fbpx

قراءة في أهداف وسياقات السياسات والجهود الأمريكية في مواجهة تحدّيات عواقب طوفان الأقصى

0 40

تساؤلات رئيسية تحاول القراءة إعطاء مقاربة موضوعية للإجابات عليها، منها:

1- كيف نفسّر دوافع قواعد الاشتباك التي سعت واشنطن لفرضها على القوى المتورّطة في حروب طوفان الأقصى من منظور حيثيات وعوامل السياق السياسي الإقليمي الأمريكي، وأين تقاطعت أو توافقت مع مصالح وسياسات شركاء مشروع التطبيع؟

مقدمة:

بخلاف قضية الحل السياسي على المسار الفلسطيني، والتآكل المستمر في شروط تحقيقها، شكّلت اتفاقيات أبراهام 2020 خطوة غير مسبوقة على مسار التطبيع الإقليمي، فاتحة الأبواب لخطوة التطبيع التاريخية بين النظام السعودي ودولة الاحتلال، وما تشكّله من جائزة كبرى لسياسات التطبيع الإقليمي الأمريكية المعادية لقضايا الشعوب ومصالحها، ليس فقط لانّها تأتي على الصعيد السوري في سياق مشروع التسوية الساعي لتأهيل سلطات الأمرالواقع وتثبيت حصص التقسيم بين قوى الاحتلال، بل ولأنّها تأتي أيضا في سياق إغلاق ملف التسوية السياسية للصراع التاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتصفية الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني.

يحفّز هذا السياق التسووي/التصفووي الأمريكي – الإسرائيلي – التشاركي – الذي لا يمكن أن تغييب هواجسه عن قيادة حماس وعرّابها الخارجي، وما تفرضه من أهداف سياسية إيرانية وفلسطينية/حمساوية لهجوم طوفان الأقصى، طرح التساؤلات الجوهرية حول الجدوى السياسية الفلسطينية للهجوم غير المسبوق:

2- هل تملك حماس مشروعية التمثيل الوطني وأوراق الضغط السياسية والعسكرية لفرض إعطاء الأولوية لمسار الحل السياسي لقضية الصراع التاريخي على فلسطين لصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية، وفقا لمسارات أوسلو أو غيرها، أم ستكون تضحيات الفلسطينيين حلقة جديدة من مسارات التدمير، لصالح اجندات اليمين المتطرف إسرائيليّا، وسياسات التطبيع الأمريكية التشاركية، على الصعيد الإقليمي؟ هل سيعمل النظام الإيراني على تشكيل ظهير قوي لأهداف الهجوم الفلسطينية الوطنية، أم سيستثمر في تضحيات الفلسطينيين لتعزيز مصالحه الإقليمية في مشروع التطبيع الإقليمي الأمريكي؟ هل ستكون حماس هي الخاسر الأكبر، بعد الشعب الفلسطيني، لشبكة علاقات السيطرة التشاركية الإقليمية التي تقودها واشنطن، وتعمل على تعزيزها مع سلطات الأنظمة على حساب الشعوب، وقضايا التحرر الوطني والتغيير الديمقراطي؟.

في تفسير توقيت هجوم حماس، ساد افتراض أنّ المنظمة وإيران سعتا إلى عرقلة الاتصالات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية قبل اتفاق التطبيع. لقد أثار الرئيس الأمريكي جو بايدن الافتراض عندما ادّعى أنّ أحد أسباب مهاجمة حماس لإسرائيل هو أن السعوديين يريدون الاعتراف بإسرائيل، و أكّده المتحدث باسم حماس في لبنان، أسامة حمدان، الذي أعلن أن هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول كان رسالة للدول العربية التي تفكر في التطبيع مع إسرائيل. لا شك أن حماس استلهمت فكرة أن التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية – الدولة السنية الأكثر أهمية والوصي على الأماكن الإسلامية المقدسة – سيكون بمثابة ضربة رمزية للجهود الرامية إلى تحقيق أهدافها السياسية المُعلنة، الساعية إلى نزع الشرعية عن إسرائيل والقضاء عليها، إلى جانب القلق من أنّ اتفاق تطبيع من شأنه أن يزيد من التدابير التي تعزز السلطة الفلسطينية، على حساب حماس. نقطة أخرى توضّح أيضا حضور ملف التطبيع بقوّة في حسابات النظام الإيراني. اتفاق تطبيع سعودي/إسرائيلي لابدّ أن يتضمّن تحالفًا دفاعيًا بين واشنطن والرياض والتعاون في قضية الطاقة النووية المدنية – وهي التطورات التي من شأنها أن تغير قواعد اللعبة في التوازن الاستراتيجي على حساب إيران. وبالفعل، بعد أيام قليلة من بدء الحرب، أعلن المسؤولون السعوديون تعليق المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن التطبيع مع إسرائيل.

الجزء الأوّل:

في طبيعة الأهداف الأمريكية المُعلَنة

كان واضحا منذ اللحظات الأولى أنّه من بين الأهداف الرئيسة التي سعت الولايات المتّحدة لتحقيقها في مواجهة عواقب هجوم طوفان الأقصى صباح السابع من أكتوبر، 2023 هو عدم السماح بانتشار النزاع إقليميّاً، خاصة عبر بوابة الجبهة الشمالية مع حزب الله، وقد اعترف اللواء عباس إبراهيم مدير عام الأمن العام اللبناني السابق، ورجل المهام الصعبة، بدور وساطة بين الولايات المتّحدة وحزب الله للتأكيد على خطورة وأهمية عدم تورّط الحزب، وكيفية تحجيم دور المنظمات الفلسطينية التي غضّ الحزب النظر عن وجودها في مناطق سيطرته.

ولم تخرج عن هذا الإطار سياسات واشنطن تجاه حكومة الحرب اليمينية الصهيونية المتطرفة التي يقودها نتنياهو، ولا جهود الرئيس بايدن تجاه نظرائه الأوروبيين، وحول العالم.

 ففي موازاة الجهد الأمريكي لعدم دخول أذرع النظام الإيراني في حرب حقيقية، خاصّة على الجبهة الشمالية مع حزب الله، (إذا اهملنا الثقل العسكري في موازين قوى الحرب للمناورات الإعلامية التي تحدّثت عن هجمات ميليشياوية على مواقع أمريكية في سوريا والعراق، والهجمات الحوثية الأخيرة، كلّ ما يحدث على الجبهة الشمالية ما يزال في المنظور العسكري في إطار حرب استنزاف عابرة للحدود، تحت عتبة الحرب الشاملة)، عملت الولايات المتحدة أيضا على حصر سقف الحرب الإسرائيل في غزة على هدف تقويض سلطة حماس- تفكيك قواعد ارتكازها العسكرية، دون دعم سياسات إعادة احتلاله، أو إحداث تهجير واسع النطاق، وبالتالي تحديد سقف أهداف الحرب بما يتوافق مع تطلعات الإدارة إلى اليوم التالي.

في نفس الإطار، تركّزت جهود واشنطن الخارجية، في علاقاتها مع شركائها الإقليمين، ومع خصمها الإيراني على تحقيق نفس الهدف، وقد قام الوزير بلينكن بجولات مكوكية بين عواصم المنطقة، كما اعترف وزير الخارجية الإيراني بتلقي بلاده رسائل واضحة من واشنطن.

في رؤيتنا لجميع جوانب النشاط الدبلوماسي والسياسي والعسكري الأمريكي (والاوروبّي) يمكن تكثيف الأهداف التي سعت واشنطن لتحقيقها في مواجهة عواقب طوفان الأقصى:

1- منع توريط إيران في الحرب، قد يجرّه دخول حزب الله في حرب حقيقية أو اشتباك واسع على جبهة الجولان، وهذا خط أحمر أمريكي، حدّد طبيعة قوانين الاشتباك وسقفه بين قوّات المقاومة و قوات الدفاع الإسرائيلية على امتداد الجبهة الشمالية، وكشف الأهداف الحقيقية للتحشيد الحربي الأمريكي/الحليف..

2- دعم ومساندة حكومة نتنياهو في هدفها المُعلن لتقويض البنية العسكرية لحماس عبر حرب محدودة الأهداف والسقف الزمني، ودون السماح لحرب مفتوحة أن تؤدّي في السياق والنتيجة إلى تقويض شروط مسار حل الدولتين، وقد عملت واشنطن على أهدافها تحت يافطات وجهود تقديم المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين ومنع التهجير..

3- الربط بين منع انتشار النزاع وجهود إسرائيل لتقويض مرتكزات سلطة حماس من جهة، وبين حماية المدنيين ومنع التهجير و أفق حل الدولتين السياسي، من جهة ثانية، وقد شكّلت تلك الأهداف جوهر السياسات الأمريكية خلال مراحل الحرب، وفي تطلّعها لمرحلة ما بعد الحرب (اليوم التالي) الإسرائيلية على غزة.

يجادل المنطق الأمريكي بالقول: لأنّه لا يمكن لحماس الاستمرار في السيطرة على غزة، وهو أمر يتعذر معه الدفاع عن أمن إسرائيل ورفاهية الشعب الفلسطيني والأمن الإقليمي، فإنه يجب العمل وفقا لخطط متكاملة في سياق الحرب وما بعدها من أجل إعادة توحيد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية تحت كيان حاكم واحد في إطار مشروع إعادة الإعمار والأمن والحكومة، وفي سياق أفق سياسي واضح للشعب الفلسطيني يفضي إلى إقامة دولة خاصة به تقودها سلطة فلسطينية متجددة وتتمتع بدعم كبير من المجتمع الدولي ودول المنطقة، خاصّة مصر والأردن.

بخصوص رؤيته لليوم التالي، مراراً وتكراراً، ومنذ اللحظات الأولى لتدخّل واشنطن في النزاع، تؤكّد تصريحات الرئيس بايدن ووزير خارجيته على حل الدولتين، وهو نفس موقف الإدارة منذ بداية العهد البايدني، ولكن دون تحديد تفاصيل خارطة الطريق، وبالتالي لم تأت السيدة نائبة الرئيس بجديد حول اهمّ قضايا الخلاف في حل الدولتين المرتبطة بمسألة القدس الشرقية عندما تحدّثت في مؤتمر دبي للمناخ، يوم السبت 2 ديسمبر، عن الرؤية الأكثر إقناعًا حتى الآن لدى الولايات المتحدة لمستقبل غزة:

لا تغييرات في أراضي غزة وحدودها؛ لا للتهجير القسري للفلسطينيين؛ لا إعادة احتلال إسرائيلي للقطاع؛ لا لحصار الفلسطينيين في غزة؛ وعدم استخدام غزة كمنصة للإرهاب؛ تعزيز السلطة الفلسطينية حتى تتمكن في الوقت المناسب من توسيع حكمها إلى غزة وتولي المسؤولية الأمنية.

وقد تجاهلت قضية القدس، عندما قالت: بصراحة، إن حجم معاناة المدنيين، والصور ومقاطع الفيديو القادمة من غزة، مدمّرة. نريد أن نرى غزة والضفة الغربية موحدة تحت قيادة السلطة الفلسطينية.

القلق الأمريكي المشروع حول طبيعة سياسات الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة يزيد الطين بلّة[1]:

لا نعرف إذا كان هدف واشنطن هو حل ترامب لعام 2018 أو تطبيق اتفاقيات أوسلو، 1993، التي أنتج بعضها السلطة الفلسطينية عام 1994، وتضم القدس الشرقية كعاصمة أبدية للدولة الفلسطينية المرجوة، كما أننا لانعرف طبيعة الصلة بين رؤية بايدن لحل الدولتين وما يخرج من تسريبات، تتحدّث عن خطط إسرائيلية سابقة حول صفقة قرن وتبادل أراض مع مصر، ولا وجود لخارطة طريق واضحة لدى واشنطن، رغم ما دفعه، ويدفعه الشعب الفلسطيني من أثمان غياب إرادة الحل السياسي الأمريكية، خاصة بعد هجوم طوفان الأقصى.


[1]– في آخر المواقف الأمريكية الصريحة تجاه سياسات الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة، عبّر لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي عن حجم الضغوط الداخلية والعالمية التي تتعرّض لها إدارة بايدن مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ودخولها مرحلة غزو مناطق الجنوب، وعن موقف علني معارض لاستمرارها بسبب تجاوزها سقف الأهداف السياسية التي وضعتها واشنطن، قائلا: عندما تدفع سكاناً مدنيين إلى أحضان العدو، أنت تحول نصراً تكتيكياً إلى هزيمة استراتيجية. وأضاف: لقد أوضحت هذا أكثر من مرة لزعماء إسرائيل. لديهم مسؤولية أخلاقية بحماية حياة السكان المدنيين في غزة، وهذه ضرورة استراتيجية.

لا تقتصر حالة عدم اليقين من الجدوى السياسية والعسكرية للمرحلة الثانية من الحرب العدوانية على غزة على المسؤولين الأمريكيين. تنقل نماذج مختلفة من الصحافة الإسرائيلية حالة القلق لدى الرأي العام الإسرائيلي. لنتابع:

5 ديسمبر 2023/يديعوت أحرونوت – ناحوم برنياع

إنّ العناوين التي برزت عقب الكلام الذي قاله رئيس الأركان مغلوطة، فالعملية البرية للجيش الإسرائيلي في خانيونس لن تكون مشابهة من حيث حجمها وقوتها للعملية البرية في شمال القطاع، قطعاً لا، وهذا هو وقت خفض التوقعات. إذا ألقينا نظرة جدية إلى الخيارات المتاحة حالياً، فسيقودنا هذا إلى استنتاج أن القتال البري في خانيونس لا يستطيع أن يستمر أكثر من 10 أيام أو أسبوعين. وإذا كنا لم ننجح في تطهير مدينة غزة وضواحيها من المسلحين خلال 59 يوماً من الحرب، فكيف لنا أن نستطيع تطهير خانيونس وضواحيها خلال فترة أقصر بكثير؟

أضف إلى هذا أن اجتماع مليوني نازح (مليون ونصف المليون من شمال القطاع، و200,000 نازح جديد من خانيونس)، مع الضغط الأميركي، هما أمران يفرضان حدود العملية، بالإضافة إلى وجود خطر تبادل إطلاق النار هناك أيضاً.

إن الثمن الذي ندفعه في هذا الشأن في شمال قطاع غزة مقلق للغاية، ويمكن أن تكبدنا منطقة خانيونس ثمناً باهظاً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني