fbpx

في ديمقراطية العم سام!

0 77

أية ديمقراطية هذه التي توفر للإسلام السياسي المعادي في الوعي والممارسة لقيم الديمقراطية وصيرورات تحقيقها- كل مقومات التمكين، على صعيد غيتو الداخل الأوروبي والأمريكي، وعلى مستوى سلطات أنظمة المنطقة وأذرعها الميليشاوية؟

كيف لها أن توفر شروط النشاط والتمدد داخل أوروبا وأمريكا لقوى الإسلام السياسي وتمنعها عن أنشطة ونخب الحراك الديمقراطي الأوربية والأمريكية، المرتبطة بحقوق الإنسان وتحرر الشعوب، ودمقرطتها؟.

لماذا تقف اليوم أدوات القمع الأمريكية في مواجهة أساتذة الجامعات والطلبة، وتغض النظر عن نشاط قطعان الإسلام السياسي، التي بدأت تجتاح ساحات انتفاضات الجامعات الأمريكية؟[1] إذا كنا علمانيين – ديمقراطيين، من واجبنا قراءة الأحداث موضوعيا، ومن وجهة نظر ومصلحة قوى التغيير الديمقراطي، وتوضيح جميع وسائل وادوات القوى المعادية التي تكشف عن طبيعتها الأحداث! العلمانية والديمقراطية هي اليوم ضرورة قصوى لفرز الوعي السياسي الديمقراطي الحقيقي عما يخالفه في الوعي الإيديولوجي المضلل حول طبيعة العلاقات التشاركية بين سياسات السيطرة الإقليمية الأمريكية وأذرع الإسلام السياسي، خاصة حول هدف إجهاض قوى وصيرورات التغيير الديمقراطي!!.

لنتابع بعض تفاصيل ما تكشفه الأحداث:

أولاً: على صعيد الصراع على فلسطين، حيث لا ينفصل نضال الفلسطينيين التاريخي من أجل التحرر الوطني عن النضال الديمقراطي:

ماذا تقول حقائق المرحلة الراهنة من الحرب التي شنتها حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية على قطاع غزة، في تجيير لعواقب هجوم طوفان الأقصى؟

أنهت آلة الدمار الإسرائيلية، المدعومة سياسياً وعسكرياً من الحكومات الديمقراطية في الولايات المتحدة وأوروبا الحليفة تجريف جميع مناطق القطاع، وصولاً إلى رفح، حيث توقفت عند أسوار المدينة، فارضة حصارا خانقا، يجعل المدينة، وما تحتويه من باقي كتائب حماس المقاومة، بحكم المستسلم عسكريا، دون حاجة جيش العدو لاقتحام المدينة، وهو لا يعجز عن ذلك، كما كشفت سيرورة تدمير القطاع، والحصار والتجويع، وقد أصبح الحصار أفضل وسائل التركيع، وأقل تكلفة!!

لماذا لم يتابع جيش العدو هجومه على رفح؟ ليس حرصاً على حياة جنود جيشه، ولن تمنعه مظاهرات الاحتجاج حول العالم، ولا خشية من تواصل هجوم الرد الإيراني بنفس الوتيرة، ولا حسابات ما تمارسه واشنطن من ضغوط على نتنياهو، حتى على مستوى محكمة الجنايات الدولية!

ثمة أهداف ومصالح استراتيجية أبعد مما يبدو على مسرح الأحداث، وقد باتت تنحصر بأهداف سياسية:

1- ما هي مصالح حكومة العدو السياسية التي تتكامل مع أهدافها العسكرية، في الوصول إلى صفقة سياسية حول رفح، وكيف تتقاطع مع مصالح الولايات المتحدة السياسية؟ لحكومة العدو أكثر من هدف:

أ- فرض استسلام ما تبقى من الكتاب العسكرية، وانسحاب قادتها ومجاهديها دون سلاح، تماماً على غرار ما حصل في نهاية حصار بيروت 1982!.

ب- الإفراج عمن تبقى من الرهائن الذين ما تزال تحتجزهم القسام داخل أنفاق رفح، كما تبين الفيديوهات المسربة، وهي ورقة سياسية مهمة لحكومة نتنياهو، وللمجرم شخصياً.

ت- حفظ ماء وجه قيادة حماس السياسية، وإعطائها فرصاً أخرى، في إطار الأدوار التي يقوم بها الإسلام السياسي على الصعد الفلسطينية والاقليمية والعالمية.

2- أين تتقاطع مصالح وسياسات حكومة العدو مع واشنطن؟

أ- وقف ما تتعرض له حكومة العدو وواشنطن من ضغوط داخلية وخارجية بسبب استمرار الحرب، خاصة ما قد ينتج عن غزو رفح من قتل وتدمير وتهجير.

ب- إعطاء مصداقية لسياسات واشنطن التي ما تزال تتحدث عن تسوية سياسية، رغم ما حصل من تدمير لجميع شروطها الفلسطينية، وبالتالي متابعة إجراءات التطبيع الإقليمي، خاصة على المسار السعودي الإسرائيلي، وما ستحصل عليه حكومة الحرب من مزايا – تحدث عنها توماس فريدمان في مقاله الأخير[2].

ت- الحفاظ على ورقة الإسلام السياسي التي تمثلها قيادة حماس السياسية التي تتخذ من الدوحة كاناً آمناً.

ثانياً: في الاستنتاج الرئيسي:

إذا أخذنا بعين الاعتبار:

1- حقائق ما كشفته سياسات الولايات المتحدة في عواقب هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، خاصة على صعيد حرصها على عدم انتشار النزاع إقليميا، وعدم وصول المناوشات مع النظام الإيراني ووكلائه إلى حرب اقليمية بين الدولتين، تصيبهما بمقتل، وبالتالي حقيقة أن حرص الولايات المتحدة على أمن إسرائيل لم يكن يقل عن حرصها على أمن النظام الإيراني، وعلى عدم هزيمة حماس سياسيا وإعطاء قادتها دورا في التسوية السياسية.

2- ما يتكشف من الدور الذي تلعبه كتائب الإسلام السياسي، الراسخة الجذور في الولايات المتحدة، في إجهاض المظاهرات الديمقراطية التي يقودها طلاب وأساتذة الجامعات الأمريكية، ليس فقط رفضا لسياسات عصابة البيت الأبيض ضد قضايا الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، بل وضد السياسات المعادية لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان داخل الولايات المتحدة ذاتها.

3- حقائق ما كشفته نتائج وأدوات صيرورة هزيمة الربيع العربي، خاصة حول ما لعبه الإسلام السياسي – الحكومي والاستخباراتي – من دور أساسي في قطع مسارات التغيير الديمقراطي وتدمير مقومات الدولة الوطنية، ويشكل امتدادا لما حققه من إنجازات في طهران 1979، وافغانستان خلال ثمانينات القرن الماضي، وما أعطاه لواشنطن في 2001 من مبررات لغزو العراق، وتحقيق أوسع أشكال الهيمنة الإقليمية على قلب منطقة مثلث الطاقة الإستراتيجي وممرات الخليج والبحر الأحمر وخليج عدن.

نترك للقراء الكرام، خاصة، اليسار المقاوم، استنتاج طبيعة العلاقة بين سياسات وأهداف مشروع السيطرة التشاركية الإقليمية الأمريكية وبين الإسلام السياسي، أذرعاً ميليشاوية وسلطات استبداد[3] الوصول إلى الاستنتاج الموضوعي الرئيسي.. ولن يفعلوا!.


[1]– في فيديو واضح المؤشرات، نجد جماعات من قطعان الإسلام السياسي الموجهة تمارس طقوس العبادة في شروط مريبة، تؤدي عملياً إلى ما من شأنه تغيير طبيعة أهداف وأدوات انتفاضات طلبة وأساتذة الجامعات الأمريكية في وجه ممارسات البيت الأبيض، المعادية للديمقراطية وحقوق الإنسان، تماماً على نفس الطريقة التي مارستها في مواجهة حراك الربيع العربي، حيث كان لها الدور الأساسي في تغيير طبيعة الصراع، ودفعه على مسارات العنف الطائفي، لتبرير سياسات تفشيل أهدافه الديمقراطية؛ وهو دليل آخر على طبيعة اليد الخفية التي تحتضن وتحرك أذرع الإسلام السياسي، المدنية والميليشاوية، في التوقيت والمكان المناسبين!!

تستخدم اليد الخفية لأجهزة الولايات المتحدة الإسلام السياسي لقمع حراك ديمقراطي في الداخل، وهذا يفسر ما يحصل عليه الإسلام السياسي وجالياتهم من مزايا داخل أوروبا وفي الولايات المتحدة.
في مواجهة انتفاضات الجامعات، استخدمت الاجهزة جميع وسائل القمع ضد الطلاب وأساتذة الجامعات، بينما يستمتع أفراد وقيادات هذه القطعان بما توفره الديمقراطية الأمريكية من حقوق، لاستخدامها في اجندات السيطرة الإقليمية، وحتى من أجل إجهاض حراك ديمقراطي ، عندما تقتضي الحاجة!

مَن سيرى هذه الحقيقة في سياسات الظل الأمريكية والاوروبية؟

المفكر السوري المعارض، الدكتور راتب شعبو، يحمل، في مقاله الأخير، إسرائيل المسؤولية عن قمع الحراك الديمقراطي في أوروبا وأمريكا، ويغيب هذا البعد الإسلامي في سياسات الدول الديمقراطية الغربية!.

[2]– لقد كشفتُ في نقد أفكار مقال الصحفي الأمريكي توماس فريدمان في الواشنطن بوست طبيعة التضليل، والحقائق التي يعمل على تغييبها:

إسرائيل لن تغزو رفح في هذه المرحلة من مفاوضات الهدنة (وقد تفعل، بعد إنجاز أهدافها الإسرائيلية)، هذه هي الحقيقة، وهي تدرك المزايا، لأنها انتصرت.

عوضاً عن توضيح هذه الحقيقة، ويكشف أبعادها، يراوغ فريدمان:

جوهر مقاله يؤكد على أنه ليس من مصلحة إسرائيل غزو رفح بهجوم عسكري مباشر، وهو ينصحها بالخَيار البديل.. وهذه حقيقة يعرفها الجميع، ويدركها نتن ياهو…الحقيقة التي لا يريد قولها هي ان اقتحام رفح ليس خيارا مطروحا في هذه المرحلة، وليس لحكومة الحرب حاجة ومصلحة في غزو رفح مباشرة كما فعلت في باقي مناطق القطاع؛ وهي تحاصرها بشكل مطلق، وتستطيع فرض الاستسلام على ما تبقى من كتائب حماس في داخلها، وهو ما يجعل الحرب موضوعيا بحكم المنتهية، وما تقوم به حكومة العدو في إطار المفاوضات يأتي في إطار شراء الوقت، والسعي لفرض شروط استسلام قيادة حماس، واستعادة ما تبقى من الرهائن، عندها، قد تهاجم بقايا قوات حماس كما فعلت في لبنان، والكل يفاوض على هذا الأساس، وعدم دخول رفح في هذه المرحلة، هو مصلحة مشتركة أمريكية – إسرائيلية، كما أوضحتُ أعلاه!.

[3]– في ضوء دروس خبرة سنوات طويلة من العمل السياسي، تضمنت بعد 2011، خيبات أمل واحباطات التعويل على سياسات الولايات المتحدة، أمتلك الراحل ميشيل كيلو جرأة الاعتراف بما تعرض له السوريين بشكل خاص من خداع وتضليل واستغلال من قبل إدارات الولايات المتحدة في كتابة الثورة السورية، وبيئتها الدولية الذي نُشر رقميا بعد فترة قصيرة من وفاته، يوصف الراحل تفاصيل آليات الخداع والتضليل التي تستخدمها واشنطن لتأكيد أوسع حالة سيطرة إقليمية تشاركية!

رسمت واشنطن خطوطاً حمراء للصراع، وطبقت عليه آليات تحكم واحتواء، بلورتها خلال قرن ونصف في أمريكا اللاتينية، أولاً، ثم في بقية أنحاء العالم، وقد بينت أعوام الحرب عجز أطرافها عن تخطي ما رُسم لها، وإلزامها بإطالتها كمقتلة خرج قرار مغادرتها من أيديهم، ومما يمكن أن يحسمها ويقرر مجرياتها من فوارق في القوة، وفرضت عليها خيارات حالت دون تناقض مخرجاتها مع استراتيجيته البيت الابيض التي بلورها تاريخ طويل من الهيمنة على الشعوب الأخرى، وقرر تطبيقها في سوريا، بهذه السياسات، نجحت واشنطن في التلاعب بأدوار جميع الأطراف، تعزيزا وتهميشاً، واستغلال لما يجمعها ويفرقها، لا فرق في ذلك بين صديق وعدو، وربطها بعلاقات تلزمها باتباع نصائح، وإلا فإكراهات تُملى عليها وتخدمها، مع أنها تعِدهم بأن مصالحهم ستكون مصونة أيضا، ونجحت كذلك في الإفادة من الطابع الميليشياوي الإجرامي للأنظمة ودولها العميقة، التي تخوض حرباً لابد أن تلد حروبا، يُراد لها أن تقوض نظام الأمن والسلام الشامل.

بعد انتصار الملالي في طهران عام 1979، وانهيار الإتحاد السوفيتي تحت ثقل ضغوط الغرب الاقتصادية والسياسية ومذهبية إيران الدعوية تبنت واشنطن استراتيجية القطب الواحد بما عناه من رغبة في التفرد بإدارة العالم، والعربي خاصة، وراهن البيت الأبيض على دفع العالم الإسلامي إلى تدمير نفسه بيديه، عبر تفعيل التناقضات والعداوة بين السنة والشيعة، مستغل ما فعلته طهران لتسعير نيرانها بعد استيلاء الملالي على السلطة، وجعل جوارهم العربي ساحة حرب تستهدف الإسلام، وتستبدل صراعه التاريخي مع الغرب بحرب مذهبية تولت تفجيرها بين المسلمين، دمرت المشرق بما سلحته وعبأته من مكوناته الداخلية، وحرضت بعضه على بعض، واحتلت بعضه من خلال أقلياتها الشيعية، وبذلك افتتحت إيران عصراً من الإضرابات والحروب حفل بمجازر ومذابح على الهوية، بدأته في العراق، وأوصلته إلى أربعة بلدان عربية، مهدت لما نشرته واشنطن لاحقاً من فوضى خلاقة، استغلت فيما استغلته الصدع العدائي التاريخي – التناحري الذي أحيته طهران من جديد بين السنة والشيعة، والفرس والعرب، واعتمدته كنهج استراتيجي، وضعت قدرات إيران ومواردها وجيشها في خدمته، وفجرته بالتتابع والتوالي في العالم الإسلامي حيث تكفلت آلياته الذاتية بإطالته إلى حد مكن أمريكا من تبنيه، وجني عوائده، وإن لم تنخرط انخراطا مباشر في جميع مراحله. ولم تتحمل تكلفة مادية وبشرية للحصول على ما تريده منه، وأفادت من إصرار الملالي على تعزيز ما أنتج من انقسامات وصراعات عنيفة بين شعوب وأمم، آخى بينها الإسلام، واكتفت واشنطن بلورة آليات مناسبة لإطالتها أطول فترة، من خلال تنشيط وتنويع تناقضات المذاهب الإسلامية والقومية، ودفعها إلى حدود تحبط تسويتها سلميا، ودفعها إلى المزيد فالمزيد من المنخرطين فيها، كحرب يشنها الجميع ضد الجميع.

برفض أي حل غير عسكري، وإطلاقها السلفيين والجهاديين من سجونها، لعلمها بأنهم كرسوا حياتهم للصراع ضد الشيعة والحرب ضد الرافضة والمرتدين من المسلمين، وأنهم المرشح الأكثر قدرة على تحويل ثورة الحرية إلى اقتتال طائفي، من طراز يلبي حاجة واشنطن إلى إضراب يفضي تفعيل تناقضاته إلى الخراب الذي تحدثت كوندليزا رايس عنه في صفوف السوريين، ويخرج مصيرهم من أيديهم، ويضفي طابعا إقليميا ودوليا على مأساتهم، يستند إلى انتشار أمريكيا الكوني والمحلي، وما تحشده من قوة عسكرية رادعة، مؤهلة للتدخل في كل مكان. ويكفي لتفعل فعلها أن تكون حاضرة في خلفية أي مشهد، عسكري أو سياسي، وأن تراقبه عن بعد، وأن تزج بإمكاناتها في الزمان والمكان المناسبين، لتنجز ما كانت ستحققه لو وقع استخدام قوتها بالفعل. ص 138.

ثمة مبدأ تعتمده السياسة الأميركية يقول:

احرص على أن تستخدم ما لدى خصمك من قوة لصالحك هذا هو مضمون سياسات الفوضى الخلاقة، التي تستخدم ما لدى الخصم من قوة ضده، وتضبط حركته هنا وتستولي على مخرجاتها هناك. ولعل أكثر صور الإفادة من الأسدية وإيران وروسيا تجلت في ما قام هؤلاء به من جهود مشتركة ومنسقة لضرب ثورة الحرية والقضاء على طابعها الديمقراطي، الذي رفضته واشنطن كُرمى لتل أبيب، وقبلت ما قاموا به لتحويل حراك سلمي مدني شامل، نزل ذات يوم من عام 2012 ما يقارب 35% من الشعب السوري إلى الشارع، أي ثمانية ملايين مواطن ومواطنة، للمطالبة بالحرية، ورحيل الأسد ونظامه، إلى جهاد، كانت قد غزت أفغانستان للتخلص مما يماثله، لكنها استخدمته في سوريا أداة لفوضاها الخلاقة ، وأفادت منه بقدر ما بالغ من تطرفه، واكتسب ملامح زرقاوية، ص 138.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني