fbpx

نريد حماية دولية للشمال السوري

1 1٬703

لم يخف السوريين حسدهم أو مرارتهم من المشاهد الأولى التي بدأت بالظهور نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا، بالتأكيد هم تعاطفوا مع الضحايا الذين يذبحون الآن على يد جلادهم، ولكن ذبحهم تم بصمت ودون ضجيج إعلامي، وكانت لا تلقى نكباتهم اليومية أكثر من بيان استنكار خفيف اللهجة ولا يشير إلى الجلاد بالاسم، بل تعاطف مع ضحاياه.

مع الاستمرار بتقديم معونات إنسانية لإبراء ذمة أو إراحة ضمير أو أنه اقصى ما يمكن تقديمه في ظل صراع دولي محتدم، الجلاد فيه هو قوة عظمى تسعى لتأكيد عظمتها واسترجاع تاريخها وبناء مستقبل إمبراطوريتها، وكان – على ما يبدو – الدم السوري البريء مداداً لذلك الحلم الإمبراطوري المقصود.

بدأنا مع الأيام الأولى للاجتياح الروسي لأوكرانيا، نسمع من مسؤولين ووسائل إعلام، أن ما يقوم به الروس الآن في أوكرانيا هو استنساخ لما قاموا به في سورية، وكثرت المقارنة بين ما يتم من تدمير لمدينة ماريوبل وارتكاب المجازر في غيرها من المدن أنه يتم بنفس الطريقة التي تم تدمير أحياء حلب الشرقية وغيرها من أرياف دمشق وإدلب ودرعا، وأن توثيق الانتهاكات وإحالتها للقضاء الدولي بعد فتح تحقيق بها منذ الأيام الأولى للغزو.

كان الساسة وصناع المحتوى الغربيون يهمهم بالدرجة الاولى شيطنة عدوهم الروسي الجديد الذي يتحكم بشرايين الطاقة وتوريد الغذاء لهم، بعد أن استكانوا لنظرية احتوائه عبر خلق منافع له ومصالح مشتركة، أو ظنّوه غبياً وفّر لهم الطاقة الرخيصة التي كانت أحد أهم أسلحتهم التنافسية في صناعاتهم.

كان على الساسة الغربيين أن يعملوا بسرعة على شيطنة الدب الروسي لتهيئة رأي عام شعبي داعم للحرب التي تستهدف تقويض الأهداف الروسية، ليس في أوكرانيا فحسب بل في أوروبة، ولم يجدوا أمامهم إلا إبراز الهمجية الروسية البوتينية في سورية وتسليط الضوء عليها وتقديمها للمواطن الأوروبي، هكذا سيكون مصيرنا إذا لم نتصد للعدوان البوتيني، وستدفعون تكاليف الحرب من تصخم وغلاء أسعار، وقد يصل الأمر إلى تحمل بعض البرد في الشتاء القادم وتقنين لسويعات في التغذية الكهربائية، طبعاً إضافة إلى تبرير إرسال الدعم بمختلف أشكاله للأوكرانيين الذين يخوضون معركة نبيلة مع عدو الحضارة والقيم الإنسانية الطامع بفرض هيمنته على القرار السياسي الأوروبي الآن والدولي كنتيجة حتمية تالية.

ولأن الغرب الجمعي عموماً والولايات المتحدة على وجه التحديد (وقد جسدت قمة الناتو الأخيرة ذلك) قد أجمع على أن روسيا هي العدو الأول للحلف وجاري خوض الحرب ببعدها العسكري معه في أوكرانيا، والحرب الباردة يتم خوضها بمختلف المجالات، فتم فرض أكثر من 6000 آلاف عقوبة اقتصادية ومالية على موسكو وإخراجها من نظام سويفت المالي العالمي، وشن حرب عليها في مختلف المجالات الأخرى السياسية والدبلوماسية والإعلامية.

ومن حسن أو سوء الحظ، أن سورية ستكون المكان الذي يوجد فيه الغرب والروس على الأرض، وبنفس الوقت هم متداخلون، وبحكم الواقع مرغمون، على إجراء تفاهمات تحكم وتتحكم بطبيعة الصراع السوري، منذ إعلان جنيف 2012 وحتى آخر قمة عقدت بين الرئيسين الروسي والأمريكي في جنيف، صيف العام الماضي أسفرت عن موافقة روسيا على عدم تعطيل آلية إدخال المساعدات الأممية عبر الحدود إلى الشعب السوري مقابل تنازلات أمريكية.

في الصراع الدائر حالياً بين الغرب وروسيا، الذي هو صراع طويل واستراتيجي وساحته أينما وجد نفوذ لأحدهما يستطيع الآخر طرده منه، دخل الملف السوري بهذه التجاذبات.

يسعى الروس لتثبيت هيمنتهم بسورية وتثبيتها أو تجذيرها عبر إجراء حل روسي لصراع المعارضة مع النظام وقطع الطريق على الولايات المتحدة للاصطياد أو الاستثمار بحالة الصراع الجارية حالياً في سورية.

يسعى الروس الآن لتثمير مسار أستانة بتحقيق إنجازات سياسية على الأرض عجزوا عن تحقيقها عندما كانوا يديرون الحل السوري، ولم تكن الحرب في أوكرانيا قد وقعت، وكان بالتالي كل التركيز أو الجهد الروسي (السياسي والعسكري) متاحاً للزج به في الملف السوري.

الخطة الروسية حاملها هو مسار أستانة الثلاثي الذي حاول جاهداً الاستئثار بالحل السوري وقبر المسار الدولي في جنيف، ولكنه كان مساراً غبياً محكوماً بعقلية القوة العسكرية البوتينية التي تحاول فرض كل شيء بالقوة ولا ترى مجالاً لإحقاق الحقوق مدعومة بفكر ميليشياوي فارسي ديني تاريخي حاقد، وتيار تركي يحاول تقليل الأضرار التي لحقت أو ستلحق بتركيا وحلفائها نتيجة الغطرسة وفائض القوة الروسي والتخاذل الأمريكي والدولي.

واشتد التجاذب الروسي – الأمريكي بالملف السوري مؤخراً، ويبدو أنه يوجد اتفاق ضمني على عدم التصعيد العسكري على الأرض وخوض المعركة باردة، وإن كان الروس قد وجهوا رسالة تحذيرية بذلك عبر قصف طيرانهم الحربي لقاعدة التنف الأمريكية مرتين خلال خمسين يوماً، وذلك للضغط على الأمريكان لاستبعاد الخيارات الخشنة في الصراع في سورية، والقول إنهم مستعدون للمواجهة فيما لو حصل ذلك.

تمكن الروس مؤخراً وبعد قمة أستانة، شهر تموز الماضي في طهران، من إحداث خرق أو تحول في الموقف التركي واستمالته إلى خطط المحور تلك، حيث كانت القيادة التركية محبطة وحانقة على الموقف الأمريكي والغربي الرافض بشدة لأي عملية عسكرية تركية في الشمال السوري كان قد وعد أو لوّح بها المسؤولون الأتراك طويلاً، وإصرار الولايات المتحدة على التمسك بحليفها الكردي تحت حجج واهية لا تقنع ولن تقنع أنقرة.

كان الموقف التركي لافتاً في الموافقة على تبني فقرة في البيان الختامي للقمة، يطالب بضرورة انسحاب القوات الأمريكية من سورية بوصفها قوات احتلال، وتأكيد ذلك الموقف على لسان الرئيس التركي في الطائرة التي أقلته إلى بلده من طهران.

وتمخض اجتماع القمة في سوتشي بين الرئيسين التركي والروسي على نتائج أخطر، حيث بدأ سيل من التصريحات التركية من أعلى المستويات على ضرورة إصلاح العلاقة مع النظام السوري، رافق ذلك مظاهرات شعبية سلمية عفوية في الشمال السوري احتجاجاً على تصريحات السيد وزير الخارجية التركي بضرورة إجراء مصالحة ما بين النظام السوري والثورة السورية.

كانت رسالة المتظاهرين السوريين الضمنية، الذين أحسوا بالقلق وربما أكثر من ذلك أن لتركيا الحق السيادي في قراراتها أو خياراتها بما يخص العلاقة مع نظام الإجرام في دمشق، لكن على أنقرة ألا تتدخل أو تضغط لإجراء مصالحة بين قوى الثورة والشعب السوري والنظام، فهذا شأن يخصهم وحدهم وهنا كان شعار المظاهرات لن نصالح.

شعرت الولايات المتحدة بخطورة التحول في الموقف التركي وأيقنت أنه جاء بضغط روسي أولاً، وقد يكون إيرانياً ثانياً، لمحاولة فرض رؤية أستانة للحل في سورية، نظراً لما تتمتع به تركيا من نفوذ كبير على الأرض والمعارضة السورية الرسمية.

فسارعت لعقد اجتماع في جنيف (وجنيف تملك رمزية مسار جنيف الدولي للحل) ضم ثلاثة عشر دولة فاعلة أو مهتمة بالشأن السوري ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والنرويج وتركيا ومصر والعراق والأردن والسعودية وقطر والجامعة العربية والمندوب الأممي للملف السوري بيدرسون، وتم دعوة هيئة التفاوض السورية لسماع رأي السوريين.

انتهى الاجتماع بالتأكيد على ثوابت مهمة ورئيسية وهي تأكيد الالتزام بمفردات القرار الدولي 2254، واعتبارها أساس الحل الدولي للقضية السورية، ورفض أي مسار آخر يسعى الروس لتطبيقه على أرض الواقع، بل وتم رفض المقترح الروسي بنقل مكان انعقاد اللجنة الدستورية خارج جنيف تحت ذرائع واهية ترددها موسكو بأن جنيف فقدت حياديتها المعروفة عنها بعد انضمام سويسرا للعقوبات الغربية على موسكو.

لا شك أن السوريين في الشمال السوري يشعرون بقلق من العلاقة المميزة لموسكو وأنقرة، وانعكاس ذلك على السياسة التركية تجاه النظام السوري أو تأثر السياسة التركية بضغوطات داخلية تمليها الانتخابات التركية في العام القادم، أو ربما فوز المعارضة التركية بالانتخابات القادمة التي ستكون متحللة من أي التزام قامت به الحكومة الحالية منذ بداية الثورة السورية.

وهذه المعارضة لا تخفي سعيها لحل مشكلة اللجوء السوري في تركيا عبر الاتفاق مع النظام السوري.

لذلك ليس على قوى الثورة السورية والشعب السوري الحر حتى لا تكون قضيته المركزية بيد حكومة مهما كانت العلاقة التي تربطه بها، أن يسعى لطلب حماية دولية لخمسة ملايين سوري يعيشون في أصعب الظروف في الشمال، والبداية الطلب من الدول الـ 13 التي حضرت الاجتماع الأخير في جنيف، ومنها ثلاثة دول أعضاء دائمين في مجلس الأمن إضافة لتركيا وأهم الدول العربية.

هذه الحماية الدولية توفر الأرضية المناسبة لتطبيق القرارات الدولية لحل القضية السورية.

1 تعليق
  1. Md khaleefa says

    سرد واقعي لما حدث ويحدث على الأرض السورية ،ومواقف الدول الفاصلة في الملف السوري،
    وتداعيات أستانا والحرب على أوكرانيا.

    الحماية الدولية مطلب حقيقي لحماية ملايين السوريين ولاسترجاع أهمية القرار 2254 .

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني