
علاقة ترامب ببوتين: بين الإعجاب الشخصي والقلق الدولي
منذ صعود دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، وحتى بعد انتهاء ولايته، ظلّت علاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين محط أنظار المحللين السياسيين وصناع القرار حول العالم. هذه العلاقة، التي اتسمت بالدفء تارةً والغموض تارةً أخرى، أثارت سلسلة من المواقف المتباينة بين قادة العالم، إذ رأى بعضهم فيها تقارباً مثيراً للقلق، بينما اعتبرها آخرون محاولة لبناء قنوات تفاهم بين خصمين تاريخيين.
بوتين قبل الحرب الأوكرانية الروسية:
وفي محاولة بسيطة لتحليل تلك العلاقة نستعرض بعض الآراء من الوسط السياسي، فقد عبّر الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في بيانٍ صحفي خلال حملته الانتخابية عن انتقاد واضح للعلاقة التي جمعت ترامب ببوتين، واصفاً إياها بأنها “مريبة”، ومشيراً في أكثر من مناسبة إلى أن ترامب “يبدو وكأنه يثق ببوتين أكثر من حلفاء أمريكا”، وهو ما اعتُبر مؤشراً على خلل في الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة.
من جهة أخرى، أعربت أنغيلا ميركل، المستشارة الألمانية السابقة، في تقرير نشرته قناة DW عن قلقها من هذا التقارب، معتبرة أن العلاقة الوثيقة بين ترامب وبوتين قد تضعف وحدة حلف الناتو. وقالت ميركل: “علينا أن نكون حذرين من أي علاقات ثنائية قد تؤثر على التزاماتنا الجماعية”.
وفي الاتجاه ذاته، أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة على التلفزيون الفرنسي فرانس 24 رأيه بأن ترامب “يبدو مفتوناً ببوتين”، مؤكداً أن هذه العلاقة قد تحمل في طياتها خطراً على الاستقرار العالمي إذا لم تتم إدارتها بحذر ووعي سياسي كافٍ”.
أما بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني السابق، وفي مقالة نُشرت في صحيفة الغارديان، فقد وصف العلاقة بين ترامب وبوتين بأنها “مثيرة للقلق”، مشيراً إلى أن ترامب غالباً ما يتجاهل التهديدات التي تشكلها روسيا تجاه أوروبا، وهو ما قد يؤدي، بحسب رأيه، إلى خلل في التوازن الجيوسياسي العالمي.
في المقابل، لم يتردد فلاديمير بوتين في التعبير عن إعجابه بشخصية ترامب، ففي مقابلة مع تلفزيون RT وصف بوتين ترامب بأنه “شخص قوي ومباشر”، كما أبدى أمله خلال فترة ترامب في تحسين العلاقات الثنائية بين واشنطن وموسكو.
وعلى الصعيد الداخلي الأمريكي، عبّرت العديد من الشخصيات السياسية البارزة عن مواقف حادة إزاء علاقة ترامب ببوتين. فعلى سبيل المثال، اعتبر السيناتور الراحل جون ماكين في تغريدة على موقع X، أن هذه العلاقة تمثل “خيانة للمصالح الأمريكية”، مؤكداً أن ترامب “يبدو وكأنه يفضل مصالح بوتين على مصالح بلاده”.
من جهتها، قالت نانسي بيلوسي، الرئيسة السابقة لمجلس النواب، إن ترامب “يبدو وكأنه تحت سيطرة بوتين”، وجاء هذا التصريح في بيان صحفي من مكتب نانسي بيلوسي.
أما وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ريكس تيلرسون، وخلال مقابلة مع تلفزيون CNN، فرأى أن ترامب “يحاول بناء علاقة شخصية مع بوتين”، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن ذلك لا يعني بالضرورة أن ترامب متساهل مع السياسات الروسية.
وفي السياق نفسه، عبّر السيناتور ميت رومني عن قلقه من علاقة ترامب ببوتين، موضحاً أن ترامب “يبدو وكأنه يفضل بوتين على الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة”.
وفي مقابلة لها مع MSNBC، اعتبرت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون أن ترامب “يعشق بوتين”، محذّرة من تداعيات هذه العلاقة على الأمن القومي الأمريكي، خصوصاً في ظل سلوك روسيا العدائي تجاه الغرب.
بوتين بعد حرب أوكرانيا.
بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير 2022، واصل ترامب الإدلاء بتصريحات مثيرة للجدل حول بوتين. فقد وصف الرئيس الروسي بأنه “ذكي جداً”، مشيراً إلى أن “ما يفعله بوتين في أوكرانيا أمر مروّع، لكنه أدار العملية بطريقة محسوبة”. وفي تصريحات سابقة له عندما كان جو بايدن رئيساً لأمريكا، قال ترامب إنه لو كان لا يزال في السلطة، لما وقعت الحرب من الأساس، مؤكداً أن علاقته الجيدة ببوتين كانت ستشكل عامل ردع. ومع ذلك، تعرّض ترامب لانتقادات شديدة بسبب استخدامه أوصافاً إيجابية تجاه بوتين في خضم عدوان عسكري واضح، مما عزز الجدل حول موقفه الحقيقي من القيادة الروسية.
من خلال تتبّع مواقف القادة والسياسيين، يمكنني القول إن علاقة ترامب بفلاديمير بوتين تمثّل حالة نادرة في تاريخ العلاقات الأمريكية الروسية؛ إذ اتسمت بمزيج من الانجذاب الشخصي، والتفاهم السياسي، وأحياناً الغموض غير المسبوق. وبينما يرى بعضهم أن ترامب سعى لكسر الجمود عبر التواصل المباشر مع بوتين، يرى آخرون أن هذا التقارب تجاوز الحدود المقبولة دبلوماسياً، إلى درجة أثارت الشكوك حول التزامه بالمصالح الأمريكية. في النهاية، تبقى هذه العلاقة مثالاً على كيف يمكن أن تؤثر العوامل الشخصية في السياسات الدولية، خصوصاً حين يتجاوز الإعجاب الشخصي حدود التوازن الاستراتيجي.