fbpx

ماذا تريد إسرائيل من سوريا؟

0 3٬067

بالتأكيد كانت إسرائيل من أكبر المتضررين من سقوط حكم الأسد في سوريا، فبعد ستة عقود من التخادم الإسرائيلي-الأسدي بدأت بتسليم الأسد الأب للجولان المحتل عام 1967، وانتهت في نهايات العام 2024. لم تتخلل تلك السنوات الطويلة إلا حرب تشرين التعبوية، وعلى إثرها تم توقيع اتفاق الهدنة برعاية أمريكية كيسنجرية، والذي ظل صامداً إلى حين هروب الأسد، وتم تحييد الجبهة السورية عن أي مقاومة، ليس ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية فقط، بل لاسترجاع الجولان السوري المحتل، تلك الهضبة التي تشكل مانعاً جغرافياً طبيعياً. بل حتى عندما اقتضت المصلحة الإسرائيلية عقد معاهدة سلام مقابل إعادة الجولان للسيادة السورية، رفض الأسد الأب ذلك، وبالتالي لم يسترجع الأرض السورية المحتلة لا سلماً ولا حرباً تحت إستراتيجية تخاذلية ابتدعها أسماها “حالة اللاحرب واللاسلم” وشعارات “بناء التوازن الاستراتيجي مع العدو قبل بدء أي معركة”، مع أن الحامل الرئيسي لمشروعية نظام الحكم هو السعي لتحرير فلسطين، وكانت الشعارات المعبرة عن ذلك تملأ الفضاء السوري. وتحت تلك الحجة وحجج أخرى كتحقيق الوحدة السياسية للعرب في دولة واحدة، عطل الأسد الأب كل عمل قد يؤدي إلى إقامة حكم رشيد وبناء اقتصاد متين وتحقيق كرامة الإنسان السوري في وطنه.

وبالمقابل، وبعد عقد اتفاقية الهدنة 1974 مع دولة الاحتلال، تفرغ لإفشال وتعطيل أي مسار لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، سواء أكان فلسطينياً أو عربياً، وبدأ حربه المعلنة على المقاومة الفلسطينية في معارك تل الزعتر في لبنان 1976، وأتبعها بحرب طرابلس والشمال اللبناني في عام 1983، حتى تمكن من طرد الراحل ياسر عرفات من طرابلس في شمال لبنان، مجهضاً أي مقاومة فلسطينية قد تنتفض من تحت الرماد، ومحتكراً لكل أشكال المقاومة ضد إسرائيل عبر التعاون مع إيران في تأسيس حزب الله اللبناني وتوكيله بالمقاومة وإبعاد أي طرف آخر عن ذلك، وهو ما حصل. وبذلك أمسك الأسد وإيران بالجبهات الشمالية مع إسرائيل بعد خروج مصر والأردن تباعاً من معادلة الصراع، وبقي شعار تحرير فلسطين بيد الشيعة الجعفرية في إيران والطائفة العلوية الحاكمة في سوريا، لاستخدام تلك الشعارات كروافع للحكم في كلا البلدين. وتم إنشاء ما يعرف بتحالف الأقليات في المشرق العربي وتخادمها مع الأقلية اليهودية ضد البحر العربي السني.

فوجئت إسرائيل بسقوط الأسد، وهي في الآونة الأخيرة قد تكون اعتبرته أفضل الخيارات السيئة، لأن بديله سيكون حكماً سنياً بعمق استراتيجي تركي عربي، ويقلق ذلك إسرائيل جداً. واعتقد أنها كانت تفضل قدرته على الخروج من العباءة الإيرانية عوضاً عن أن يأتي بديل له، ناهيك عن أن يكون صقراً أموياً متمرساً.

وتحت هول المفاجأة بسقوط الأسد، شنت إسرائيل أكبر عملية جوية في تاريخها، حيث قامت مئات الطائرات الحربية وعلى مدى أيام بتدمير البنية التحتية العسكرية لجيش النظام البائد، والتي من المؤكد لها بأن الجيش السوري الجديد سيستفيد منها، وقامت أيضاً بتدمير ما تبقى من أسلحة ثقيلة وأنظمة دفاع جوي واتصالات وإشارة وغيرها.

ماذا تريد إسرائيل من عدوانها؟

1- ترى دولة الاحتلال أنها يجب أن تكون شريكة في المكاسب التي سيتم جنيها من عملية إسقاط الأسد، مع يقيننا أنها كانت لا تريد ذلك، ولكنها توقن أنه لولا الحرب الجارية مع إيران وحزب الله منذ 7 أكتوبر 2023، ما كان لإيران وأذرعها أن تضعف ولا تتمكن بالتالي من حماية الأسد. ويرى السوريون أن تلك الأوهام الإسرائيلية لا تمت للواقع بصلة، لأن الأسد وجيشه ونظامه تملك عناصر الفناء الذاتية، وقد تفاعلت تلك العوامل وأدت لتعفن النظام من الداخل رغم امتلاكه للقوى ظاهرياً، حيث يتفوق على خصومه بالعدد والعتاد والموارد. كما أن التورط الروسي في حرب أوكرانيا كان عاملاً هاماً في عدم تفرغ الروس لحمايته سياسياً وعسكرياً، ولا فضل لإسرائيل بسقوط الأسد، لأن قوى المعارضة السورية العسكرية تمكنت من إلحاق هزيمة كبرى بالميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني وهو في أوج قوته عام 2015، والتدخل العسكري الروسي هو من حماها من الهزيمة المطلقة.

2- بعد السابع من أكتوبر، تغيرت العقيدة الاستراتيجية الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، حيث سقطت عدة أوهام بنيت عليها تلك الإستراتيجية، ومن أهمها الركون إلى اتفاقات وتوافقات في الغرف المغلقة مع ضباط أمن من أعداء محتملين، وحصل ذلك بعد انهيار كل تلك التفاهمات مع إيران، وبالتالي لا يمكن الركون إلى عقد تفاهمات سرية مع القيادة السورية الجديدة برعاية تركية أو عربية (إماراتية)، ولن تكرر إسرائيل غلطتها مع إيران. وأيضاً لم تشكل القوى العسكرية غير التقليدية والعادية الجبارة والفتاكة التي تملكها إسرائيل أي رادع يحول دون مهاجمتها من قبل فصائل عسكرية وليس جيوش نظامية تخشى من هذا التفوق. وترى إسرائيل في سوريا فصائل موجودة الآن أو ممكن ولادتها لاحقاً قد تسعى لطوفان جديد من الشمال يهدد أمنها. أيضاً استعادت الجغرافيا أهميتها في حسابات الأمن القومي، ولم يعد الركون للتكنولوجيا كافياً بعد اجتياز مقاتلين فلسطينيين لمعبر إيرتس والوصول إلى داخل دولة إسرائيل المعترف بها دولياً بكل يسر وسهولة. وتتعزز أهمية الجغرافيا للحد من المخاطر الناجمة عن الوهن الجيوبوليتيكي الذي تعاني منه دولة الاحتلال ذات المساحة المحدودة وعدد السكان الضئيل.

3- كانت العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي منذ تأسيسه مبنية على خوض القتال في أرض العدو وليس أرض إسرائيل، وهو ما حدث في كل حروب إسرائيل السابقة ضد العرب. وفي السابع من أكتوبر دارت حرباً من نوع آخر لم تألفه دولة الاحتلال، حيث تم اقتحام أراضيها وأخذ أسرى. وفي دول لقيطة كالدولة العبرية، هذا يشكل كارثة لأن الإسرائيلي الذي يملك جنسية أخرى ويملك شهادات عالية سيرجع لموطنه الأصلي، وهذا مقتل دولة الاحتلال. لذلك تريد إسرائيل من سوريا (وغيرها) أن تكون أي معركة محتملة (مهما كانت نسبة حدوثها) أن تجري في أرض الخصم وليس أراضيها لإبعاد أي خطر على السكان. لذلك تقوم بالتوغلات المستمرة في سوريا للاحتفاظ بالقمم العالية الكاشفة للأراضي السورية والبقاء في شريط بعمق 5 كم أو أكثر يكون كمنطقة عازلة لها، ويمكن أن لا يكون تواجدها فيه بشكل مباشر بل عبر عملاء محليون كاجترار لتجربة جيش أنطوان لحد جنوب لبنان. وهي تغازل الآن مكونات من الشعب السوري وتدعي حمايتها على أمل قيامها بهذا الدور. إضافةً للمنطقة العازلة، تريد منطقة أمنية لعشرات الكيلومترات جنوب العاصمة لا يوجد فيها وحدات قتالية قوية أو أسلحة نوعية تخشى منها. وللحصول على تلك المناطق والترتيبات الأمنية تقوم بالاعتداءات المتكررة على سوريا وربط وقفها بتحقيق تلك المطالب.

4- ترغب إسرائيل في العودة على الأقل إلى الوضع السابق الذي كان معمولاً به مع روسيا من ناحية حرية تحركها في الأجواء السورية متى رأت ذلك ضرورياً وقصف ما تراه مناسباً من أهداف عسكرية تخص أسلحة مهربة إلى حزب الله أو اغتيال قيادات لبنانية وفلسطينية تراها تشكل خطراً على أمنها القومي. وتعتد الآن في السماء السورية للحصول على ذلك المكسب.

5- ترغب إسرائيل في ولادة جيش سوري جديد وضعيف يكون قائماً على محاصصات طائفية وعرقية ومناطقية، ويأتمر بأوامر مرجعيات دينية وسياسية ومرتبط بأجندات خارجية كالجيش اللبناني مثلاً، ولا يرضيها عملية البناء الحالية للجيش الجديد والذي عموده الفقري من الأغلبية العربية السنية ولا يقوم على محاصصات بل جيش للوطن والشعب السوري كله. وخلافها مع تركيا بشكل رئيسي يتمركز في رغبة الأتراك في المساعدة على بناء جيش قوي تدريباً وتسليحاً وانضباطاً وبناء بعقيدة عسكرية مناسبة للسوريين. ويتم التعتيم على هذا المطلب بحجة الخوف من نفوذ تركي واحتمال أي تصادم غير وارد، إذ لا يعقل أن تشتبك طائرات F-16 الأمريكية والتي يتسلح بها الجيشان الإسرائيلي والتركي في السماء السورية. ولن يحدث هذا في ظل علاقات دبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب منذ تأسيس دولة الاحتلال وتعاون عسكري بين الجيشين ومستوى مبادلات تجارية عالٍ أيضاً. وقد خذل الرئيس الأمريكي مؤخراً وعلى العلن صديقه نتنياهو عندما طالبه بالتعقل وعدم التهور بارتكاب حماقة مع صديقه الرئيس أردوغان، طارحاً نفسه كوسيط بينهما، ويبدو أن تلك الوساطة أثمرت سريعاً بلقاء تركي إسرائيلي في أذربيجان لمنع حدوث أي احتكاك بينهما وخفض التصعيد الحالي.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني