fbpx

ما وراء رفع العقوبات عن سوريا: فُرص جديدة أم تحديّات قائمة…

0 3٬041

بعد تجميد الصراع في سوريا في بداية عام 2020 وانكفاء قوى الثورة إلى مناطقها ومحاولة لملمة الجراح ومراجعة الحسابات وشحذ الهمم بعد خسارة مناطق شاسعة بفعل الهجمة العنيفة للميليشيات الأجنبية وقوات النظام مع سلاح الجو الروسي.

لم تنكسر إرادة القتال عند مقاتلي الثورة السورية، ولم يَتسلّل اليأس والإحباط إلى عزيمة الحاضنة الشعبية التي أصرت على أخذ استراحة محارب وانتظار الفرصة السانحة بعد إعادة بناء القوة واسترجاع ما خسرته بعد التدخل الروسي في أيلول 2015… وبالتأكيد لم تُرفع العقوبات عن سوريا إلا بتضافر عدة عوامل، أهمها:

1- الحاضنة الشعبية وطليعتها العسكرية

كان سلوك الحاضنة الثورية الشعبية وإدارة العمليات العسكرية مُذهلاً بعد تحرير سوريا، وأسقطوا وهم السيناريوهات الكارثية التي كانت محفورة في وجدان من هم في الداخل وكل المراقبين من الخارج، والذين كانوا يتحيّنون الفرص لاصطياد الأخطاء وتكبيرها لإجهاض الإنجاز الكبير أو النيل منه.

سلكت الحاضنة الشعبية للثورة وقواها العسكرية المنتصرة سلوكاً وطنياً حضارياً، وقدّمت مشهداً رائعاً للتحرير، فهزيمة العدو المتجبّر بدون دماء وتدمير وانتقام، وتفاجأ الخصوم المهزومون قبل غيرهم بسلوك المنتصرين وتسامحهم والترفع عن المعاملة بالمثل.

كما قدمت الحاضنة الشعبية وطليعتها العسكرية تلك الصورة المشرقة والأصيلة في التعامل مع المكونات السورية التي ساندت النظام وعادت الثورة، أو الطيف الرمادي من السوريين الذين لم ينضموا للثورة ولم يعادوا النظام، حيث كان خطاب المنتصرين وطنياً وجامعاً ومتسامحاً ويحضّ على نسيان الماضي والتطلّع نحو المستقبل لبناء سوريا موحدة ولكل أبنائها دون فرق بين مكون وآخر… والشعب السوري هو أول من خصّه الرئيس الشرع في شكره لمن ساهم برفع العقوبات الأوروبية والأمريكية عن سوريا…

2- نهج ورؤية القيادة

ولأنّ القيادة لم تكن إلا من ذلك الشعب، فقد عكست بأقوالها وأفعالها سلوك وتطلّعات شعبها، فكان خطابها المُوجّه للداخل يُعبّر عن رؤية ناضجة وإدراك تام لخطورة المرحلة التي ورثتها، وأدركت أنّ السير في حقول الألغام المجتمعية التي خلّفها وراءه حكم ستة عقود لبيت الأسد يحتاج إلى الرويّة والحكمة والصبر والأناة، مع وجود إرادة الحزم واستعمال أدنى الدرجات من العنف لتحقيق الأهداف.

استوعبت القيادة الجديدة كل المطبات الداخلية التي تم وضعها في طريقها، وعالجت أحداث الغرب والجنوب والشرق بمنطق الدولة الأم الراعية والحامية للجميع، والتي لا تُفرّق بين أولادها…

وقامت بما هو مطلوب منها داخلياً للحفاظ على السلم المجتمعي والحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة، والعمل الحثيث على فرض الأمن وجمع السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، وقيادة مرحلة انتقالية تشاركية بين كل المكونات، مُتجنّبة الإقصاء ومعتمدة على الكفاءة لا المحاصصة.

أقدمت القيادة الجديدة على إطلاق مرحلة انتقالية بعد التوافق في مؤتمر النصر على تعيين رئيس للجمهورية وتكليفه الإشراف على إيصال المرحلة الانتقالية إلى برّ الأمان، وتلك الإجراءات الداخلية أثنى عليها الخارج ورأى فيها وصفة لتحقيق الاستقرار الأمني وتوحيد أراضي الدولة، وهما الشرطان الضروريان لأيّ نهضة في مجال الاقتصاد وتعافي الخدمات…

وبدأت حركة دبلوماسية نشطة، سواء من دمشق باتجاه الخارج أو من الخارج صوب دمشق، وتم طمأنة الجميع عن سياسات واعية ورشيدة، وتقديم سوريا كعضو أصيل في محيطه والعالم، مختلف جذرياً عن الصورة النمطية لسوريا الأسد تلك الدولة المارقة.

وكان الخطاب الرسمي السوري يُؤكّد على ولادة سوريا جديدة لا تُهدّد أحداً ولا تريد لأحد أن يُهدّدها، دولة تَعِبَت من الحروب وعدم الاستقرار وتريد أن تبني نفسها من جديد، وتطلب مساعدة الجميع لها في تجاوز الإرث الصعب الذي تركه العهد البائد…

وهذه السياسة هي التي ألمح لها السيد الرئيس في كلمته التي شكر بها كل من أسهم في رفع العقوبات عن سوريا…

3- الاحتضان العربي والإقليمي والدولي لسوريا الجديدة

عانت كل دول الجوار القريب والبعيد من نظام الأسد منذ تأسيسه، وزادت المعاناة بعد انطلاق الثورة السورية، وبسبب دعم معظم دول العالم للثورة السورية (خاصة في أعوامها الأولى)، ولم يقف بجانبه إلا دولتان مارقتان، فسعى إلى معاقبة الجميع وتصدير أزماته للخارج، وعدم جديّته في حل تلك الأزمات إلا بعد تقديم فروض الطاعة له والقبول به كأمر واقع، وإعادة اعتماده في المحيط الإقليمي والدولي…

عمل نظام الأسد وداعموه على إغراق دول الجوار والعالم باللاجئين، ونجح بالطبع في ذلك بعد هروب الملايين من جحيمه، ولم يُقصّر في رعاية الإرهاب وتصديره للخارج، بعد أن قرر هو والميليشيات التي يقودها قاسم سليماني على استيلادها ورعايتها، بحيث وصل خطرها إلى العالم أجمع، ومن نجا من تدفق اللاجئين ووصول الإرهابيين له، تعمّد نظام الأسد على إغراقه بالكبتاغون، وتطاير ذلك الشرر واستفحل الخطر، وهو ما حدا بالولايات المتحدة لإصدار قانونَي محاربة الكبتاغون المعروفين.

كما أنّ تموضع نظام الأسد كواسطة عقد للمحور الإيراني وانتشار الميليشيات فيه أدّى إلى خلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة وجوارها، وانخرط في كل النشاطات الإرهابية كأحد أذرع الحرس الثوري.

لذلك كان التخلّص منه أمنية عند بعض الدول، والرضوخ له لتجنب شروره كواقعية عملية ضرورية لذلك عند دول أخرى.

لم يذرف أحد (عدا الإسرائيليين والروس والإيرانيين وأذنابهم) دمعة واحدة على سقوطه المدوّي، ولضمان عدم عودة النفوذ الإيراني أصالةً أو وكالةً عبر ذراعه الداعشي، كانت النيّة تتجه لدعم العهد الجديد لضمان دفن المشروع الإيراني والنفوذ الروسي إلى الأبد في سوريا، كل ذلك كان محفّزاً للجميع على دعم إرادة دولية لرفع العقوبات دفعة واحدة عن السوريين، وتمّ ذلك بالفعل على لسان الرئيس ترامب، وشكره الجميع على جرأته في ذلك وعدم ابتزاز السوريين وداعميهم لرفعها.

وقد شكر الرئيس أيضاً كل الدول التي ساعدت في الضغط على الولايات المتحدة لرفع تلك العقوبات الجائرة.

كانت كلمة الرئيس الأمريكي من الرياض، والتي ألغى فيها العقوبات، تاريخية بكل المقاييس، حيث كان ذلك حلماً بعيد المنال أو صعب المنال، حيث كانت تلك العقوبات تُكبّل أحلام الشعب السوري بالانطلاق إلى الأمام وبدء التعافي من مرحلة الأسد وطَيّ جزء مُظلم من حقبته.

ولم يكتفِ الأمير محمد بن سلمان بذلك، بل استطاع تنظيم لقاء للرئيس السوري مع نظيره الأمريكي، كان بمثابة طيّ تصنيفات أمريكية قديمة ألمّت بالرئيس الشرع منذ سنوات، وشكّل ذلك اللقاء اعترافاً أمريكياً بالتغيير السوري وشرعية القيادة الحالية.

كل تلك التحديات التي أحاطت بالملف السوري وأصبحت الهمّ الأول للسوريين بعد التحرير، يتوجّب تحويلها إلى فرص حقيقية لبناء سوريا الجديدة، لنهوض طائر العنقاء من تحت الرماد، ودعا الرئيس كل السوريين للمساهمة في بناء بلدهم، وهم المُعوّل عليهم أولاً، ودعا أيضاً كل الأشقاء والأصدقاء الراغبين في الاستثمار في سوريا إلى خطوة الألف ميل التي بدأت في سوريا.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني