fbpx

كتاب البؤس الاقتصادي السوري 2011-2022

0 317

صدر للمستشار الاقتصادي الدكتور أسامة قاضي كتابه الثاني هذا العام 2022 المتعلق بالاقتصاد السياسي السوري وهو الجزء الثاني من سلسلة من ثلاثة أجزاء المعنون: “البؤس الاقتصادي السوري: واقع الاقتصاد السوري 2011-2022” في 487 صفحة الصادر عن دار الملتقى عام 2022، والذي يشرح فيه أنه أكثر ما يستخدمه الاقتصاديون في شرح نظرياتهم الاقتصادية ووقائع الاقتصاد واستشراف مستقبل الأمم الاقتصادية وهي المؤشرات المعيارية التي على أساسها يعايرون طيفاً واسعاً من الحالات الاقتصادية مابين “البؤس” و”السعادة” للإنسان، وترجمة البؤس اقتصادياً غالباً ما يتمظهر في مؤشرات كثيرة من مثل ارتفاع التضخم والبطالة وانخفاض القوة الشرائية ومعدلات الفقر المرتفعة وضعف الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ووقود، أو ما يتعلق بالخدمات الصحية والطبية والدوائية والبيئية، وسوء البنية التحتية ومستوى التعليم المتدني وارتفاع تكاليف الاقتراض، بينما تتحقق السعادة عندما تكون المؤشرات السابقة ايجابية عندها يتحول ذلك البؤس إلى سعادة متمثلاً في تنمية ونهوض اقتصادي يشعر الإنسان معه أنه في ظل دولة واعدة تؤمّن فرص عمل له في الحاضر، ولأولاده في المستقبل، الذين يجب ألا يعرفوا معناً للحرمان.

ويشير دكتور قاضي إلى أن واحدة من تلك المؤشرات هي مؤشر البؤس السنوي لستيف هانك أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة جونز هوبكنز في بالتيمور (HAMI) حيث تم وضع أول مؤشر للبؤس من قبل الاقتصادي آرثر أوكون في الستينيات لتزويد الرئيس ليندون جونسون بلمحة سهلة الفهم عن الاقتصاد، وكان مؤشر البؤس الأصلي عبارة عن مجموع بسيط لمعدل التضخم السنوي للأمة ومعدل البطالة فيها، ولكن طرأت على ذلك المؤشر تعديلات كثيرة، ولكن بمتابعة أرقام التضخم والبطالة عبر التاريخ الأمريكي مثلاً تفاوتاً بين أرقام الرؤساء الذين تمتع الاقتصاد في زانهم بأكثر بؤس مثل نيسكون وكارتر حيث وصل لأكثر من 20 بالمائة بينما كان الاقتصاد أقل بؤساً أو أكثر سعادةً زمن ريغان وبوش وكلينتون، ولكن طبعاً يبقى العام الأكثر بؤساً على الإطلاق كان 1929-1933 خلال فترة الكساد الكبير.

ويفصل في كتابه “البؤس الاقتصادي السوري” معنى مؤشر البؤس المعدّل لدى هانك الذي هو مجموع معدلات البطالة والتضخم والإقراض المصرفي مطروحاً منه النسبة المئوية للتغير في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد، فإذا كانت معدلات المؤشرات الثلاثة الأولى مرتفعة أو “سيئة” سيكون الناس أكثر بؤساً، وفي المقلب الآخر إذا كان نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مرتفع والذي يُطرح من مجموع السيئات عندها سيكون الناس سعداء.

وكذلك مؤشر HAMI هو مقياس بسيط لبؤس الأمم اقتصادياً شمل 156 دولة عام 2020، وسوريا كانت خارج التصنيف فالواقع الاقتصادي السوري الكارثي هو في حالة من البؤس المفجع الذي أعيى مقياس البؤس وطبعاً الرقم الأعلى هو الأسوأ لأنه يشير إلى أن الدولة أكثر بؤساً.

حيث أنه في عام 2020، تصدرت فنزويلا (3827.6) وزيمبابوي (547) والسودان (193.9) مؤشر HAMI بأعلى الدرجات، ولو حسبنا حسابات تقديرية للبؤس الاقتصادي المفزع لوجدنا للأسف أن سوريا تنافس زيمبابوي وفنزويلا على المكانة الأولى والثانية لأبأس دولة في العالم، ولن يكون الوضع أفضل على مؤشر روبرت بارو، الاقتصادي في جامعة هارفارد بل سيُظهر الاقتصاد السوري بؤساً أكبر (BMI).

ما يوضح ذلك البؤس هو هشاشة الدولة السورية على مؤشر الدول الهشة “فراجايل ستيتس إنديكس” Fragile States Index  ويشمل مؤشر الهشاشة 12 مؤشراً بما فيه الأمن والاقتصاد والحريات والتدخل الخارجي الخدمات العامة والضغوط الديمغرافية، احتلت سوريا المرتبة 48 عام 2011 قبل الثورة السورية! بمعنى أنها كانت أفشل 48 دولة في العالم قبل “المؤامرة الكونية” على النظام السوري والمؤكد أن ذلك الوضع الاقتصادي المزري كان واحداً من أهم أسباب اندلاع الثورة السورية عام 2011 كما أشرت إليه في كتابي “الجذر الاقتصادي للثورة السوري”، حيث كانت سوريا الدولة 119 من أصل 189 دولة على مؤشر التنمية البشرية الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لعام 2011.

أما في عصر البؤس الاقتصادي بعد 2011 فقد ساء حال هشاشتها أكثر و”تربّعت” عام 2021 على المركز الثالث بعد اليمن والصومال فباتت ثالث أكثر حكومة هشّة وفاشلة في العالم، والدولة 151 على مؤشر التنمية البشرية والواقع يوحي يقيناً أن الواقع الاقتصادي والإنساني هو أسوا من ذلك بكثير كما ورد في تضاعيف كتاب دكتور قاضي.

تصدّر كتاب البؤس الحديث عن ضياع قرن من التنمية في سوريا، حيث ذكر دكتور قاضي إلى أن التصدي للشأن الاقتصادي عموماً، والسوري خصوصاً، أمر شاق جداً بسبب صعوبة المتابعة الدائمة لتفاصيل قد لا يلقي لها المتابع غير المختص أهمية، ولكنها تكون جزءاً من تفاصيل توصّف الواقع وربما المسبب الرئيسي وراء أزمة أو مشكلة اقتصادية تؤثر في حياة الشعب، فضلاً عن صعوبة الحصول على المعلومة الاقتصادية في سوريا ودرجة الموثوقية الضعيف بالأرقام المحلية الحكومية، إضافة لكثرة الفاعلين في القرار الاقتصادي من جهات سياسية وأمنية وحزبية في بلد أقيمت فيه الأحكام العرفية خلال أكثر من نصف قرن ويحكم فيه حزب البعث كحزب قائد للدولة والمجتمع من خلال مكاتبه الحزبية وروابطه واتحاداته وشبيبته وقيادته القطرية وموظفيه الذي عينهم.

لقد أفرد دكتور قاضي لحقبة ما قبل الثورة كتابه: “الجذر الاقتصادي للثورة السورية” الذي صدر هذا العام 2022 أيضاً، والتي يتضح فيها الفشل الاقتصادي الهائل قبل عام 2011 والذي كان سبباً في إشعال ثورة السوريين على الظلم الاقتصادي والحيف الذي عايشوه في حياتهم اليومية ممزوجاً بالفساد والظلم والاضطهاد.

أما بعد الثورة السورية مارس 2011 فإنه حسب دكتور قاضي بات البحث عن كيفية صناعة القرار الاقتصادي أكثر تعقيداً حيث زاد على كل التعقيدات السابقة الخاصة بالنظام تدخلُ جيوش دول تؤثّر في جنبات الحياة الاقتصادية للسوريين وعلى رأسها إيران وروسيا والولايات المتحدة وتركيا وباقي دول العالم المتحالفة مع تلك القوى.

ما يميّز كتاب البؤس الاقتصادي السوري أنه يقدم المادة الاقتصادية – كعادة دكتور قاضي في ندواته ولقاءاته الإعلامية على القنوات الفضائية- بشكل سهل وغير مملّ قدر الإمكان من أجل إطلاع المواطن السوري وغيره من المهتمين على واقع الاقتصاد السوري بعد عام 2011 دون استخدام مقعّر الكلام ومصطلحات قد تصعب على غير المختص، وهي نفس الطريقة التي اتبعها في كتابه “الجذر الاقتصادي للثورة السورية” الذي تناول الاقتصاد السوري قبل عام 2011، لذلك فإن بين دفتي الكتاب لقاءات ومقالات وأبحاث نشرها عن الاقتصاد السياسي السوري على مدى عقد من الزمان 2011-2021 بعد انطلاقة الثورة السورية، جمعها في مكان واحد وذلك لأنها تضيء بشكل مقبول – غير مملّ- على واقع الاقتصاد السوري البائس الذي كان استمراراً ونتيجةً لسياسات حكومات ” البعث والعَبَث” المتعاقبة خلال أكثر من خمسة عقود سابقة.

يتحدث دكتور قاضي في كتابه لقرائه أنه لا يخفي حزنه في كل مرة توجّه له دعوة للقاء تلفزيوني أو حديث صحفي أو تُطلب منه مقالة حول الاقتصاد السوري، لأنه لا يرى في هذا الخراب الحالي نصراً لأحد، واعتقاده أن الفوز في المعركة مثل الفوز في حلبة الملاكمة حيث تجد وجهي الملاكمين مضرج بالدماء والكدمات وربما إصابات بليغة في كل نواحي الجسم وخاصة الوجه بحيث بالكاد يستطيع الحكم رفع يد الفائز المتعب المصاب الذي أكثر ما يحتاجه في تلك اللحظة مشفى وغرفة عناية وليس إعلان نصره في معركة قد تكلفه عاهة مستديمة للأسف.

الحديث عن الاقتصاد السوري حسب دكتور قاضي مؤسف للغاية، حيث بلغ منه الإهمال والتخريب والدمار مبلغاً يصعب عليّ وصفه، وكل أرقام الأرض لا يمكن أن تصف بدقة مدى الكارثة الاقتصادية والإنسانية السورية خلال آخر عقد منذ بدء الثورة عام 2011 والتي كان يتوقعها للأسف قبل بدء الثورة من خلال مقالاته وخاصة رسائله المفتوحة للرئيس السوري حينها وتحذيره من ثورة اجتماعية اقتصادية عارمة (نشرها في كتاب “الجذر الاقتصادي للثورة السورية”)، ولكن لا حياة لمن تنادي، ووقعت الطامة الكبرى، وزاد في الطين بلة طريقة تعاطي النظام السوري مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية قبل وبعد الثورة، فضلاً عن السياسية والأمنية الرهيبة عقّد الأزمة بشكل أكبر، وباتت الطريقة الاستعلائية التي تعامل فيها النظام مع الشعب السوري زادت في الحريق الاقتصادي السوري الذي التهم كلّ خيرات البلاد والعباد، وباتت سوريا أثراً بعد عين، وتحتاج سيناريوهات الخروج من الأزمة طرقاً إبداعية، والاستفادة من تجارب دول العالم وطرحها كمشاريع سياسية بجرأة وشجاعة لإيقاف النزيف السوري، ووعد قراءه أنه سيفرد لهذا الموضوع بمشيئته تعالى كتاباً خاصاً به وهو الجزء الثالث من موضوع الاقتصاد السياسي السوري بعد كتابه الجذر الاقتصادي، والثاني البؤس الاقتصادي.

أشار الدكتور قاضي إلى البؤس الاقتصادي التي تخص الجغرافيا السورية في منطقة النفوذ الروسي، حيث أنه حسب الكاتب يتحدث البعض عن سوريا اقتصادياً دون تحديد الجغرافيا التي يتحدث عنها مما يخلق فهماً خاطئاً لدى المستمع، فالحديث عن الاقتصاد السوري إعلامياً من قبل النظام السوري أو من قبل وسائل الإعلام معناها الحديث عن نصف الشعب السوري بعد أن هاجر 13 مليون سوري بيوتهم مابين نازحين داخل سوريا ولاجئين خارج الجغرافيا السورية، والجغرافيا المعنية هي أقل من 65 بالمائة من مساحة سوريا لكنها تشكل أقل من نصف مساحة سوريا المفيدة من حيث النفط والزراعة والتي هي في الشمال الشرقي والغربي أي منطقتي النفوذ الأمريكي والتركي، وهي لازالت خارج منطقة النفوذ الروسي.

وذكر مؤشرات توضح بعضاً من البؤس الاقتصادي السوري منذ عام 2011 من مثل: أن التقديرات المتحفظة لخسائر ناتج الدخل القومي هي 13.3 تيريليون ليرة سورية (503 مليار دولار) 967% من الناتج المحلي الإجمالي 2011، والاحتياطيات النقدية تقدر بأقل من نصف مليار (عام 2011= 17 مليار دولار) والدعم الحكومي تراجع من 20.2% إلى أقل من 4%.

الموازنات التالية تخص الجغرافيا السورية في منطقة النفوذ الروسي: فموازنة عام 2020 هي 4 تريليون ليرة سورية قيمتها يوم صدور قرار الموازنة 28/11/2019 تعادل 5 مليار دولار (1 دولار = 807 ليرة ) واليوم تعادل 1.8 مليار دولار (1 دولار يعادل 2170 ليرة)

موازنة 2021 هي 8.5 تريليون ليرة سورية مايعادل أقل من 3 مليار ولار فقط (2300 ليرة = دولار واحد/نوفمبر 2020)

موازنة 2022 هي 13.3 تريليون ليرة سورية (1 دولار = 3500) بمعنى 3.8 مليار دولار.

بعض المحافظات والمناطق من مثل الرقة –دير الزور – ادلب- ريف حلب لاتدخل في إحصائيات النظام الرسمية.

الإحصائيات الرسمية للنظام : 1.6 مليون عاطل عن العمل (4.9 مليون عامل حجم القوة العاملة 2011) الآن تقريبا 3.7 مليون عامل ) حجم البطالة التقديري أقرب لـ 70-80%

ناتج الدخل القومي عام 2011 حوالي 64 مليار دولار وعام 2020 أقل من 7 مليار دولار، وانخفضت قيمة الليرة السورية 70 مرة مابين عامي 2011 و2021.

تحويلات العاملين خارج سوريا تقريباً 1.8 مليار دولار ولكن وبسبب المرسوم رقم 3 عام 2020 الذي يمنع تداول العملات الأجنبية في سوريا هبط الرقم إلى أقل من الربع لأن أي تداول بات عن طريق البنك المركزي والمصارف الحكومية التي لايأمن التعامل معها السوريون فضلاً عن وضعها تحت العقوبات الاقتصادية، وقد أغلق النظام السوري الكثير من مرتكز الصرافة وألقي القبض على بعض الصرافين المرخصين، ولم يعد بإمكان أصحاب المعامل والمؤسسات تأمين القطع الأجنبي اللازم لشراء المواد الأولية عن طريق الصرّافين لأن المرسوم رقم 3 يعاقب بالسجن لمدة سبعة سنوات مع الأشغال الشاقة.

النشاط الاقتصادي لايعادل 25 بالمائة مما كان عليه عام 2011 ولكن وبسبب المرسوم رقم 3 وأزمة المصارف اللبنانية التي لم وضعت سقف منخفض جداً لإمكانية السحب بالعملة الأجنبية فقد هبط النشاط الاقتصادي المتواضع جداً إلى أقل من الربع مما زاد من معدلات البطالة ورفع الأسعار حيث أن عرض السلع انخفض بشكل كبير بأقل بكثير من معدلات الطلب.

ارتفع سعر الذهب أكثر من 100 مرة خلال عشر سنوات حيث كان غرام الذهب عيار 21 قيراط 2011 يعادل 1816 ليرة بينما هو في نوفمبر 2021 وصل إلى 184707 ليرة.

عام 1960 كان سعر غرام الذهب 21 قيراط 4 ليرات سورية، وفي ديسمبر 2021 وصل 184707 ليرة سورية بمعنى أن سعر الذهب ارتفع 46 ألف مرة منذ 1960.

متوسط دخل العامل عام 2011 كان مابين 250-300 دولا رشهرياً وكان نصف السوريون تحت خط الفقر حينها، بينما هو عام 2021 وحسب المرسوم التشريعي رقم 19 بتاريخ 17 يوليو 2021 وبعد إقرار زيادة 50 بالمائة على الرواتب بات الحد الأدنى 71515 ليرة سورية أي مايعادل 20 دولارشهرياً بينما الحد الأدنى للأجور في كندا 14 دولار بالساعة الواحدة وليس بالشهر! بمعنى أن دخل طالب كندي يعمل في الصيف لمدة ساعتين في محل مكدونالدز يعادل أكثر من دخل شخص سوري لديه عائلة يعمل شهر كامل 160 ساعة عمل!

أكثر من 90 % من السوريين تحت خط الفقر، والطبقة الوسطى تم إفناؤها تقريباً بالكامل، وبقي في سوريا اليوم طبقة معدمة، وطبقة فقرة وطبقة بالغة الثراء.

مؤشر التنمية البشرية سوريا عام 2011 = الدولة 119 من أصل 187، بينما سوريا عام 2021 هي خارج التصنيف يعني أسوأ من 187 دولة في العالم.

حسب تقرير “الطبقة الوسطى في البلدان العربية-الأسكوا –الأمم المتحدة 2014 ” فإن تداعيات النزاع في سوريا كانت كارثية حيث تقلصت الطبقة الوسطى إلى النصف تقريبا من 56.5 في المائة في عام 2007 إلى 26% في المائة في عام 2013، والطبقة الوسطى في سوريا كانت تتقلص سنوياً منذ عام 2007 بنسبة9%.

 حسب تقرير الأمم المتحدة الصادر 30 مارس 2021 يعاني الملايين داخل البلاد – وملايين اللاجئين في الخارج – من صدمة عميقة، وفقر مدقع، وانعدام الأمن الشخصي وانعدام الأمل في المستقبل، وقد أدى عقد من الصراع والفساد وسوء الإدارة والأزمات المالية الإقليمية والعقوبات ووباءCOVID-19  إلى الانهيار الاقتصادي في سوريا وارتفاع مستويات الفقر، ويعيش تسعة من كل 10 سوريين الآن في فقر، حيث يواجه 60 في المائة من السكان خطر الجوع هذا العام – وهو أعلى رقم على الإطلاق في تاريخ الصراع السوري، و يأكل الآباء أقل حتى يتمكنوا من إطعام أطفالهم، ويرسلونهم للعمل بدلاً من المدرسة.

وحسب نفس التقرير هنالك جيل من أطفال سوريا لم يعيش يوماً بدون حرب، ما يقرب من 2.5 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس في جميع أنحاء سوريا، وهناك 1.6 مليون آخرين معرضون لخطر التسرب، كما يعاني نصف مليون طفل من سوء التغذية المزمن، وفي بعض مناطق شمال غرب سوريا، يقترب سوء التغذية الحاد من عتبة الطوارئ البالغة 15 في المائة بين الأطفال النازحين في المناطق والمخيمات التي يصعب الوصول إليها، ونخشى أن يزداد هذا العدد. كان التأثير على الفتيات والنساء مدمراً بشكل خاص، مع انتشار الزواج المبكرأوالقسري، والاغتصاب والاعتداء الجنسي.

كانت سوريا الدول 137 على مؤشر الفساد والشفافية من أصل 180 دولة عام 2011، بينما هي الدولة 178 عام 2020 من أصل 180 بمعنى أنها أفسد دولة على كوكب الأرض.

قدّر المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي الاجتماعي التابع للنظام السوري أن إجمالي الدعم الاجتماعي في موازنة 2022 5.53 تريليون ليرة سورية (1.5 مليار دولار) وهي أقل نسبة دعم في الموازنات السابقة بمعنى 40 بالمائة من موازنة 2022 (13.3 تريليون ليرة سورية) موزعاً بين نحو 2.7 تريليون للمشتقات النفطية، و 2.4 تريليون للخبز، و300 مليار لدعم السكر والرز التمويني، ولكن هنالك توجه لانسحاب النظام من هذا الدعم.

موازنة 2011 بلغت 17.7 مليار دولار (835 مليار ليرة سورية) بينما موازنة عام 2022 بالعملة المحلية أكبر ب 16 مرة من موازنة 2011 حيث بلغت 13.3 تريليون ليرة سورية أو تقديرياً 3.8 مليار دولار بمعنى أنها 21 بالمائة من موازنة 2011 أو أقل منها خمسة مرات بالقيمة الحقيقية.

حسب البنك الدولي ومراجعة سكان العالم “وورلد بوبيليشن ريفيو” 2021 فإن سوريا ثالث أفقر دولة في العالم بعد فنزويلا والغابون.

وذكر كيف أنه التقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف عام 2016 في موسكو وهو يتحدث العربية بطلاقة وسأله: هل تعتقد أن هنالك أية ارتباط بين الوضع في سوريا والوضع في أوكرانيا؟ وتوقع منه – حسب دكتور قاضي – كدبلوماسي روسي قديم أن يُنكر وأن يدّعي أن روسيا في سوريا بسبب استدعاء الحليف السوري وامتثالاً لمعاهدة دفاع مشترك وتمتين للعلاقات الاستراتيجية التاريخية، لكنه كان صريحاً للغاية وقال: نعم هنالك علاقة بين أوكرانيا وسوريا، ونحن لم نعد نثق بالغرب وبعد أن اتفقنا على ترتيب الأوضاع السياسية قاموا بإزاحة رئيس الوزراء، وقال الأوربيون إن الواقع تجاوز تلك الاتفاقية.. فقال مندهشاً: وماعلاقة سوريا بأوكرانيا، ومادخل الشعب السوري الذي كان صديقاً للشعب الروسي على مدى عقود بمسألة خارج حدوده ولم يطأ جندي سورية واحد أرض أوكرانيا أو روسيا؟

لقد سـعت روسـيا إلـى اسـتعادة نفوذهـا علـى أوكرانيـا واسـتعادة ملكيـة شـبه جزيـرة القرم بعد الإطاحة بالرئيــس الأوكراني فيكتــور يانوكوفيتــش من قبل القوات الموالية للغــرب في 22 فبراير 2014، وباتت الجغرافيا السورية ورقة على حدودها خارج سوريا نفسها، بحيث تكون الجغرافيا السورية جزءاً من الصفقة الروسية مع الأمريكيين كي يرفع الغرب يده عن أوكرانيا والقرم لقاء انسحاب روسيا من سوريا إضافة إلى تفاصيل دولية أخرى ضمن الصفقة ومنها رفع المقاطعة الاقتصادية ضد روسيا مثلاً.

أكّد الكاتب أنه ينبغي فهم الواقع السوري بأبعاده الثلاثة : السياسي والاقتصادي والجغرافي حتى يتمكن من توصيف الواقع واقتراح الحلول إن وجد ضمن المشهد السوري بالغ التعقيد، حيث لدى سوريا اليوم ثلاثة مناطق نفوذ رسمية أمريكية (حلفاؤها قسد) وبعض العشائر، وروسية (حلفاؤها النظام السوري وإيران وهو بمثابة زواج بالإكراه مع ميليشياتهم الطائفية)، وتركية (حلفاؤها المعارضة السورية السياسية والعسكرية).

وبرأيه لن تتم أية عملية إعادة إعمار حقيقية في مناطق النفوذ الأمريكية أوالتركية مالم تعرّف كل منها حدود منطقتها بشكل نهائي في حال وصل العالم إلى طريق مسدود واتفقت القوى الدولية على تقسيم سوريا، ولن يتم أي ترسيم حقيقي لخريطة سورية الجديدة دون اتفاق شامل مع الروس سواء بحل سياسي أو صفقة سياسية، وبنفس الوقت لايمكن لروسيا وحلفاؤها القيام بإعمار مناطق نفوذها مع النظام السوري بسبب قوانين العقوبات المفروضة على سوريا، حيث في تلك المنطقة الدول الثلاث موضوعة تحت العقوبات روسيا وإيران والنظام السوري، وبسبب الوضع الاقتصادي الروسي والإيراني فإنهم بدون دول العالم لن يتمكنوا من إعمار مناطق النظام

حيث أن سوريا – حسب دكتور قاضي – لديها عام 2021 ثلاثة إدارات على جغرافيتها: إدارة مركزية منهكة ومفلسة (نظام – روسيا – إيران – ميليشيات)، إدارة ميليشيات اقتصادية (قسد – حكومة هتش)، إدارة غير مُمَكّنة (حكومة مؤقتة)، وكلها غير مؤهلة لتبني مشاريع تنموية واستراتيجية حقيقية فضلاً عن القيام بمشاريع إعادة الإعمار، ولدى كل إدارة قوة دولية تحميها بكامل تعقيداتها السياسية ومصالحها الاقتصادية والجيوسياسية.

ذكر الكاتب وقائع الاقتصاد الجيوسياسي السوري، وأشار إلى اتفاقيات اقتصادية جيوسياسية لروسيا وإيران وتطرّق إلى تداول الليرة التركية في منطقة النفوذ التركي، والاقتصاد السوري بين واقع الخوف وتطلعات المستقبل، وتأثير الحرب على الأصول الاقتصادية السورية، وموازين القوى الاقتصادية للقوى المنخرطة في الصراع السوري، ويشمل الكتاب على كثير من الأبحاث والمقالات التي كتبها دكتور قاضي بعد 2011 فيما يخص المسألة السورية في شأن الاقتصاد السياسي.

ويختم المستشار الاقتصادي الكتاب باستعراض حقائق حولّت البؤس الاقتصادي إلى فاجعة اقتصادية حيث منها استمرار انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء البلاد، وفقاً لأحدث بيانات برنامج الأغذية العالمي. في يوليو 2021، أفاد ما يقرب من نصف الأسر التي شملتها الدراسة عن عدم كفاية استهلاك الغذاء. ارتفع المعدل الوطني لاستهلاك الغذاء غير الكافي ثلاث نقاط مئوية من يونيو 2021 وبنسبة 15 في المائة مقارنة بشهر يوليو 2020. (برنامج الأغذية العالمية أغسطس 2021 WFP).

6،080،000 طفل بحاجة إلى مساعدة إنسانية، و 13.400.000 المحتاجين، و 6700000 نازحين داخليا (النازحون)، و 2،565،766 أطفال في مناطق يصعب الوصول إليها، يقدر أن 2.5 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس و 1.6 مليون معرضون لخطر التسرب. (اليونيسيف سبتمبر 2021)

يضاف إلى هذا البؤس الاقتصادي – حسب دكتور قاضي – خسارة ناتج الدخل القومي 600-800 مليار دولار خلال عشر سنوات، ولم يعد هنالك معنى لكلمة بطالة في سوريا فالحد الأدنى الذي حدده المرسوم 19 لعام 2021 هو 71515 ليرة سورية أو ما يعادل 20دولار (ويعادل 23 ليتر بنزين حيث أن سعر لتر البنزين الأوكتان 95 هو ثلاثة آلاف ليرة سورية) بمعنى أنه تحت خط الفقر العالمي 57 دولار، وهو غير مستغرب إذا علمنا أن الراتب الشهري لرئيس مجلس الوزراء 233 ألف ليرة سورية أو مايعادل 66 دولار، ورغم أن نسبة البطالة تقدر أكثر من 80 بالمائة ولكن الموظف نفسه هو بمثابة عاطل عن العمل لأنه في حالة عوز وفقر رغم عمله الذي لا يكفيه أسبوع.

ويذكر الكاتب كيف كان تصنيف سوريا قبل الثورة حسب تقرير ممارسة أنشطة الأعمال (مجموعة البنك الدولي) من 144 من أصل 183 دولة عام 2011 بمعنى أنها كانت أسوأ أربعين دولة في العالم في إقامة استثمارات على أرضها، وانخفض تصنيفها 2016 لتصبح الدولة 175 من أصل 189 دولة بمعنى أنها باتت أسوأ 14 دولة في العالم ولكن سوريا الآن هي خارج التصنيف لأنها باتت تقريباً اسوأ دولة تقام فيها استثمارات.

يضاف إلى كل المؤشرات – التي ذكرنا قليلاً مما ورد في الكتاب – خسارة وهدر وتمزيق الموار البشرية السورية وتقسيم الموارد والثروات السورية من نفط وموانئ وفوسفات وعقارات وزراعة ومناهج تعليم ومنح بعض شركات القطاع العام للنظام الإيراني وغيره كل ذلك عبر اتفاقيات وقّعها النظام على مدى أكثر من عشر سنوات، وكذلك ديون لإيران تقّدر ب30-40 مليار دولار، وربما 40-60 مليار دولار ديون لروسيا، وإنه -حسب دكتور قاضي- لمن المؤسف أن يفاجئ السوريون أنهم ملزمين بدفع هذه الديون حسب طبيعة الحل السياسي إن وجد، فلو كان الحل على الطريقة الروسية مثلاً فستضع روسيا شخصية تقّر تلك الاتفاقيات وتُلزم سوريا بدفع ديونها التي قد لا تنتهي بمائة عام من تاريخ “الحل السياسي” غير العادل ودون سقف مطالب الشعب السوري الذي كان يرنو للحرية والكرامة والنهوض الاقتصادي ونبذ الاستبداد والقهر.

إن ما وصل إليه الاقتصاد السوري – من خلال الأبحاث والمقالات واللقاءات والحقائق ضمن دفتي كتابه – قد تجاوز – حسب المؤلف – حالة “البؤس الاقتصادي” إلى حالة “الفاجعة الاقتصادية” فاجعة كارثية بكل المعايير، فقد تم تهجير أكثر من نصف السوريين وباتوا إما لاجئين أو نازحين، وسكنوا الخيام وهم على أرضهم بعد أن غادروا منازلهم هرباً من قصف النظام وحلفائه الذين اتّبعوا سياسة الأرض المحروقة، وهاجر أصحاب المهن والحرف والتجار وكبار وحتى صغار الصناعيين وكذلك المحترفين من مهندسين وأطباء وممرضين وممرضات ومعلمين وأساتذة الجامعات والمحامين والقضاة وضباطاً وصف ضباط من الجيش وغيرهم.

ينهي دكتور قاضي كتابه بقوله أن سوريا خسرت مواردها البشرية بشكل خيالي، كما تم تبديد ثرواتها ومواردها المادية سواء بالبيع أو بالتفريط أو عبر احتلال جيوش وميليشيات أجنبية للأراضي السورية، وباتت سوريا مقسّمة إلى ثلاثة مناطق نفوذ روسي (حليفها النظام وإيران وميليشياته) وأمريكي (مسد – قسد – وبعض العشائر وإثنيات أخرى) وتركي (الجيش الوطني – المعارضة) وكل منطقة لها إدارة مختلفة وكلها إدارات هشّة تنتظر حل سياسي لتعرف مصيرها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني