أقمشة باهتة اللون و”شوادر” مزقتها الشمس هي كل ما بقي لهم بعد أن ساقتهم الحرب المستمرة منذ أعوام ليحطوا رحالهم في مخيمات صغيرة. ويعيشوا في خيام لا تقي حرارة الصيف أو برد الشتاء، بين جنباتها قصص لا تنتهي من المعاناة، مخيمات تنتشر على أطراف المدن والبلدات. جدرانها من أغطية المساعدات الإنسانية، وكل همهم اليوم الاستقرار فقد بات الخوف من عدم توفر مكان للسكن هاجساً لدى سكان هذه الخيام، حلمهم اليوم تأمين رزقهم ولقمة عيش تسد رمقهم، يعيشون في ظروف غير ملائمة فهذه الخيم أقيمت على أراض زراعية أو بين أشجار الزيتون، وهو ما يتسبب في مشاكل بين النازحين وأصحاب الأراضي في حال أرادوا الاستفادة منها
تنتشر المخيمات العشوائية في مناطق الشمال السوري بشكل كبير، على الشريط الحدودي مع تركيا حيث تتوزع عدة خيام في مكان ما، مشكِّلة تجمعاً سكانياً صغيراً، إذ يعتبر القسم الأكبر من هذه المخيمات العشوائية لنازحين من ريف حماة الشمالي، وجنوب إدلب التي تشكلت بعد النزوح الأخير الذي سببته الهجمة العسكرية التي شنها النظام والاحتلال الروسي.
يقول: مدير فريق “منسقو استجابة سورية”، محمد حلاج “إن عدد المخيمات العشوائية قد تجاوز في الوقت الراهن 242 مخيماً، والمجموع العام للمخيمات المنتظمة والعشوائية في عموم مناطق إدلب هو 1153 مخيماً. هذه المخيمات العشوائية الـ 242 تضم نازحين ومهجرين بحدود 120 ألف نسمة، وخلال موجات النزوح الأخيرة من مناطق الريف الجنوبي، ازداد عدد المخيمات العشوائية نتيجة كثافة النزوح من تلك المناطق وعدم وجود مأوى للأهالي أو مراكز إيواء”.
مخيم القلعة أو مخيم قسطون كما يطلق عليه الأهالي، يقع شمال غرب سرمدا، يحدثنا أحد قاطنيه فيقول: عمر المخيم سنة ونصف السنة ومنذ تشكيل المخيم لم نتلق سوى سلة إعانة واحدة حصلنا عليها بعد مجيئنا إلى المخيم في الشتاء الماضي وكانت السلة مكونة من مدفئة و100 دولار كما تلقينا سلال نظافة ثلاث مرات تقريباً كانت عبارة عن صابون ومعجون أسنان وغيرها من لوازم الغسيل وبالنسبة للخبز تلقينا دعم منذ عشرة أيام واستمر لمدة عشرة أيام فقط. وتم التوزيع حسب دفتر العائلة، بكمية ربطتي خبز وتم تخفيضها لاحقاً لتصبح ربطة واحدة ثم توقف نهائياً، منذ سنة ونصف السنة. وكانت هذه المرة الوحيدة ولا نعرف سبب توقف الدعم.
أضاف “حلاج” إنّ المتطلبات الأساسية للمخيمات العشوائية تتلخص بعدة أمور، وفي مقدمتها استبدال “الشوادر” أو الخيم البلاستيكية التي لا تقي من الحرارة أو المطر وليست ملائمة في الأصل للحياة، فهذه الشوادر أو العوازل البلاستيكية وغيرها ليست خياماً نظامية، أما الإجراء الثاني والمهم فهو فرش أرضيات هذه المخيمات بالحصى، ومواد أخرى مناسبة، كي لا تتحول إلى أراض طينية تعيق حركة النازحين عند هطول الأمطار.
يقول أحدهم: أنا من ريف حماة وأقيم منذ سنة في مخيم جبل حارم، لم أحصل إلا على سلة واحدة فقط منذ نزوحنا، ويضيف: القاطع من سرمدا وحارم وسلقين حتى حير جاموس محروم بشكل كامل وليس له دعم إلا الماء والخبز باستثناء شيء لا يذكر وهو سلة إغاثية مرة كل شهرين أو ثلاثة شهور تقسم على عائلتين. يتابع قائلاً: تقدمنا بعدة شكاوى ولم نتلق أي إجابة ويكون رد المنظمات بأن القاطع محروم بشكل كامل عليه عقوبات من الأمم المتحدة ولا نعرف السبب فما ذنب المقيمين في المخيم ولم نترك منظمة في المناطق المحررة إلا وتقدمنا لها بشكوى “منظمة عطاء ومنظمة شفق ومرام ومنظمة ميرسي، ومنظمة تكافل الشام، ومنظمة الأيادي البيضاء” كل هذه المنظمات تجيبنا بأن الامم المتحدة هي التي حرمتكم من المساعدة والقاطع عليه عقوبات، ومنظمات أخرى تقول: إن الهيئة هي من تحرم القاطع. بين الهيئة والمنظمات حرمنا من المعونات إضافة إلى المدارس المتوقفة بسبب كورونا وصعوبة التعليم عن بعد وانعدام الخدمات الصحية والتعقيم.
كيف تحرم الأمم المتحدة مخيماً من المساعدات؟ أعاد علينا هذا السؤال وتركنا حائرين أمام خيمته التي بدأت تفقد تماسكها وألوان قماشها تحت حرارة الشمس ورياح الخريف.
يقول أبو أحمد: “كل شهر أو شهرين تصلنا مساعدات إنسانية من المنظمات، وهي لا تكفينا إلا بضعة أيام لقلتها، وهي عبارة عن بعض المواد الغذائية من سكر وأرز وبرغل”، وتابع “اليوم نحن أمام مشكلة جديدة، صاحب الأرض التي تجمعت عليها هذه الخيام يطالب بأرضه ليستفيد منها ولا خيار أمامنا إلا الانتقال، كأننا سنمضي حياتنا من نزوح إلى آخر”.
يقول محمد جفى، أحد أعضاء فريق “منسقو الاستجابة” المشكلة في توزع العائلات بأعداد قليلة، وإنشاء مخيماتهم في مناطق نائية، ما يشكل عبئاً كبيراً على المنظمات التي تساعدهم”، موضحاً أن “وجود المخيمات في مناطق بعيدة عن المدن شيء مرهق لما تحتاجه من عيادات متنقلة وسيارات لنقل المياه وغيرها من الأمور اليومية” أما المخيمات التي أقامتها المنظمات الإنسانية على أراض مستأجرة أو أراض لا مالك لها، فهي تحظى بدعم واهتمام كبيرين من قبل هذه المنظمات.
وبالنسبة للماء في مخيم القلعة يكون التوزيع مرة كل ثلاثة أيام وتحديداً يوم السبت برميل والثلاثاء يقومون بتعبئة خزان أو خزان ونصف لمن لديه أوعية إضافية ولدينا كتل تحولت إلى خاصة وكل شخص لديه كتلة أمام منزله.
وأضاف: إن المساعدة التي قدمتها إحدى المنظمات في أزمة كورونا وخاصة بعض ظهور عدة حالات في الشمال المحرر كانت عبارة عن حقيبة فيها كمامة وعلبة محارم فيها 100 غرام أي 50 منديل ولوح صابون غار ولم يقدموا أي خدمات توعوية أو تعقيم للمخيم وتم التوزيع حصراً للأعمار التي تقل عن 15 سنة.
ومخيم صابرون يضم 300 عائلة، وكل من يعيش به صابر على وضعه ومخيم حياة كريمة يضم 500 عائلة وكل من يسكن به يحلم بحياة كريمة. مخيمات حملت أسماء على نقيض أوضاع ساكنيها الذين يعيشون ظروفاً صعبة، لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة، حتى الماء يتم شراؤه بأسعار مرتفعة مقارنة بوضع النازحين، كما أنها مخيمات منسية من قبل المنظمات الإنسانية، لا تصلها من المساعدات إلا قليلاً وبشكل نادر.
أضافوا انقطعت مادة الخبز لمدة ستة أشهر ومنذ حوالي شهرين تمت إعادة التوزيع بموجب عقد لمدة تسعة أشهر، الماء ليس سيئاً، يوجد بئر ضمن المخيم، لكن لا توجد مضخات لسحب الماء ولم تحاول أي منظمة استغلاله، وبالنسبة للإغاثة فقد حصلنا عليها لثلاث مرات منذ ثلاث سنوات.
التقينا بمعلم يذهب سيراً على الاقدام إلى مخيم الفردان الذي يبعد 1 كم يقول: إن المدرسة تحوي من الصف الأول حتى الصف التاسع والحلقة الثانية من الصف الخامس للتاسع بنات، لا توجد مرافق صحية في المدرسة وتضطر البنات للذهاب إلى حمامات الجامع. توجهنا إلى جميع المنظمات والجهات المعنية وليس هناك أية استجابة من قبلهم، منذ سنتين لم تزورنا أي منظمة ولم تُقدم لنا أي مساعدة من مدافىء أو مازوت ولا حتى حطب، أو غيره في مخيمات حياة كريمة ومخيم صابرون ومخيم الفردان وهي مخيمات منسية من الناحية الإغاثة وهناك بعض المخيمات البعيدة والتي لا يتجاوز عدد خيامها العشرات لا توجد بها خدمات صحية أو خدمات تعليمية والأطفال في تلك المخيمات محرومون من التعليم لعدم وجود مدارس، لذلك يقضون معظم أوقاتهم بين الخيام، يلهون مع بعضهم ويلعبون بما تبقى من ألعابهم التي استطاعوا حملها خلال رحلات النزوح.
الشمال السوري أصبح بقعة جغرافية تكتظ بالمخيمات، التي أوى إليها النازحون مختزلين الشعب السوري في بقعة جغرافية ضيقة، ومن بين هذه المخيمات مخيمات عشوائية خيامها مبعثرة، غابت عنها رعاية المنظمات الدولية والمحلية، ويعيش النازحون فيها ظروفاً يصعب وصفها، فلا خدمات ولا رعاية صحية ولا مساعدات غذائية، كأنّهم على الهامش، وخارج التاريخ. وهذه المخيمات تتوزع في مناطق كثيرة من ريف إدلب، خصوصاً سلقين وحارم وأرمناز وكفرتخاريم ودركوش وجسر الشغور وسهل الروج، بما فيها منطقة الشريط الحدودي بين سورية وتركيا، من مناطق سيطرة المعارضة السورية في الريف الغربي لمحافظة إدلب، وصولاً إلى ريف حلب الغربي الشمالي.
لم تقتصر المخيمات العشوائية على الشمال السوري لكنها وصلت الى شرقي محافظة درعا، ومعظم سكان المخيمات من الأطفال والنساء الذين فرّوا من قصف النظام السوري والطائرات الروسية على الغوطة الشرقية بريف دمشق وبعض المناطق في حماة وحمص. فبعد رحلتي لجوء ونزوح طويلتين، هرباً من قصف النظام لمناطقهم، حط بهم الرحال على الحدود، جنوبي البلاد، في مخيمات عشوائية يقيمون بها وسط ظروف قاسية. وآخرون نصبوا مخيماً عشوائياً في منطقة على أطراف العاصمة الأردنية عمان، وتحديداً في جنوبها منذ عام 2011 حيث يعملون في الزراعة، بالاتفاق مع ملاك الأراضي هناك، ويقدر عدد خيامهم بنحو 25 خيمة. على مدار سنوات كانت هذه العائلات تنتقل في فصل الشتاء إلى منطقة الأغوار للعمل في الزراعة، لكن هذا الشتاء اختاروا البقاء في عمان.
يضيف حلاج: “من التدابير المهمة التي تحتاجها المخيمات العشوائية، تصريف المياه الآسنة، ومياه الأمطار، والأخيرة أهم في الوقت الحالي، نتيجة العواصف التي تضرب المنطقة في فصل الشتاء، ويضيف: إنّ المخيمات وخصوصاً العشوائية هي حلول مؤقتة، ويجب استبدالها بحلول دائمة، ومن الحلول إعادة إعمار بعض القرى والبلدات الآمنة نسبياً، أو اللجوء لتركيب كرفانات سهلة التنقل يمكن وضعها في محيط المدن والقرى، ليكون هناك تواصل بين سكان المدن والقرى والمدنيين فيها، فيجري تأمين الخدمات الأساسية لهم من مياه وصرف صحي ووصل بالمدارس والمستشفيات، فيكون هناك انتقال للمدنيين من هذه المخيمات إلى داخل المدن والقرى، وحتى الأسواق”. أما بالنسبة للمخيمات بالذات، يقول حلاج: “قدمنا الكثير من النصائح بهذا الخصوص، ومن أبرز الحلول في الوقت الحالي على اعتبار أنّ الاستجابة الإنسانية ضعيفة جداً، حفر خنادق في محيط المخيمات بشكل كامل بالإضافة لحفر خندق بسيط بمحيط كلّ خيمة، يجري فيه تصريف مياه الأمطار وإبعادها عن المخيمات كي لا تتعرض خيام النازحين للغرق فتتلف ممتلكاتهم”.
نصبوا خيامهم على الحدود، يشتاقون لبلداتهم وقراهم ويأملون العودة إليها بعد سنوات من الترحال والانتظار، لكن دون بارقة أمل لا أحد يفكر بهم، فهم خارج حسابات الجميع، بمن فيهم المنظمات الإنسانية، التي نادراً ما تلتفت لمعاناتهم وما يزال مصيرهم مرتبط بخيام عليها شعارات الأمم المتحدة، حالهم في ذلك حال ملايين النازحين واللاجئين السوريين الذي لم يجدوا سوى الخيام لتؤويهم، ليواجهوا أزمة جديدة مع عدو بيولوجي – فيروس كورونا المستجد – فهل تتحرك المنظمات الإنسانية قبل فوات الأوان.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”