fbpx

هل ينهي الغزو الروسي لأوكرانيا الجمود في الملف السوري؟

0 397

لا ينكر أحد أن روسيا لاعب دولي مهم، خاصة انها أرادت تأكيد هذا الدور بتدخلها العسكري في سورية، الذي كان فاتحة تدخلاتها بالجوار الجغرافي البعيد عنها، بشكل يدعنا أن نطلق عليها المجال الحيوي أو الجيوسياسي.

بعد تموضعها في سورية وإشرافها على سواحل شرق المتوسط، كانت تملك كقوة عظمى متدخلة بصراع إقليمي تملك فائض قوة عسكري وسياسي ودبلوماسي لتمارس دوراً أساسياً بصياغة وضبط المشهد السوري.

– تملك روسيا محور أستانة مع تركيا وإيران.

– تملك تحالفاً صلباً مع إيران والنظام السوري.

– تملك محوراً دولياً مع إيران والصين يلقي بظلاله على الملف السوري.

– تملك تفاهمات عميقة مع إسرائيل بحيث كانت ضابط الإيقاع في الحرب الرمادية بين البلدين في سورية.

– تملك علاقات جيدة مع محور الاعتدال العربي (إن جازت التسمية) مصر، الخليج، الأردن

وقد حظي التدخل العسكري الروسي في سورية بمباركة ورضى دوليين (ضمناً أو علناً)، بحيث كل طرف رضي او دعم او غض الطرف عن الجرائم الروسية التي ارتكبت بحق الشعب السوري.

أطراف رأت فيه منع انهيار قريب ودراماتيكي للنظام السوري وحلفائه، وتحول دمشق إلى كابول سورية جديدة (ودمشق على مرمى النظر من الحدود مع إسرائيل).

ومنهم من رأى أن التدخل الروسي سيكون بمثابة طي صفحة الربيع العربي بعد تأديب الشعوب الطامحة لتغيير الحالة الكارثية التي ألمت بالشعب السوري.

ومنهم من رأى أن الوجود العسكري الروسي المباشر في سورية سيحول دون وقوع البلاد تحت سطوة النفوذ الإيراني وحيداً.

بعضهم رآه الحيلولة دون طموح تركي عثماني جنوباً يقوي الموقف التركي المتماهي مع ثورات الربيع العربي التي وصل بعض من تدعمهم أنقرة إلى السلطة.

انطلق التمدد الروسي إلى أفريقيا الشمالية عبر البوابة الليبية ووصل إلى عدة دول أفريقية كانت تاريخياً خاضعة للنفوذ الفرنسي وأسهم بنجاح انقلابات عسكرية، وبدا منافساً دولياً مهماً وطامحاً في القارة الأفريقية إلى جانب الصين والولايات المتحدة.

كانت روسيا متدخلاً فاعلاً من بدايات الثورة السورية، فقد كانت أحد صناع بيان جنيف 1 والقرار2118، بعد تسليم السلاح الكيماوي للنظام السوري وكانت أحد صانعي القرار الدولي الشهير 2254 الذي يعتبر المرجعية الدولية للحل في سورية.

وكانت المنتجات الروسية (اللجنة الدستورية) تم قبولها دولياً، إلى جانب صناعتها بمسار أستانة وتعطيلها الدائم لمسار جنيف، بل وصل بها الأمر لزرع منصة موالية لها في مؤسسات المعارضة الرسمية السورية أسمتها باسم عاصمتها، إلى جانب كونها الراعي الأول للنظام.

كان الأخطبوط الروسي ناشراً أذرعه بكل مفاصل المسألة السورية ويعتبر لاعباً رئيسياً في تعطيل أي جهد لا يصب في مقاربته للحالة السورية وبالمناسبة هذه المقاربة معلنة ووقحة بكل تفاصيلها.

ماذا يعني تآكل أو غياب الدور الروسي في سورية؟

نظراً لقوة وتشعب هذا الدور فلابد لتراجعه أو غيابه أن يترك آثار واضحة في المشهد السوري كله.

من المسلم به كما أعتقد أنه لم تعد هناك أية فرصة لتفاهم أو تنسيق بين الولايات المتحدة خصوصاً والغرب السياسي عموماً بعد أن آلت العلاقة بينهما إلى ما آلت إليه بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

ولا أظن أنه حتى على المستوى الإنساني أن يتم أي تنسيق، وهو ما سنراه قريباً عند انتهاء مدة سريان القرار الأممي 2285 القاضي بمرور المساعدات الأممية عبر معبر باب الهوى في تموز القادم.

ويحق لنا التنبؤ بضعف تدريجي سيتسارع حتماً للموقف الروسي في سورية (عسكرياً وسياسياً) وخسارة النظام وحليفه الإيراني لأساس محور الشر الغارق حتى أذنيه بالوحول الأوكرانية والتي بدت سريعة باستجدائه للمرتزقة السوريين وتقليص تواجده وسحب كثير من القوات، بل وسحب جزار سورية من حميميم مع نخبة معاونيه وتسليمهم لملف الغزو لأوكرانيا.

أيضا طرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مؤخراً وتنامي المطالبات بإعادة وراثة روسيا للاتحاد السوفييتي البائد بمقعده الدائم في مجلس الأمن مع مناقشة تقييد أو تبرير استعمال حق الفيتو، كل ذلك سيؤدي بالنهاية إلى طرد أو تجميد عضوية روسيا بالأمم المتحدة وسائر المنظمات والمعاهدات المرتبطة بالنظام الدولي القائم، (ولا تخفي تصريحات عدة من مسؤولين غربيبن ذلك، بل وصل الأمر إلى طلب محاكمات أمام محاكم تنظر بقضايا جرائم حرب وإبادة جماعية للرئيس الروسي ومعاونيه).

ما أود قوله، انتهاء أي دور سياسي دولي لروسيا، في المدى المنظور، وإزاء الاستنزاف الكامل للموارد العسكرية والاقتصادية الروسية في الجبهة الأوكرانية، لن يكون مفاجئاً لأحد بعد تخفيف الانخراط الروسي بالملف السوري اتخاذ بوتين لأحد قراراته الحمقاء بالانسحاب المفاجئ من سورية.

المشهد السوري في غياب (كامل أو جزئي) للحضور الروسي

1- لا شك أن دول الإقليم الفاعلة والمتدخلة بالملف السوري كانت على علاقة (مصلحة حميمية) مع روسيا في سورية (كل لأهدافه)، وقد ظهر ذلك للعلن وقد يكون فاجأ أيضاً الولايات المتحدة أيضاً، إذ كان موقفها من العدوان الروسي أقل كثيراً مما تتوقعه الإدارة الأمريكية من حلفاء تقليديين ولكن مع استمرار أمد الحرب ووضوح الوهن الروسي، ستبتعد كل تلك الدول عن روسيا بالتدريج (وقد بدا ذلك بالفعل بعد دخول الحرب شهرها الثالث)، ويجمعها أيضاً (وقد يكون عنواناً لتقاربها) الخشية من أخطار التمدد الإيراني في المنطقة عموماً وفي سورية خصوصاً.

لذلك ليس مستبعداً حدوث تقاطعات مهمة في سياساتها تجاه الملف السوري، بحيث لا نرى تصارعاً بينها يستفيد منه النظام السوري و(أو) إيران، وأظن أن محاولة انتزاع النظام السوري من الحضن الإيراني أصبحت من الماضي.

2- نظراً لحجم المفاجأة بالتورط الروسي في أوكرانيا، لم تكن لدى الولايات المتحدة أي خطط أو سياسية مبنية على مثل هذا الاحتمال، وجل سياساتها مبنية على التعاون مع الروس بكل جزئية من جزئيات الملف، لذلك لم نر من واشنطن المرتبكة إلا تظاهرات إعلامية وشهر محاسبة وتسليط الأضواء على الإجرام الروسي، ومعه إجرام النظام في سورية أيضاً لاستثمارها دعائياً في حملتها الدولية ضد روسيا وحشد الرأي العام الشعبي في الدول الغربية الذي بدأ يتذمر من آثار الحرب كالتضخم وارتفاعات الأسعار، ولم يكن من رغبات أو خطوات أمريكية جاهزة سوى الجهر بمشروع توحيد قوى المعارضة في الشمالين الشرقي والغربي في جبهة واحدة للبناء على خطة لإضعاف الروس والإيرانيين عبر إضعاف النظام.

3- لا شك أن التقارب التركي – الأمريكي المستجد سيلقي بظلاله على المشهد السوري، ويمكن لواشنطن الاعتماد على أنقرة كشريك رئيسي في الملف السوري ويعوض غياب الشريك الروسي.

ممكن أن نلمس هذا الأمر بتبديد المخاوف التركية من تغلغل حزب العمال الكردستاني في مفاصل ما يسمى قسد والإدارة الذاتية، ومحاولة فك الارتباط الحقيقية بين الـ (PKK) التركي مع حزب الاتحاد الديمقراطي، وهذا الأمر يتطلب ضغوطاً أمريكية قصوى على مسد وقسد ورضى الحكومة التركية عن ذلك.

4- ليس مستبعداً أيضاً القيام بعملية أو عمليات تركية عسكرية شرق الفرات، لتنفيذ تفاهمات أنقرة المبرمة بالأعوام السابقة مع كل من واشنطن وموسكو، حيث ترى أنقرة أن هذا الوقت هو الأنسب لذلك.

5- بسبب قرب موعد الانتخابات التركية ولكون أن ورقة اللاجئين من أهم أوراق المعارضة التركية في انتخابات العام القادم، قد يكون من الممكن قيام أنقرة بفرض تفاهماتها السابقة مع موسكو حول منطقة التصعيد الرابعة، التي كانت حدودها مرسومة بنقاط المراقبة التركية الـ 12 أي عملية عسكرية تركية ستؤدي لعودة مليوني نازح من الشمال السوري ومن داخل الأراضي التركية إلى ديارهم، وممكن تقديم دعم مالي لإعادة استقرارهم ولكن ليس عبر باب إعادة الإعمار بل عبر مساهمات خليجية وأوربية، ودعم أممي عبر برنامج الإنعاش المبكر وغيره من برامج الدعم الإنساني.

6- بانتظار حدوث الهزيمة الروسية الكاملة في الحرب وانكفاء موسكو لداخلها لمحاولة تضميد جراحها، لن يكون هناك أي حل دولي.

لن يكون هناك أي حل دولي كامل للملف السوري لأن ذلك يتطلب إعادة إعمار، ومعالجة قضايا حساسة للاجئين، وهو المشترك مع القضية الأوكرانية، والمانحين الدوليين هم أنفسهم.

لذلك أظن أن الجهد الغربي والدولي سيتوجه إلى إعادة الإعمار في أوكرانيا ومعالجة تبعات اللجوء الأوكراني واستهلاك الجهود فيها، ولن يتم الشروع بمعاجلة نفس الملفات بكلا البلدان اللذان وقعا ضحية للعدوان الروسي، وستكون الأفضلية حتما للملف الأوكراني.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني