fbpx

الحوار: أهميته وآدابه “2”

0 237

الحوار ليس مفهوماً جامداً ومستقلاً منفرداً بذاته بل هو مفهوم متطور ويرتبط بعدد كبير من المفاهيم الأخرى بعلاقة جدلية تكاملية، أي يرتبط مفهوم الحوار بمفاهيم ومصطلحات كثيرة تعطيه قيمته ويعطيها مدلولها الحقيقي وبعض المفاهيم تتعلق به كتعلق القطار بالسكة.

ويجب التمييز بينها وبينه مثلاً لابد أن نميز بين الحوار والتفاوض الذي يقتضي تبادل الحجج فهو أي التفاوض من جهة حوار ومن جهة أُخرى لا تتوفر فيه عناصر ومقومات ومبادئ وعوامل الحوار بشكل عام لأن التفاوض هو حوار يهدف إلى فض النزاعات، والتوصل إلى اتفاق على مسارات العمل، للمساومة من أجل ميزة فردية أو جماعية، أو لصياغة النتائج التي ترضي مختلف المصالح. وهذه هي الوسيلة الرئيسية البديلة لتسوية المنازعات.

كما يحدث التفاوض في مجال الأعمال التجارية، والمنظمات الهادفة للربح، وبين الدول وفي الحالات الشخصية مثل الزواج والطلاق وتربية الأطفال، وبعض جوانب الحياة اليومية.”

العلاقة بين الحوار والديمقراطية؟

هل حقاً قمة الديمقراطية حيث يكمن التنوع والاختلاف حينها يستنشق الإنسان هواء الحرية ويتنفس نسيم الكرامة وتحلق الكلمات في فضاء رحب متراقصة لتشكل معنى الحياة.

الإنسان السوي هو الانسان القادر على تحكيم عقله دون خوف، دون ضغط أو إكراه، دون خوف من محاسبة عشوائية من الحاكم أو سواه. فحرية التفكير جوهر العملية الديمقراطية، وغياب الحريات أو الحد منها يُفرغ الديمقراطية من معناها ويجعل منها شكلا دون مضمون. فالحرية وخصوصاً حرية الفكر هي المناخ المناسب جداً للديمقراطية فلا ديمقراطية بدون حرية ولا معنى للحرية بكل أشكالها بدون ديمقراطية وهما العاملان الاساسيان للحوار.

الوعي الديمقراطي عامل هام وأساسي في الحوار ومنهج حواري لا غنى عنه حتى يكون الحوار مُنتجاً.

كما أن الحوار هو العامل الرئيسي والركيزة الاساسية للديمقراطية.

فالمجتمع الديمقراطي مجتمع مفتوح. ومنضبط قانونياً ودستورياً تعرض فيه الأفكار وتُناقش علناً من جميع المواطنين تحت حماية القانون.. الإنسان المنفتح والمحاور والمدافع عن حقوقه أي (المواطن بالمعنى السياسي والحقوقي والإنساني) لا يبقي لنفسه حصيلة أفكاره ومواقفه بل يود نقلها إلى الآخرين لاقتناعه بما يفكر فيه وبما يفعله. إذا دخلت هذه العقلية الانفتاحية في مجالات السياسة والنشر والصحافة والفنون وغيرها، قد تتجلى بصحوة نوعية عند المواطنين يتجاوزون فيها حدود إمكانياتهم الضيقة لإيجاد حلول جماعية أفضل من الحلول “المنزلة” من دماغ السلطان مهما كان قادراً وقديراً. فحصيلة مجموعة الأفكار هائلة وأكثر غنى بالنسبة لأفكار فرد واحد مهما كان.

أما ما يتم من إملاءات بالغرف السرية والانغلاق والاعلام الموجه والصحافة الموجهة أو ما يسمى خبثاً الصحافة “الملتزمة”. واتخاذ القرارات ضمن حدود ضيقة تؤدي إلى سياسات هزيلة لا تخدم المواطنين بل تخدم شلة من الحكام ومن يدور حولهم، كما يحدث غالباً في الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية بكل أنواعها.

الحوار بين أناس أحرار، عامل أساسي ليكون الحوار مُنتجاً ومهماً لنضجهم الفكري بل مقياساً لذلك. فالحوار هو نقاش مفتوح بين الأفراد تبعا لبعض الأصول لعرض أفكار المشاركين وتجاربهم لتجاوز الانعزالية الفردية. فالدخول في حوار مع الآخرين يغذي أفكار الفرد والجماعة معاً وتصبح محصلة النقاش والحوار أكثر وأكبر وأعمق من مجموع الأفكار المطروحة قبل نقاشها ومقارنتها.

أثناء الحوار تنمو الأفكار وتتطور بسبب دخولها في مجابهة سلمية ومقصودة مع أفكار مناقضة أو موازية أو مُتقاربة أو مُكملة. هذه الحركة بين الفكرة وغيرها ترفع المتحاورين إلى مستوى أرقى من حيث فهم الأمور المطروحة.

لكي يصل المتحاورون إلى نتائج إيجابية، على كل واحد أن يعرض أفكاره بشكل واضح وصادق وبكل حرية.

الحوار والوعي:

للحوار أهمية في تنمية الوعي، كما أن الوعي هو قدرة ونهج وقابلية أكثر منه معلومة أو معادلة أو رقم، فالوعي هو الأصل أو الجذر والأفكار هي الفروع أو الأثمار.

إن ما يميز المجتمع هو الفكر الذي يدور به، وما يتميز به الفرد في المجتمع هو قدرته على الإبداع في هذا المجال، وما يمكنه من استثمار هذه القدرة وترجمتها إلى الفعل هو توفر المناخ الملائم لحرية الرأي وتبادله، وهذا المناخ لا ينضج إلا إذا نجح المربون في تطوير وتنمية الوعي الجمعي لفن الحوار، أصوله وقواعده وآدابه.

الحوار هو الطريق الحضاري للالتقاء في نقاط مشتركة ويساهم الحوار، أولاً، بتشكيل الوعي المعرفي وذلك من خلال الفهم السليم لأنفسنا وللآخرين. ثانياً، بمعرفة الاتجاهات والقيم والممارسات والحضارة والثقافة… إلخ

نعم وبثقة نستطيع أن نقول: الوعي (وعي الذات ووعي الآخر ووعي الواقع بماضيه وحاضره ومستقبله) هو السمة الأبرز للمجتمعات الحية المنطلقة لبناء مستقبل أفضل وبناء حياة غنية بكل ما يحفظ سلامة الانسان وكرامته وحريته ونموه الطبيعي، من هنا نستنتج بأن العلاقة بين الحوار والوعي والثقافة علاقة جدلية (تأثير متبادل) وهذا يقتضي التعرض للعلاقة بين الحوار والثقافة وتوضيحها والتمييز بين الثقافة وثقافة الحوار.

الحوار الثقافي

يُعدُ الحوار الثقافي من مظاهر التواصل بين البشر في شتى المجالات، ومن مستلزمات التعارف بينهم، فالحوار الثقافي هو، تبادل الرأي والمعلومات في شتى جوانب الحياة ومجالاتها، في الدين في السياسة في العلم في المجتمع في الحضارة في الاقتصاد… إلخ بغض النظر عن دينك وقوميتك وحزبك… إلخ، فالثقافة ومظاهرها المتعددة هي من أهم مجالات الحوار بين الناس، وللحوار الثقافي آداب وتترتب عليه نتائج أيضاً.

ثقافة الحوار

إن الإنسان يعي نفسه ككائن متفاعل مع المجتمع، ويحب أن يعبر عن نفسه وقناعاته، من خلال عرض أفكاره على الآخرين ومشاركتهم ما توصل إليه خلال رحلته في الوصول إلى الحقيقة. فيلجأ الإنسان للتواصل مع الآخرين من خلال الحوار. وأهم ما في ثقافة الحوار ويحقق معناها مبدأ قبول الآخر بما هو عليه من اختلاف ديني أو مذهبي أو عرقي أو سياسي، واحترام التعددية عند الاستماع للطرف الآخر ولآرائه. ويعد الحوار ثقافةً لأنه مبني على مجموعةٍ من الأسس والآداب التي تجعل منه أداة تواصلٍ هادفة، تقرب الأشخاص من بعضهم وتعزز من التواصل الثقافي في مختلف المجالات، وتزيد من تقبل الآخر، وترتقي بجميع الأطراف المتحاورة.

المحاور الجيد هو القارئ الجيد المستمع الجيد والتي من أبرز خصائصه أي خصائص المحاور الجيد التواضع والبساطة والذي ينطلق من مبدأ نحن خلقنا (وجدنا) لنتكامل وليس لنتفاضل.

(الإنسان العظيم هو الذي يشعر الاخرون اثناء بوجوده بأنهم عظماء وليس العظيم من يشعر الاخرون بأنه عظيم)

من الأفضل أن نؤمن بمبدأ: أنا لا معنى لوجودي بدونك أنت.

الحوار والسمات الشخصية للمحاور: (أكد علماء النفس والشخصية بأن الطفل يبدأ بإدراك ذات الآخر قبل إدراك ذاته ثم يبدأ بمعرفة ذاته من خلال الفصل المتنامي والمستمر بين ذات الآخرين وذاته كي يميز ذاته عن ذات الآخرين. فإدراك ذات الآخرين سابق على إدراك الذات الشخصية).

السمات الشخصية

هي مجموعة من الصفات الواجب توافرها في شخص المحاور صاحب الفكرة ليصبح أشبه بالمحامي الجيد للقضية المشروعة.

فمن الطبيعي أن الحكم في القضية يتأثر بعدة عوامل ويسير الحكم والنقاش حولها حسب أمرين، أو عنصرين:

1- الأمر الأول: هل هي قضية مشروعة أم باطلة

2- الأمر الثاني: هل المحامي الذى يتقدم للدفاع عن القضية، مؤمناً فيها؟ ويمتلك المهارة بالدفاع عنها وتوضيحها وبيان خصائصها وميزاتها وأعتقد أن أي خلل في أحد الأمرين السابقين ستكون القضية حتماً خاسرة أو فاشلة أي لن يُكتب النجاح لقضية حتى لو كانت عادلة، إذا كان المحامي غير مقتنع بعدالتها أو غير قادر على الدفاع عنها بحجج منطقية صحيحة وكذلك مهما كان المحامي متمكناً لا يستطيع أن يغير من طبيعة القضية الفاسدة أو غير المشروعة أو الباطلة، فالشرطين متلازمين متكاملين لا يستغني أحدهما عن الآخر عدالة القضية وصحتها ونباهة المحامي وصدقه وقناعته بعدالة هذه القضية. أي إذا اجتمع المحامي البارع مع قضية أصلاً مشروعة وصحيحة، بالتأكيد نجاحها سيكون حتمياً وحقيقياً.

وكذلك الحال بالنسبة للحوار فكثيراً ما ندافع عن قضايا مشروعة ولكن نتيجة لأسلوب المحامي السيئ يتم خسران القضية، وفى أحيان كثيرة قد لا تتاح الفرصة للاستئناف ويكون الانطباع السلبي عن القضية قد رسم وترسخ بالفعل في ذهن الآخرين وفى عقول المتابعين.

من هذه النقطة يتبين لنا تماماً أهمية دور المحاور في أن يكون المحامي الجيد والمعبر المرموق عن قضيته وفكرته، وتتعلق القدرة بالحوار وإتقانه بالذكاء الانفعالي، وهي من أهم السمات الشخصية للمحاور ومن هذه السمات أيضاً أن تسأل نفسك وبين الحين والآخر: من أنت؟ سؤال مهم جداً تطرحه على نفسك، اعرف نفسك كمحاور ما هي قدراتك واكتشف إمكانياتك كيف تتعامل مع النقد؟ كيف ترد على الاتهامات الموجهة إليك؟ هل أنت حقاً مخلص بالعمل للدفاع عن أفكارك؟ ابتسامتك هل تسبق كلامك؟ هل تتميز بمرونة عقلية وبطرائق تفكير ديناميكية، ما يساعدك على الإبداع والابتكار هل تتعامل مع محاورك بحس مرهف وشفافية؟ هل أنت ممن يعترفون بأخطائهم؟ هل أنت ممن يسيطرون على انفعالاتهم ويستطيعون التحكم بها؟

النجاح في الحوار قد يتوقف أو يتعلق على تقييم نفسك وقدراتك وثقافتك وإمكانيتك في موضوع الحوار وتوظيفها توظيفاً ملائماً لموضوع الحوار لكنها قد تكون غير كافية لأنها تتعلق أيضاً بمعرفتك للشخص الذي يحاورك وهذا يتطلب أو يتعلق بمعرفة شخصية محاورك فمعرفة السمات الشخصية لمحاورك يجعلك تختار وتتبع الأسلوب المناسب لشخصيته وسماته النفسية والمعرفية. فالبشر نماذج مختلفة ومتنوعة ومتعددة في سماتها النفسية والعقلية والسلوكية لابد من معرفتها ومعرفة سماتها وخصائصها السيكولوجية لوضع الاسلوب المناسب لها وإتباع الاسلوب والآليات المناسبة والتي من شأنها أن تسير بالحوار نحو النجاح وتحقيق أهدافه. فمحاورك قد يكون خشناً أو خجولاً، عدوانياً أو سلمياً، هادئاً أو انفعالياً، ثرثاراً أو كتوماً، ودوداً أو مشاكساً، مغروراً أو متواضعاً، متردداً أو جامداً، سريع التفاعل أو بطيئاً، عنيداً متعالياً، جل اهتمامه البحث عن أخطاء الآخرين، متحذلقاً مراوغاً كثير الشكوى… إلخ.

لكل هذه الشخصيات صفات مميزة ولها طرائق تعامل خاصة، لابد للمحاور الجيد إدراكها ومعرفتها ومعرفة طرائق التعامل الخاصة المناسبة لها.

الأسلوب المناسب للشخص المناسب في الموضوع المناسب في الوقت المناسب

إذاً ثلاثة متلازمة متكاملة لحوار ناجح وعي الذات ووعيي للآخر وقناعتي ومعرفتي وإيماني بمادة الحوار.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني