل قوة مؤثرة وفاعلة، إلى متى؟ وما العمل؟ ولماذا؟ أسئلة ستبقى تشغل الفكر والعقل السوري.

أمام هذا الواقع، هل نستطيع أن يكون لأحد شرف السعي والعمل لتأسيس تيار وطنيّ ديموقراطيّ واسع، يتطلّع إلى إحياء العمل السياسي الكفيل بإشراك جميع فئات الشعب في النضال ضد كلّ أشكال الاستبداد، سواء في الصيغة التي حكمت البلاد خلال العقود السابقة، واحتكرت كل مقدرات الشعب السوري وثرواته، أو في صيغة التّشدّد والتّطرُّف الديني الذي تسعى إليه أطراف أخرى.

والتأكيد على أنّ تحقيق ذلك لا يتجسّد إلّا في دولة المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية (الدولة العلمانية الديموقراطية الحديثة) التي تسترشد في دستورها بمبادئ حقوق الإنسان وسيادة القانون، وتكون نتاجاً للعقول النيّرة السورية، وتحقيق هذا الهدف الكبير سيكون من خلال تكاتف جهود كل الشخصيات والقوى المؤمنة بالتغيير الوطني الديمقراطيّ، وبالاعتماد على المبادئ العامة وأهمها:

  • وحدة البلاد أرضاً وشعباً، ورفض كل مشاريع التقسيم والانفصال تحت أي تسمية كانت.
  • التأكيد على السيادة الوطنية على كامل التراب السوري مبدأ لا يمكن التنازل عنه وهو مسألة غير قابلة للنقاش.
  • استعاده استقلال قرار الشعب السوري على كامل تراب الوطن، ورفض كل أشكال التدخل الخارجي.
  • إنجاز الحل السياسي وفق القرارات الدولية، وأهمها القرارين (2118-2254)، وتأييد كل جهد عربي أو أممي يؤدي إلى إنجازه.
  • رفض كل أشكال التّشدّد والتعصب ولاسيما التعصب الديني والسياسي.

لذلك، المهمة الرئيسة للسوريين اليوم، هي:

  • العمل على إنهاء الحرب والقضاء على بؤر الصراع والتوتر، ووقف أعمال القمع والاعتقال السياسي، وإطلاق سراح معتقلي الرأي، وكشف مصير المغيبين.
  • منع التجاوزات التي ترتكب من قبل جهات محمية تمارس الخطف والابتزاز والاعتداءات وتغييب الدستور والقوانين وانتهاك حقوق الإنسان.
  • العمل على عودة النازحين، والمهجّرين قسريا، واللاجئين إلى بيوتهم عودة آمنة تضمن لهم حياتهم وكرامتهم.
  • تحقيق مطالب الجماهير الشعبية المعيشية والاقتصادية وادانة التقصير في تأمين حاجات المواطنين من مواد الطاقة وغيرها، والعمل على بتأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي بما يضمن العيش الكريم الآمن وتحقيق الأمان للسكان.
  • العمل على المطالبة بإطلاق حرية التعبير وحرية العمل النقابي ورفع الوصاية عنهما، وبإلغاء الموافقات الأمنية التي تفرض على النشاطات المدنية والاقتصادية والأفراد، وتعيق شؤون ومصالح المواطنين، وتشكل مصدراً لابتزازهم.
  • العمل على استنهاض الرأي العام والهمم في سبيل حماية البيئة والثروة الحراجية والآثار.
  • استنكار، وبشدة، محاربة المواطنين بلقمة عيشهم، وفصلهم القسري والتعسفي بدون مبرر أخلاقي، أو إنساني، أو قانوني من وظائفهم، والمطالبة بإعادتهم لعملهم.

آن الأوان أن يقبل السوريون بعضهم بعضاً، وألّا يُقصى أحد إلّا أولئك الذين تلطخت أيديهم بدماء السوريين، وأولئك الفاسدين الذين عبثوا وسرقوا مقدرات الشعب والوطن.

إنّ المبادئ والمهام السابقة تشكل قواسم مشتركة وأرضاً صالحة لإقامة أوسع تحالف وطني ديموقراطي يسعى لتحقيق أهداف وطموحات السوريين كلّهم في بناء دولتهم العلمانية الديموقراطية الحديثة التي تحقق لهم الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة والمساواة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني