fbpx

مفهوم الأمن القومي في سوريا

0 1٬418

يُعرف الأمن القومي بالإنجليزية بالـ (National Securtiy) بأنه قدرة الدولة على تأمين استمرار قوتها الداخلية والخارجية والعسكرية والاقتصادية في مناحي الحياة المختلفة، لمواجهة الأخطار التي تهددها في الداخل والخارج وفي الحرب والسلم على حد سواء.
وهذا المفهوم يعتمد على ثلاثة أمور أساسية: مفهوم التحديات، مفهوم المخاطر، مفهوم التهديدات، وكل ذلك يشمل البيئة الداخلية والإقليمية والدولية.
وقد اتسعت مستويات مفهوم الأمن القومي من المستويات الثلاثة الداخلي، والإقليمي، والدولي إلى مستويات جديدة ومتجاوزة كما قال المفكر الأمريكي توماس برنت: (إذا أردت أن تعرفَ سمات الأمن القومي الجديد فلا تذهب لتتناقش مع كبار الجنرالات ولا مع أبرز خبراء الدفاع، ولكن اذهب للمناقشة مع خبراء التكنولوجيا والاتصالات ومنظمة التجارة العالمية وأساتذة الاقتصاد).
وقد برزت تحديات كبيرة معاصرة أصبحت تهدد العمق الأمني للمجتمعات والدول كالبنك الدولي ومشاكل البيئة والإرهاب الدولي والبطالة والفقر والجريمة المنظمة…. الخ.
ومن أكبر إشكاليات الأمن القومي العربي: تفضيل بعض الدول أمنها الوطني على الأمن القومي العربي، وتنوع وتنافر الأنظمة العربية في كتل ومحاور متضادة متصارعة بينها، وتحول الأموال والاستثمارات إلى الخارج وفشل خطط التنمية والتقدم، وترك البلدان العربية تلقى مصيرها بشكل منفرد بعيد عن الأمن القومي العربي، وخاصةً في حكم بعض البلدان العربية من جهة أقليات عِصابية لا تعمل إلا للسلطة بغلاف قومي مزعوم.
وتمثل الحالة السورية واحداً من أهم هذه النماذج التي تمثل إشكالات واستعصاءات الأمن السياسي والاجتماعي والعسكري وذلك نظراً لطبيعة النظام وتعقيداته المكونة للنخب الحاكمة ذات البعد الطائفي الأقلوي في هيمنتها على القرار السياسي والعسكري ومحاصرة المجتمع وسلب خياراته القومية والأمنية والتنموية وحتى العروبية.
وينفرد النظام السوري بصبغة زائدة في خليط من الديكتاتورية والعسكرتاريا الطائفية ليصبح المكون الطائفي هو الذي يمثل المستوى الأعمق في تركيبة النظام، فكل ما يتعلق بالأمن الحقيقي والأمن القومي هو حالة صورية أمام مصلحة النظام الطائفي ورأسه في آل الأسد، فلقد تم التحالف مع إسرائيل ضد الفلسطينيين في تل الزعتر وساهم في دعم الكتائب في مذبحة الفلسطينيين، مما يسقط مقولة الأمن القومي والدولة البعثية القومية، وقد علق الكاتب الفلسطيني حنا بطاطو بقوله: بأنها لطخة سوداء لا تمحى، من التطابق بين مصالح الأسد ومصالح إسرائيل في عام 1976، حيث قام كلاهما بتزويد الموارنة بالسلاح فيما قامت سفنهما بقطع الإمدادات عن الفلسطينيين، وارتكبت مجزرة كبرى بحق الفلسطينيين من خلال تحالف سوري إسرائيلي، ووقف مع المشروعات الوحدوية الداعمة للأمن القومي بشكل وصولي وتحالفات نفعية ليس فيها بُعد عربي أو قومي، ولقد سعى الأسد الأب في مشروعاته العربية والإقليمية إلى أن تبقى يده الوحيدة المسيطرة على سورية، وعلى الرغم من تأييده ودخوله في مشروعات وحدوية شكلية، إلا أنه حرص على أن تبقى فضفاضة، ولا تقترب من السياسات الداخلية والدولية لسورية.
فمثلًا اتخذ فعلًا خطوات نحو اتفاقات وحدوية في عام 1971 مع مصر وليبيا، وفي عام 1976 مع مصر، وفي عام 1977 مع مصر والسودان، وبين عامي 1978 و 1979 مع العراق، وفي عام 1980 مع ليبيا، لكن تلك الاتفاقات كانت من النوع الانتهازي الفضفاض، ولم تكن تشمل أي تضحية بسلطته أو الحد منها لصالح القضايا العربية أو مصالح المنطقة، وفي نهاية المطاف باءت محاولات الوحدة كلها بالفشل، وارتبط الأسد بعلاقات جيدة بشاه إيران، ولكنه أيد ثورة الخميني 1979، ودعمه بقوة، وزوده بالأسلحة، خلال صراعه مع صدام حسين، ولكنه لم يسمح للخميني بالتغلغل داخل سورية، وقاوم التشيع حفظاً للعلويين من التأثير الديني الشيعي، وأما لبنان، فقد وضعه تحت وصايته، منذ تدخله فيه عام 1976، وحافظ على وضع “لا سلم ولا حرب مع إسرائيل”، ورفض السير مع السادات في صلحه مع إسرائيل لانفراد السادات بالصلح مع إسرائيل، وعمل على تشكيل ما سمي بـ “جبهة الصمود والتصدي” عام 1978، ووقع اتفاقية صداقة مع السوفييت عام 1980، واستقدم أوجلان إلى سورية أواسط ثمانينيات القرن العشرين؛ ليستخدمه ضد تركيا، وانضم إلى محادثات السلام مع إسرائيل سنة 1991، ودعم حزب الله ليقاتل إسرائيل في جنوبي لبنان من أجل الضغط على إسرائيل لتقاسم النفوذ فيه، وحرض فتح الانتفاضة ضد فتح ياسر عرفات، وانضم إلى حرب الخليج الثانية؛ ليحصل على دعم أمريكي ضد العراق، وليتقرب من الغرب، بعد سقوط المعسكر الاشتراكي، ووقف ضد حصار العراق بعد 1991، خوفاً من عملية أمريكية مماثلة في سوريا، وأعاد علاقاته مع صدام حسين، بعد قطيعة تاريخية طويلة الأمد.
إنه النظام المعقد الذي لعب على المتناقضات وساهم في تهشيم الأمن العربي والوحدة العربية ومزق لبنان وفتت الفصائل الفلسطينية لحسابه الخاص وعمل على التخلص من عرفات، ولذلك نرى أن سلوك النظام كان براجماتياً نفعياً منذ البداية السياسية له، لا يهتم بالأمن القومي والعربي إلا بمقدار ما يحقق له من نفوذ شخصي ونفعي ولذلك خسر من خلال وقوفه مع إيران دعم الخليج وعائدات أنابيب النفط العراقي مما أهدر ثروةً بالمليارات، ووصل الشعب السوري إلى أسوأ حالات الفقر والبطالة والتهميش والفساد والمحسوبية بسبب هذه السياسة وهذا النظام الفاشي الذي لم يرتبط بالأمن العربي القومي إلا في الصورة الإعلامية الكاذبة.
وليست الحالة السورية اليوم في عهد الابن مجرم الحرب السفاح إلا نتيجة لسلسلة الجرائم والموبقات التي قادها آل الأسد بحق الشعب والوطن وبيعه وتمزيقه وتدميره بشكل خرافي مما جعل مفاهيم الأمن القومي والسيادة ووحدة الأراضي مقولات مزيفة لاوجود لها في الخارطة السياسية والجيوبولوتيكية في سوريا، بعد أن رهن البلد في حالة من الاستباحة الكاملة للروس من خلال اتفاقية لمدة 49 عاماً قابلة للزيادة، مع كل الشروط الإذلالية للحق السيادي والسياسي السوري، كما نقل مركز الخليج أونلاين ومراكز دراسات أخرى تفصيلاً له، ناهيك عن صفقات لامتناهية مع الروس والإيرانيين ذات طابع سري كالصفقة مع مؤسسة فاغنر الروسية حول استثمار النفط والغاز في سورية الواقعة تحت السيطرة الروسية، حيث بدا أن التمدد الروسي الجيوسياسي والعسكري ليس له حدود، ولم يأت على حساب السوريين فحسب بل جاء أيضاً على حساب إضعاف الشريك الإيراني الذي يمر بأزمات اقتصادية وحصارية كبيرة، وبذلك ينهار مفهوم الأمن القومي بشكلٍ خطيرٍ ومتعمدٍ لنظام لم يُبقِ شيئاً للدولة والوطن سوى فتح المزادات للبيع المستمر والمطلق لكل الحقوق الوطنية والتاريخية والجغرافية للشعب السوري.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني