fbpx

مسار جنيف للحل السياسي بين التضليل وحقائق الواقع

0 113

بغض النظر عن طبيعة الأهداف والقوى، كل الصراعات، بجميع مستوياتها، لها جانبين رئيسيين، عسكري/ حربي، وسياسي/دبلوماسي، مترابطين بعلاقة جدلية، غير قابلة للفصل!

عندما تفشل السياسة في مكان ما بالوصول إلى توافق في المصالح بين القوى المتنازعة، تبدأ الحرب، في محاولة من الطرف المهاجم لصناعة وقائع جديدة على الأرض، تفرض على خصومه القبول بشروطه السياسية، لتبدأ في نهاية الحرب أو في أحد مراحلها الحاسمة، مرحلة التسوية السياسية للصراع، في ضوء الوقائع الجديدة.

الحل السياسي إذاً، هو نتيجة وتعبير عن الوقائع الجديدة التي تصنعها موازين قوى الصراع المسلح، ويعني هذا استحالة وجود مسارين، سياسي، بموازاة آخر، عسكري!!

في الصراع على سوريا، وشكل نظامها السياسي، بدأ تفاقم الصراع السياسي في آذار 2011، بفعل تمرد شعبي واسع، لينتقل – في ظروف تفشيل الحل السياسي الذي يلبي مطالب الحراك الإصلاحية من جهة، وبسبب فشل النظام وشركائه في إعادة السوريين إلى بيت الطاعة ، خلال 2011 ومطلع 2012 – إلى مسار الصراع المسلح، بأذرع الثورة المضادة الميليشياوية، الطائفية، الذي استمر بمرحلتين رئيسيتين حتى ربيع 2020.

في هذه المرحلة الثالثة من الصراع المسلح- التي اتضحت معالمها خلال 2020-2021، واضعة الولايات المتحدة وشركائها، أمام استحقاق صفقة سياسية- تُظهر حقائق الواقع السوري بوضوح اهداف وقوى ومآلات حل تسويتها السياسية، التي تم العمل على صناعة وقائعها خلال مرحلتي حروب الثورة المضادة ؛ الأولى بين 2012-2014، وهزيمة الثورة ومنع الانتقال السياسي، والثانية، بين 2015-2020، وقد تحقق هدف خلق وقائع تفشيل سوريا.

في السياق التاريخي القريب، وفي مطلع 2012، أطلقت الولايات المتحدة، بالتنسيق مع روسيا وشركائها الأوروبيين، مسار جنيف لحل سياسي – بدءاً بنقاط كوفي أنان الست، التي افتقدت أدنى آليات التنفيذ – مباشرة بعد تنسيق خطوة إسقاط مبادرة السلام العربية/التركية ، في مجلس الأمن، 5 شباط 2012؛ التي كانت تشكل عملياً مساراً واقعياً لحل سياسي شامل، يقطع مسار العنف المتصاعد، ويرسم خارطة طريق انتقال سياسي، وكان لتبنيها في مجلس الأمن، لو تقاطعت نتائجها مع مصالح وسياسيات الولايات المتحدة، بالدرجة الأولى، أن تقطع مسار الخيار العسكري، وتمنع ما نتج عنه!!.

كانت إدارة أوباما/كلينتون تدرك جيدا ما يسعون إليه: خلق مسار يوازي خيار الحل العسكري، ويعزز استمراره حتى تحقيق أهدافه المرجوة. ضمن هذا السياق العام، شكل القرار 2254، في 2015، الذي تحول إلى قبلة المعارضات السورية، وحاز أكبر قدر من التضليل، أول حالة كسر سياسي ومعنوي في إرادة، وإجماع السوريين، حول قضية الانتقال السياسي، ليصبح الهدف المركزي لقوى الثورة والمعارضة هو الوصول الى صفقة مع السلطة، وبرعايتها!![1].

مسار أستانة اللاحق، ولجنته الدستورية وهيئات المفاوضات، التي حولت المعارضة السورية إلى دكاكين، وأبواق مرتزقة، لم تكن سوى خارطة طريق تنفيذ القرار 2254، للوصول إلى صفقة، ترضي المعارضة، ويوافق عليها النظام!!.

حدثت جميع خطوات مسار جنيف في موازاة الحل العسكري، وبينما كانت خطواته ومراحله في تصاعد، بتنسيق أمريكي روسي، وبما مكنه من تحقيق كامل أهدافه، في هزيمة الثورة، وتفشيل سوريا! كان للخيار العسكري أن ينتهي قبل سنوات من 2020، لولا معارضة خطط الولايات المتحدة من قبل شركائها القدامى، تركيا وإسرائيل والسعودية، الذين وجدوا في تحالف الولايات المتحدة والنظام الايراني خطرا يهدد مصالحهم الحيوية، ويبعدهم من دائرة النفوذ والتأثير الإقليمي، لصالح تمدد أذرع المشروع الإيراني!.

الحل السياسي الواقعي – الذي تم صناعة مقوماته عبر سياسات، وعلى مقاس مصالح، الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين والدوليين، سواء الحلفاء(في المحور الروسي/الإيراني)، أو الخصوم (في محاور المشاريع التركية والإسرائيلية والسعودية)، وأدواتهم السورية – ليس له أدنى صلة بما دعت إليه بعض بنود مسار جنيف، التي افتقدت لآليات تنفيذ فعالة، وبالتالي مع مصالح جميع السوريين، ومصالح الدولة السورية الحيوية، ومع أهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري، ومع بقاء سوريا دولة موحدة ؛ وهذه بديهة، طالما كان الهدف المركزي لمسار الحرب، بغض النظر عن تناقض أهداف وسياسات القوى التي شنتها، هو منع حدوث انتقال سياسي وتحول ديمقراطي شامل أصبح ضرورة وطنية، واستحقاقا تاريخياً في ربيع 2011، وتحويل سوريا إلى دولة فاشلة.

الحل السياسي في هكذا سياق، وفي ظل وقائع صنعتها حروب الثورة المضادة، وفي ضوء رؤيتنا لحقيقة أهداف مسار جنيف، لا يمكن أن يكون سوى صيرورة تقسيم سوريا بين قوى الثورة المضادة الخارجية (المحور الأمريكي والروسي، والمحاور المنافسة، التركية والإسرائيلية)، وأذرعهم الميليشياوية السورية؛ سلطات الأمر الواقع الاربعة، القائمة حاليا بفعل سياسي واع، ومصالح محددة[2].

على النخب الوطنية قراءة هذه الصيرورة بموضوعية، وما يوجبه تنوير السوريين بعوامل سياقها التاريخي ومصالح القوى التي صنعتها، والتحذير من حتمية مآلها، وما سيجلبه من تدمير لجميع مقومات سوريا، على امل تشكيل رأي عام سوري وطني معارض لهدا المسار، ومدرك لأخطاره!.

دون ذلك، كل أشكال الوعي السياسي النخبوي لا تخرج عن إطار التضليل وبيع الوهم، وتعميق حالة الانفصال عن الواقع، وهي، مهما بدت متناقضة، تعبيرات مختلفة من الوعي السياسي المتناقض مع مصالح السوريين المشتركة!.

السلام والعدالة لنا جميعا!


[1]– الرسالة الوحيدة التي أرادت واشنطن توصليها إلى لسوريين، الذين وحدهم هدف الانتقال السياسي، عبر القرار 2254.

الآن، وقد انهزمت ثورتكم، وبات يسيطر على ساحات ومدن حراكها السياسي السلمي مئات الميليشيات، انسوا هدف الانتقال السياسي!.

السلطة باقية، وهي الشرعية السورية الوحيدة التي يجب أن تتفاوضوا معها، إذا كان لكم فرصة الحصول على أية إصلاحات!.

هي القراءة الواقعية لجوهر آليات تنفيذ بنود القرار، التي تقول بوضوح بشرط موافقة النظام على خطوات حل سياسي، سيجري التفاوض عليها معه، بتسيير من الأمم المتحدة!

فهل يوافق النظام على خطوات انتقال سياسي تُضعف سلطته، أو تنقلها لسلطة أخرى!؟.

[2]– هي تماما خطوات وأهداف الإجراءات والترتيبات التي تنسقها واشنطن مع شركائها الإقليميين والدوليين وادواتهم السورية لتحقيق متطلبات اعتراف وتعايش متبادل بين سلطات الأمر الواقع، في سياق تأهيلها ككيانات سياسية وعسكرية منفصلة، ومتنافسة، والتي تشكل بمجملها رؤية سياسية شاملة، تجعل من سوريا دولة فاشلة بامتياز!! من الجدير بالذكر أن سياسيات واشنطن للوصول إلى حالة خفض التصعيد بين سلطات الأمر الواقع، في سياق تقاسم للحصص بين القوى الإقليمية، وبما يؤدي عملياً إلى منع حدوث حل سياسي شامل، هي جوهر النصائح التي قدمها مركز رند الأمريكي للبحوث، في دراستين حول الحل السياسي، خلال 2015.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني