fbpx

خطف ودم في القريات

0 1٬361

كلما ازدادت المخاوف الوجودية لأهالي السويداء مع مرور الزمن، كلما كانوا أحوج إلى علاقات حسن جوار مستقره ومستمره كجزء من علاقات طبيعية مع محيط المدينة وريفها خاصة في السنوات الأخيرة حيث أصبح المحيط عاملاً غير مساعد على الاستقرار بوجود داعش في المنطقة الشرقية، والبدو، وعلاقات غير مميزة مع الجيران في درعا، وما يزيد في عدم الاستقرار، الغموض في المخططات العالمية تجاه سوريا وتنوعها الطائفي، فالسويداء وأهلها لا يعولون على حمايات قادمة من خارجها، فالأدوات المحلية المسلحة فيها تعمل على خطف الأهالي، والجيران في درعا، وكذلك الأدوات في درعا تلعب ذات الدور بخطف الأهالي والجيران.  

هذا ما يعقّد العلاقات بين المحافظتين، ويدفعها إلى حقل السلطة عبر مفهوم” فرّق تسد”، ومساحة مفتوحة للظل وأدواته واللعب على عدم التفاهم بين العقلاء في كلا المحافظتين، ويدفع إلى التصعيد بين الفينة والأخرى، وفي الآونة الأخيرة قام زعيم عصابة “أحمد النجم” بخطف مدنيين من بصرى الشام في 25/3/2020.

وعند محاولة القبض على يحيى دخل منزل الصفدي وفجر نفسه ما أدى إلى مقتل الشاب خالد الصفدي (35 عام)، من بلدة القريا، وعند محاولة الخطف المضاد من فصائل درعاوية “أحمد عودة” المدعومة من روسيا على أطراف بلدة القريا إذ استهدفت سيارة مدنية فيها الشاب “هشام شقير” الذي قتل مباشرة، وأصيب رفيقيه “خالد العوام وحازم الخطيب”، وتفاقمت الأحداث عند محاولة صد الاختطاف ما أوقع بعض المدافعين عن أهالي القريا في كمين ذهب ضحيته (15) مواطن منها، وجرح عدد من آخر وصل إلى أكثر من (7) أشخاص.

هذه الأحداث جاءت نتيجة الفوضى الأمنية الضاربة أطنابها في الجنوب السوري بين محافظتي درعا والسويداء منذ السنوات التي وقعت فيها حالات الخطف بين المحافظتين دون أن تتدخل السلطات الأمنية لحل هذه الإشكاليات، أو وضع حد لعمليات الخطف. ويدفع المدنيين دائماً أثمان فوضى السلاح وانتشاره العشوائي وتشغيله لاستمرار الخطف وتوظيفه لصالح المشغل الأساسي تحت شعار ( فرق تسد) لبث روح التفرقة والفتنة بين المحافظتين.

 وكانت صفحة “السويداء24” قد ذكرت أنه في العام 2019، قد رصدت (228) حالة خطف مدني واعتقال تعسفي واحتجاز قسري في محافظة السويداء بظروف مختلفة، حيث كانت العصابات مسؤولة عن خطف (151) مدني منهم، طمعاً بالفدية المالية، وغالبية المخطوفين المدنيين كانوا من أبناء محافظتي درعا والسويداء.

وفي العام 2017، بلغت حالات الخطف (31) حالة شهرياً والفديات المدفوعة من العام 2011 حتى العام2017، تجاوزت (1,3) مليار ليرة سورية…

يدرك أهالي السويداء أن النظام وأجهزته وأدواته المحلية لن تتدخل في الحماية لأكثر من سبب منها اختراق المصالح، فهو والداعم الروسي مازالا يريدان أبناء المحافظة للتجنيد الإجباري لكي يكونوا وقوداً في حربه على السوريين، خصوصاً أن معركة إدلب لم تبدأ بعد كما يعتقد النظام، بالإضافة إلى أنه مازال يحسب حركة “بدنا نعيش” وحراكها المطلبي الاجتماعي نقطة علام في مستقبل محافظة السويداء ووضعها الاقتصادي السيء جداً، فهذا الحراك يمكن أن يشكل في كل مرحلة حالة جديدة من زاوية المطالب المحقة من أجل استمرارية أهل المحافظة في الحياة خاصة مع تدني مصادر دخل المواطنين وارتفاع معدلات التضخم واتساع السوق السوداء، وانتشار اقتصاد الظل، وارتفاع معدلات الجريمة، وزيادة البطالة نتيجة ندرة فرص العمل ومحدودية حركة الشباب المتخلفين عن الالتحاق بالجيش أو المبعدين والمفصولين من العمل لأسباب ذاتها أو لأسباب سياسية، ويضاف إلى ذلك تراجع غير مسبوق في مستوى التعليم والصحة، أمام العجز الذي يعيشه النظام في تأمين بدائل وحلول اقتصادية تخفف من المعاناة التي تعيشها في هذه الظروف القاسية المدينة والقريا، وعدد من قرى المحافظة.

إن الواقع المعيش الذي يدفع إلى الفتنة والخطف، والخطف المضاد تستفيد منه فقط تلك الفئات التي أوكلت بها مهمة الحماية من جماعات الدفاع الوطني، والمنشغلة في جني الأموال. هؤلاء الذين لا يرضى أحدهم حصيلة يومه أقل من “مئتي ألف ليرة سورية”، ولا يرضى أن يدخن أقل من المالبورو الذي أصبح ثمن العلبة الواحدة منه حوالي (2000) ليرة سورية وأموالهم تأتي من تهريب كل شيء، والأسلحة الرشاشة لا تفارق أكتافهم علماً أنها لم توجه يوماً إلى عدو، وإنما ضد الأخوة وأبناء العم والجيران عند حصول أي شجار تافه. بينما الذين حرصوا على حماية الأهل والأعراض دفعوا حياتهم في مواجهة لا تفيد إلا المشغل الأساسي القادر على فرض رأيه وموقفه على الجميع، وهذا ما حصل عند تسليم جثامين أبناء القريا بناءاً على أمر منه، فالتقاتل الذي يدفع إليه أبناء المحافظتين ويذهب ضحيته الفقراء والمدنيين لتغذية فتنة طائفية عمادها الصراع بين العصابات التي تخطف المواطن من أبناء المحافظتين بغية زيادة المال عند هذه العصابات ومشغليهم، وهنا تكمن المنفعة على صعيدين شخصي وفئوي خاص في استمرار الصراع بين المحافظتين، ولولا تدخل العقلاء في كلا المحافظتين لسال نهر من الدماء بين أبناء المحافظتين في تغذية الطائفية والجهوية والمناطقية.

هذه أجواء الحالة بين المحافظتين حيث الدماء تسيل وقلوبنا في القاع الذي وصفته نجاة عبد الصمد في “منازل الأوطان” “يشحطنا الإحباط الذي يكرس صورة الضحية الخانعة، وتطفو أحقادنا فلا يعلو على أصواتنا سوى الهمجي والمتطرف والشاكي والنادب والمعاق وتاجر الحرب والشبيح والداعشي.

لكن بيننا غير هؤلاء، ممن يستحقون أن تسمع أصواتهم عالية وساطعة وجميلة وحقيقية كما هم أهلنا. ولا تنتظر من الآخرين أن يبرئوا سجلاتك المدانة. ستحتسب أن بين يديك أمانه شعب تكتب عنه، وشعب آخر ينتظر صوتك ليفهمك. صوت ساطع واحد بيننا يساوي ألف صوت، ومقال واحد موضوعي ومنطقي يساوي جولة رابحة في حروب لن تتوقف، ستكتب كأنك الوحيد الذي يستطيع، وكأنها فرصتك الوحيدة والأخيرة.

 ليس في وسعك أن تخطو فوق مأساتك، لكن في وسعك أن تعممها على الإنسان في كل مكان، ستكتب حزنك الإنساني بما يبعث الآخر على فهمه لا على الرثاء لحالك”.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني