fbpx

نموت.. ولا نصالح

0 1٬419

القمع الذي مارسه النظام الأسدي والوحشيّة ضدّ الثورة السورية.. جاءا بنتائج عكسيّة، فقد زاد من انتشارها أفقياً، مع بروز عوامل قوّة ذاتية كونها حركة جماهيرية تُعبّر عن شعب كامل (وقوى الشعوب ليس لها حدود ومتجدّدة).

أشدّ المتفائلين بالثورة السورية، لم يعتقد باستمرارها لشهر أو إثنين أو ستة أشهر كحد أقصى.

فقد مارس النظام ومنذ اليوم الأول عنفاً غير مسبوق، ولم يمتنع عن اتباع أي وسيلة لقمع الثورة، ولم يتمّ الضغط عليه من الخارج لفعل ذلك.

ما مَيّز الثورة السورية أنّها قدّمت شهداء منذ المظاهرة الأولى، رغم أن المظاهرات قُصِفت بمدفعية الجيش ودباباته، وتم استخدام الطيران الحربي والمروحيات لاستهداف احتجاجات مدنية، وفيما بعد تم رمي البراميل المتفجرة على الحواضن المدنية للثورة، وتمّ تتويجها باستعمال أسلحة الدمار الشامل كما حدث في الغوطة صيف 2013.

قامت منظومة الأسد بتصوير وتسريب فيديوهات لعمليات قتل وحشيّة وتعذيب مُريع للمعارضين لها، والرسالة أنّ هذا مصير من يعترض أو يعارض، ولم تَزد تلك التسريبات الثورة إلاّ قوّةً ولم يدبُّ الضعف في أوصال حاضنتها الشعبية.

تَمّ زرع عوامل التطرف الجهادي ودعْمها بسخاء وتمّ النظر بعين الرضى إلى تغوّلها في المجتمعات المدنية وتصفية قواها العسكرية، وزالت تلك القوى المتطرفة أو انحسرت بحدود ضيّقة وبقيت كتنظيمات عسكرية وظيفية تتنفّس من خارج الحدود ودون حوامل اجتماعية حقيقية، ما جعلها كبيت من خيوط عنكبوت تتلاشى عندما ينتهي دورها.

استمرت الثورة السورية في مناطق كل تلك التنظيمات، ورغم معارضة الجهادية منها للثورة من ألفها إلى بائها، إلاّ أنّها حاولت استرضاءها ومسايرتها وتبنّي جزء من خطابها وشعاراتها، لتأخذ بعضاً من المشروعية الجماهيرية وتُخفي بها وجهها الحقيقي، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أنّ القوى المسلحة العاتية المناوئة لفكر وأهداف الثورة تسعى لرضاها اعترافاً منها بقوة حاضنتها الشعبية.

بعد أن فشل جيش النظام وميليشيا حزب الله والفصائل التابعة لفيلق القدس الإيراني بالقضاء على الثورة، أو بالأحرى منع انهيار النظام، تمّ الاستنجاد بقوّة عُظمى عاتية ومجرمة وإعطاءها جميع صلاحيات القمع الوحشي لمجتمع وقوى الثورة، ودون صدور أي مواقف دولية حقيقية رافضة للمجازر بحق المدنيين، وأخذت العزّة بالإثم الرئيس الروسي عندما حدّد مدّة ثلاثة أشهر لهزيمة الثورة بفعل القوّة الهمجية التي كانت مُوجّهة بالدرجة الأولى للحواضن المدنيّة ومن ثمّ تلك الفصائل التي تمتلك أسلحة خفيفة بل بدائيّة.

مرّت الأشهر الثلاثة الأولى ومدّد الرئيس الروسي لثلاثة أشهر أخرى، ولم ينجح، ومرت السنوات السبع العجاف على تدخّله وبات يحزم حقائبه للرحيل عن سورية وبقيت الثورة صامدة وشامخة.

إنّ تناقص أعداد ما كان يُعرف بأصدقاء الشعب السوري الذين تجاوزوا المئة دولة في العامين الاولين للثورة ووصولهم عام 2022 إلى تيّار في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، لم يلن من عزم الثورة، وتم عزل الأسد أكثر وبقيت الثورة، والكثير من الدول تُخطط للاستثمار فيها وفقاً لأجنداتها، وتَبحث عن رأس خيط يُدخلها إلى الملف السوري من بوابة المعارضة، بعد أن تمّ قطع كل الخيوط مع النظام وأصبح معزولاً عزلة كاملة إقليمية ودولية وداخلية حتى من مؤيديه.

قُوّة الثورة تنبع من قضيتها العادلة والحقوقية أيضاً، وارتكاب النظام لجرائم لا يمكن المرور عليها أو تجاوزها إضافة لالتحاقه أو إلحاقه بمحور الجواد الخاسر محور بوتين – خامنئي، وصدور التشريعات الأمريكية المتعددة وآخرها قانون كبتاغون – الأسد الذي سيكون رصاصة الرحمة لأي أمل بالتطبيع الحقيقي معه.

الاستدارة التركية (المتوقعة) تجاه النظام السوري التي خرجت من إطار التصريحات الإعلامية ولقاءات رجال الظلّ الأقوياء لن تشّكل فارقاً، فقد خرجت إلى العلن بإجراء أول اتصال سياسي رفيع المستوى بين وزيري دفاع تركيا والنظام، وستتلوها خطوات على مستويات أعلى.

قد يكون قريباً لقاء وزيري الخارجية وربما تصل للمستوى الأعلى قبل الانتخابات التركية في الصيف المقبل.

قد تكون أسباب الانعطافة التركية الجديدة حِيال الملف السوري تكتيكية أو استراتيجية، وأنا أرجّح الاحتمال الثاني، إلّا أنّ نُقاطاً هامّة يجب تثبيتها لقراءة المرحلة المقبلة:

  1. استقر في وجدان الناخب التركي المتذمر من كثافة اللجوء السوري في بلده الذي يحمّله جلّ أسباب أزمته المعيشية والاقتصادية أنّ لا حلّ جذري لهذه المسالة إلّا بالاتفاق مع النظام السوري تمهيداً لعودة اللاجئين إلى بلدهم، ولذلك كان هذا الهمّ هو الورقة الانتخابية الأهمّ التي كانت عنواناً بل مشروعاً لأحزاب المعارضة لهزيمة حزب الحكومة في الانتخابات المقبلة، وبدأت الحكومة التركية خطوات متسارعة ومتلاحقة، التي تخوض حملتها الانتخابية لنزع تلك الورقة من أيادي خصومها، وبالفعل نجحت بذلك، إذ قدّمت الحكومة نفسها للجمهور التركي أنّها من يَسعى لحل مشكلة اللجوء السوري وتبديد المخاوف الأمنية من المنظمات الإرهابية عبر تطبيع للعلاقات مع دمشق، وبالطبع هذه السياسة من الحكومة أغضبت المعارضة ونزعت من يدها أقوى أوراقها التي حاول رأس النظام السوري أن يُبقيها بيد المعارضة عبر تمنّعه أو تباطئه في ملاقاة التصريحات التركية في منتصف الطريق. حتى أن الملاحظ بالصحافة المرتبطة بالنظام عدم تجسيد ما ألفوه سابقاً من بروباغندا الانتصار على المؤامرة الكونية ومن زحف الخصوم إلى دمشق لنيل رضى الأسد، بل كانت تعليقاتها مّقتضبة وعاديّة تُجسّد حالة عدم الرضى الكامل عن مسار الأحداث.
  2. إنّ حجم الملفات الشائكة بين تركيا والنظام ستجعل مِن تلك الخطوات التي تمّت وسوف تتمّ لاحقاً أقرب للشكلية منها للدخول بملفات لمعالجتها.

تتمحور الهواجس التركية حول ملفّين بحد ذاتهما ويمسّان صميم الأمن القومي والسلام المجتمعي للدولة التركية وهما، ملف اللاجئين، الذي لا يمتلك النظام السوري أية أدوات عمليّة لحلّه، والأهم أنه لا يملك النيّة لذلك لدواعٍ سياسيّة وأمنيّة واقتصادية بل وديموغرافية، وأقصى ما يمكنه تقديمه التوقيع على وقف إطلاق نار شامل يُتيح ظروفاً أفضل لعودة لاجئين من الداخل التركي إلى الشمال السوري.

أمّا الهاجس التركي الثاني هو التشارك للقضاء معاً على الارهاب المتمثّل بالفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي المتغلغل ضِمن قوات سورية الديمقراطية.

لا يملك الأتراك والنظام ومن يشاطرهما نفس الرغبة والهدف إرادة تَحدّي النفوذ الأمريكي في مناطق وجود تلك القوات شرق وغرب نهر الفرات، وبالتالي فإنّ أي تنسيق لا معنى حقيقي له في ظل الحماية الأمريكية.

أمّا مطالب النظام من الحكومة التركية فتتجلّى بشرطين مهمين، أوّلهما وضع جدول زمني لسحب القوات التركية من داخل الأراضي السورية (وقد كان ذلك شرطاً للنظام قبل القيام بأي خطوات تطبيع عملية وتنازل عنه الآن) وهو أمر لا يرفضه الأتراك، إنّما يربطون سحب قوّاتهم بتحقيق الاستقرار السياسي، وتعريفهم للاستقرار السياسي هو الدخول بالعملية السياسية وفقاً للقرار الدولي 2254، وهو ما يُكرّره المسؤولون الأتراك دائماً.

أما الشرط الثاني للنظام فهو توقف أنقرة عن دعم المعارضة السورية المسلحة والتي تعتبرها دمشق إرهابية وتعتبرها أنقرة جيشاً وطنياً سورياً وتعمل على الحفاظ عليه باعتباره أحد مكوّنات جيش سورية المقبل بعد التسوية السورية.

إمكان الوصول لحلول وسط بتلك الشروط الرئيسية المتبادلة ليس صعباً فحسب، بل يكاد يكون مستحيلاً.

  • لا ترغب أنقرة (ولا تملك القدرة إن رغبت) على الانفراد بحلّ سياسي للمعضلة السورية بالتعاون مع محور أستانة فهذا ملف دولي بامتياز ولا يمكنها تجاهل الفواعل الأمريكية والأوربية والعربية.

ما هو المطلوب فعله من قوى الثورة والمعارضة؟

  1. يَجب إدارة ملف الخلاف مع الجانب التركي برويّة وحِكمة، فإذا كانت للحكومة التركية قرارها السيادي بإصلاح علاقتها مع نظام الأسد باعتبار أنه خلاف سياسي لابدّ من تسويته يوماً ما… فإن لنا كامل الحقّ بالاعتراض على أي مسعى تركي لتحقيق مصالحه على حساب مصالحنا كاستعمال الضغوط التي تمتلكها الحكومة التركية علينا من أجل القبول بمصالحة أو تسوية من أي نوع ما، فكما أنهم لا يقبلون بالتدخل بسياساتهم، فبالمقابل لن نقبل أن يتدخلوا بإملاء أي أمر يتعلق بضرورة مصالحة مع النظام.
  2. يجب التمسّك بالثوابت والحقوق المعروفة وعدم التفريط بأيّ منها تحت أي ظرف كان وانتظار فرص مواتية قادمة كتعثّر ملف التفاوض المعقّد أصلاً بين الأتراك والنظام وانقضاء فترة الانتخابات التركية التي شغلت الورقة السورية أحد أوجه التنافس الانتخابي، وانتظار أفُق لا يبدو بعيداً كتقلص النفوذ الإيراني بسورية أو انكفاء الوجود الروسي المأزوم في حربه على أوكرانيا، أو تفاقم الأحوال المعيشية في مناطق النظام التي تنذر بثورة خبز، أو تداعيات تطبيق قانون كبتاغون – الأسد.
  3. العمل على الانفتاح على الدول العربية والأوربية والولايات المتحدة وحثّها على التمسّك بمشروع الحل الأممي لسورية.
  4. العمل على تقوية الجبهة المدنية وزيادة تماسكها، إذ أثبت الشعب السوري الحر أنّه الرقم الصعب في كل المعادلات، الذي لا يمكن تجاوزه وقد أثبت هذا الشعب أنّه يَزداد قوّة عند المساس بأهداف الثورة ويحسب له ألف حساب في دوائر صُنع القرار، إنّ بروز الوجه المدني للثورة بمظاهرات آب الماضي احتجاجاً على تصريحات وزير الخارجية التركي، ورفع شعار لن نصالح، وأيضاً برز هذا البعد المدني جليّاً عند محاولة هيئة تحرير الشام التمدد خارج إدلب وكان له الكلمة العليا بوقف ذلك الزحف، ولاشك أن مظاهرات الـ 30 من كانون الثاني 2022 تحت عنوان لن نصالح وتَمخّض ذلك الحراك عن قيادة مدنية شعبية تُمثّل ضمير الثورة وربما قيادتها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني