fbpx

قراءة قانونية في أبعاد واهداف النظام السوري من إصدار قانون التعذيب

0 252

إن إصدار رأس النظام قانون التعذيب رقم 16 لعام 2022 هو محاولةٍ خبيثة وفاشلة منه للالتفاف على المجتمع الدولي والالتزامات القانونية التي تفرضها المعاهدات والاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية حظر التعذيب، التي صادقت سورية عليها  بالمرسوم التشريعي رقم 39 تاريخ 1 تموز 2004 وأصبحت الاتفاقية منذ ذلك الحين جزءاً من تشريعها الوطني، وصدر تعميم عن وزير الداخلية رقم 19439 تاريخ 4 تموز 2004 يوجب على وحدات الشرطة ضرورة التقيد بأحكام المرسوم التشريعي رقم 39 تاريخ 1 تموز 2004 المتضمن التصديق على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من المعاملات أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

ولفضح محاولته التهرّب من المسؤولية الجنائية والإفلات من العقاب عن جرائم التعذيب الوحشية، وبيان الأهداف الخفية من وراء اصدار هذا القانون نورد لكم ما يلي:

1- إن القانون 16  لعام  2022 وعملاً بمبدأ عدم سريان القوانين الجزائية بأثر رجعي إلا بموجب نص صريح، لا يسري على جرائم التعذيب الواقعة قبل نفاذه المؤرخ في 30/3/2022 التي بقيت مشمولة بأحكام المادة “391” من قانون العقوبات العام وهي جرائم جنحوية الوصف، والتي تم تشميلها بقوانين العفو المتعاقبة منذ عام 2011 حتى 2020.

2- النص الجديد يعاقب على جرائم التعذيب التي يرتكبها الموظف في حالة إذا ارتكب التعذيب من موظف أو تحت إشرافه وبرضاه بقصد الحصول على اعتراف أو إقرار عن جريمة أو معلومات. والحصول على الاعتراف، يعني أن سلطات الاستقصاء والتحقيق الأولي والتحقيق القضائي والمحاكمات والتنفيذ، هي المقصودة بالنص، كما يعني استثناء جرائم التعذيب الواقعة أثناء التوقيف أو المداهمات والاجتياحات، وأثناء الاحتجاجات، أو التي تقع خارج سياق الاستقصاء والتحقيق والمحاكمات والتنفيذ من قبل هؤلاء الموظفين من رجال السلطة. تطبيقاً لنص الفقرة الأولى من المادة “6” من قانون العقوبات العام السوري التي تنص على أنه: لا يقضى بأية عقوبة لم ينص عليها حين اقتراف الجرم.

3- وحيث أن جرائم التعذيب التي طالت السوريين قبل 30/3/2022 المنصوص عنها بالمادة “391” هي جنحوية الوصف فإنها تخضع لأحكام تقادم الجنح الذي حددته المادة “163” من قانون العقوبات العام وفق الأحكام التالية:

– مدة التقادم على العقوبات الجنحية ضعف مدة العقوبة التي حكمت بها المحكمة ولا يمكن أن تتجاوز عشر سنوات وتنقص عن خمس سنوات.

– إن مدة التقادم على أية عقوبة جنحيه أخرى خمس سنوات.

4- كما أنها ستكون خاضعة لأحكام سريان مهلة سقوط حق الادعاء، عملا بالفقرة “2” من المادة “4” من قانون العقوبات التي تنص على أنه: إذا عين القانون الجديد مهلة لممارسة حق الملاحقة فلا تجري هذه المهلة إلا من يوم نفاذ القانون. وإذا عدل القانون مهلة موضوعة من قبل فهي تجري وفاقاً للقانون القديم على ألا يتجاوز مداها المدة التي عينها القانون الجديد محسوبة من يوم نفاذه. والمادة “438” من قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري التي تنص على أنه: تسقط دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي في الجنحة بانقضاء ثلاث سنوات على الوجه المبين في الحالتين المذكورتين أي من تاريخ وقوع الجنحة إذا لم تجرِ ملاحقة بشأنها خلال تلك المدة أي خلال ثلاث سنوات، أو بانقضاء ثلاث سنوات على المعاملة الأخيرة إذا اقيمت الدعوى وأجريت التحقيقات ولم يصدر حكم بها.

5- لقد أحدث القانون “16” لعام 2022 جرائم جديدة من المفترض أن تكون من ضمن ضروب التعذيب المنصوص عنها بالمادة 391 من قانون العقوبات العام، وبالتالي فإن بقاء نص المادة “391” دون تعديل أو إلغاء يبقيه نصّا ساري المفعول وواجب التطبيق على كل جرائم التعذيب التي سبقت إصدار القانون رقم 16 لعام 2022 أي كل الجرائم الواقعة ما قبل تاريخ 30/3/2022 ما يعني استبعاد جرائم التعذيب الجنائية الوصف الواقعة قبل تاريخ 30/3/2022، كونها جرائم جديدة وفرضت لها عقوبات جديدة، عملاً بمبدأ “لا جريمة ولا عقاب إلا بنص”.

6- نصّت المادة “6” من القانون “16” لعام 2022 على أن الاختصاص معقود للمحاكم الوطنية فقط حيث ورد فيها: إضافة لقواعد الاختصاص المنصوص عليها في قانون العقوبات يطبق القانون السوري عندما يكون المعتدى عليه سورياً. وهذا يعني أنه في حال ارتكاب جرم التعذيب من قبل شخص سوري، فإنَّ القانون السوري هو الذي يطبق عليه سواء ارتكب الجرم على الأرض السورية أم خارجها، وكذلك يطبق القانون السوري على جرم التعذيب المرتكب على الأرض السورية سواء كان الفاعل سورياً أم أجنبياً وذلك وفق أحكام الصلاحية الإقليمية المنصوص عليها في المادة “15” من قانون العقوبات، والصلاحية الشخصية المنصوص عليها في المادة “20” من قانون العقوبات أيضاً. وبالتالي قطع الطريق على محاكمة النظام السوري أمام محكمة العدل الدولية باعتباره “الحكومة السورية” مسؤول عن جرائم التعذيب التي ترتكبها أجهزته الأمنية والميليشيات التابعة له، وباقي المجرمين الذين ارتكبوا جريمة التعذيب أمام المحكمة الجنائية الدولية أو أمام المحاكم التي تأخذ بمبدأ الولاية العالمية استناداً لمبدأ التكامل المعمول به في القانون الجنائي الدولي.

– وحيث أن جرائم التعذيب هي من الجرائم ضد الإنسانية فإن النظر فيها أصبح “رغم صدور القانون 16” متاحاً للمحاكم لمحاكم النظام السوري، فإنه يبقى متاح للمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك للمحاكم الوطنية الأجنبية التي تأخذ بالولاية الشاملة للقضاء الوطني، ويقتضي تحقيق العدالة محاسبة المجرمين وإنصاف الضحايا وجبر ضررهم.

ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم ولا بصفح الفريق المتضرر ولا بالتذرع بأوامر الرؤساء، أو الدفع بالحصانة، ولا بعدم وجود نص قانوني يجرِّمها، فإن تأخر سلطات النظام السوري عن القيام بالإجراءات الممتد من عام “2004” حتى اليوم، يتعارض في هذه الظروف مع نيّتها في تطبيق التزاماتها التي تفرضها الاتفاقية الدولية لحظر التعذيب، وحيث أن سلطات النظام السوري لا ترغب بالقيام بإجراءات عادلة ولا القضاء السوري قادر على ذلك لأن قضاء النظام السوري غير مؤهل للقيام بمعاقبة مرتكبي الجرائم التي يرتكبها عناصر النظام أو عملائه أو الميليشيات الطائفية أو الميليشيات الإيرانية والافغانية والعراقية وحزب الله أو مرتزقة فاغنر والحرس الثوري الإيراني والقوات العسكرية الروسية. ولأن قضاء النظام السوري يعاني من حالة انهيار في نظامه القضائي والإداري ولا يتمتع بالجدّية في تقديم المتهمين إلى المحاكم وتفشي الرشوة واستغلال النفوذ للإفلات من العقاب، إضافة إلى أن التعيينات القضائية التي تكون على أسس طائفية وحزبية تخالف المعايير الدولية التي نص عليها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 40/32 تاريخ 29/11/1985 والقرار 40/146 المؤرخ 13/12/1985، ووثيقة مبادئ بانجلور للسلوك.

وبناء على ما تقدم وحيث أن مواد الاتفاقية الدولية لحظر التعذيب لا تتعارض مع مواد وأحكام الدستور، لأنَّ القانون الوطني قد نصَّ أنه وفي حال تعارض أي قانون وطني مع أحكام أيةِ معاهدةٍ دوليةٍ، تكون حكومة الجمهورية العربية السورية طرفاً فيها، تكون الغلبة للمعاهدة الدولية. وقد قضى قرار محكمة التمييز رقم 23 لعام 1931، بأنه “ليس لقانون داخلي أن يضع قواعد مخالفة لأحكام معاهدة دولية سابقة له أو أن يغير ولو بصورة غير مباشرة في أحكام نفادها”.

ولأن محكمة النقض السورية في حكم لها صدر في العام 1980 أكّدت هذا الاتجاه عندما ذهبت إلى أنه: “عندما تصدر الدولة قانوناً بالانضمام إلى اتفاق دولي، أو معاهدة دولية، يصبح الاتفاق الدولي بحكم القانون الوطني، وتطبقه المحاكم الوطنية باعتبار أنه قد أصبح جزءاً من القوانين الوطنية وليس لأن الدولة قد التزمت بتطبيقه… وعندما يتعارض النص الدولي مع القانون الداخلي يطبق الأول”، ولدى بحث محكمة النقض في أســـباب الطعن ذهبت إلى أنه: “يبقى على المحاكم الوطنية أن تطبق حكم المعاهدة الدولية مرجحة حكمها على القانون الداخلي، وذلك لأن المادة “25” من القانون المدني، التي وردت بعد البحث في تنـازع القوانين من حيث المكان، نصَّت على أنه لا تسري أحكام المواد السابقة إلاَّ حيث يوجد نص على خلاف ذلك في قانون خاص، أو معاهدة دولية نافذة في سورية”. فالقانون السوري أقر بمبدأ ترجيح تطبيق أحكام المعاهدة الدولية على القانون الداخلي عند وجود تعارض بينهما، بالإضافةِ إلى أنَّ قانون أصول المحاكمات المدنية في سورية قد نصَّ في المادة “311” منه على أنَّ “العمل في القواعد المتقدمة لا يخل بأحكام المعاهدات المعقودة والتي تعقد بين سورية وغيرها من الدول في هذا الشأن”.

فإن جرائم التعذيب التي ارتكبها النظام وميليشياته وعصاباته وحلفائه الروس والإيرانيين والميليشيات الأجنبية والمرتزقة تبقى جريمة ضد الإنسانية ويبقى للمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية والمحاكم الوطنية الأجنبية التي تأخذ بمبدأ الولاية العالمية صلاحية النظر بها وملاحقة هؤلاء المجرمين على مستوى السلطة والأفراد.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني