fbpx

هل بات علينا التفكير بما بعد الحرب

0 376

قد تكون الحرب في سورية وضعت أوزارها، فبعد المعارك الأخيرة الكبرى في بداية العام الماضي التي تمكن النظام فيها من احتلال الجزء الأكبر من ريف إدلب الجنوبي وأرياف حلب الغربية والجنوبية وجزء من الريف الحلبي الشمالي، توقفت خطوط الاشتباك بماهي عليه الآن وفق اتفاقية سوتشي الموقعة بين الرئيسين التركي والروسي في 5 آذار 2020.
حيث أعقب ذلك الاتفاق هدنة هشة وسحب نقاط المراقبة التركية الـ 12 التي أضحت في عمق الأراضي التي سيطر عليها النظام. إلى جنوب الطريق M4، وتشكيل قوس دفاعي تركي يعتمد أساساً على انتشار حوالي 15000 جندي تركي نظامي مع أسلحتهم، انتشاراً قتالياً بمعونة ما تبقى من فصائل للمعارضة السورية.
لم تحدث أي معارك خلال تلك الهدنة، التي يتم خرقها دائماً بقصف مدفعي من قوات النظام أو غارات محدودة للطيران الروسي غايته توجيه رسائل سياسية إلى أنقرة بمواضيع تخص ملفات أخرى بين البلدين ابتداءً من ليبيا مروراً بحرب ناغورني كاراباخ وانتهاءً بالتوتر الذي حصل في أوكرانيا.
إضافة لرسائل اعتاد الروس توجيهها بشأن إعادة فتح المعابر بين المناطق المحررة الخاضعة للنفوذ التركي ومناطق النظام أو ما يتعلق بشراء النفط المهرب مما يعرف بقوات سورية الديمقراطية (قسد)، التي تم خلالها قصف متكرر لحراقات النفط البدائية في ريف حلب الشمالي الشرقي.
مع الرغبة الأكيدة من الجيوش الحامية للمناطق الثلاث التي تشكلت في سورية بعدم الاحتكاك بينها أو بواسطة حلفائها المحليين واقتناع كل طرف أنه حصل على الحد الأدنى لما يريد من انخراطه المباشر بالحرب السورية
ومع سيطرة الجمود السياسي لأي حل قد يفضي إلى تطبيق القرارات والتفاهمات الدولية بشأن سوريا، وغياب أي رؤية أو استراتيجية أمريكية جدية لحث باقي الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ويرجح بعض المراقبين أن يستمر هذا الجمود العسكري والسياسي لما تبقى من ولاية الرئيس الأمريكي بايدن ومرور أشهر على تسلم إدارة جديدة، بما يقارب 5 سنوات أخرى من عمر المأساة السورية.
إزاء تلك الاوضاع تفكر الدول المتدخلة بالشأن السوري بترتيب أوضاع مناطقها، حيث يوجد الآن أربع حكومات، واحدة في دمشق، وإدارة ذاتية شرق الفرات وحكومتان في الشمال الغربي.
ما يهمنا الآن أوضاع منطقة الشمال الغربي، وخاصة أماكن وجود قوات الجيش الوطني السوري (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام) التي تخضع لسيطرة مباشرة من الإدارة التركية.
تسري أقاويل عن مساع حثيثة ومشاورات لإعادة هيكلة الجيش الوطني السوري، تجلى ذلك بعدم دفع رواتب منتظمة (على ضآلتها 200-400 ليرة تركية شهرياً) لآلاف المقاتلين، ورفض بعض الفصائل التخلي عن بنيتها المناطقية أو العشائرية أو التفريط بموارد تمويلها من معابر وتجارة محروقات (وقد وضع عدم الرد التركي على قصف حراقات النفط بريف جرابلس) ضمن إطار التضييق على موارد تلك الفصائل.
وقد جرت عدة دورات تدريبية اختصاصية لوحدات منتقاة من الجيش الوطني بشكل يؤهلها لتشكيل جيشي حقيقي احترافي مؤسساتي، بعيداً عن سلبيات المراحل السابقة ويكون مؤهلاً في المستقبل ليكون أحد اقسام الجيش السوري العام عندما يحين أوان الحل.
وتدور أقاويل عن الرغبة باحتواء عدد من المقاتلين وتنظيمهم ضمن شركات أمنية خاصة لحماية المرافق الحيوية أو الشخصيات المهمة أو أشياء أخرى تتعلق بهذا المجال، وفرز قسم منهم إلى الشرطة الحرة.
ولكن يبقى عدد كبير خارج إطار هذه التشكيلات الجديدة التي تم ذكرها، ومنهم من التحق بالعمل العسكري للثورة في سن مبكرة، ولم يتسن له الحصول على تعليم أو تدرب على تعلم مهنة يستطيع منها كسب رزق عائلته.
هذه الفئة ومنذ عقد مضى من عمر الثورة السورية لم تعرف أو تجد في حياتها إلا الرباط على الجبهات أو خوض المعارك والاقتحامات واستخدام مختلف صنوف الأسلحة.
هؤلاء يجب وضع برامج لهم (بمساعدة دولية) لإعادة دمجهم بالمجتمع المدني وتدريبهم على تعلم مهن أو إقراضهم ومساعدتهم على فتح مشاريع صغيرة لهم، أو توظيفهم في معامل وورشات ومنشآت تقام في الشمال الغربي.
إذا لم يحصل ذلك، فسيتحول قسم كبير منهم إلى أعمال التهريب واللصوصية وتجارة الأسلحة والممنوعات والمخدرات. وقد ينضم جزء منهم إلى المنظمات الإرهابية المعروفة (داعش، القاعدة، PKK)، أو ركوب قوارب الموت والتوجه إلى أوربا عسى أن يظفروا بفرصة لجوء إلى الدول الأوربية..
لذلك يجب الاستعداد لهذه المرحلة، التي لابد أن تأتي سواء طال الزمن أو قصر، للحفاظ على أمن المجتمع ومستقبل من حمل السلاح يوماً للثورة ضد الظلم والطغيان.. وللحديث بقية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني