طموح شفاء يتحدى الإعاقة
ولدت في مدينة داريّا بريف دمشق، لم توقفها نظرات الناس والمجتمع عن تحقيق طموحها، وإثبات نفسها كأي شخص فاعل في المجتمع، شفاء من ذوي الاحتياجات الخاصة.
تقول شفاء في حديث لنينار برس: “للأسف منذ البداية لم يكن لديهم إيمان بوجودنا وقدراتنا الخاصة، كانوا يطلقون بحقّنا كلمات قاسية جداً مثل (لماذا تريدون أن تتعلموا؟ أنتم معاقون لا تستطيعون فعل شيء، أنتم تحتاجون للمساعدة، ولا يمكنكم العيش مستقلين ولا فائدة منكم، لماذا تتعبونا معكم وتجبرونا على المجيء منذ الصباح الباكر بدون نتيجة؟! إلى ما هنالك من الكلام الجارح”.
ما هي الإعاقة ومن هم ذوو الإعاقة
ترى “منظمة الصحة العالمية” أن الإعاقة تتمثل في كل قصور يعاني منه الفرد نتيجة الإصابة بمرض عضوي أو جسدي أو عقلي يؤدي إلى حالة من العجز الذي لا يمكنه من أداء واجباته الأساسية معتمداً على ذاته أو ممارسة عمله والاستمرار فيه بالمعدل الطبيعي.
كما تعرف الإعاقة بعجز الشخص على القيام بنشاط معيّن نتيجة مشكلة في جسمه، رافقته منذ الولادة، أو أصابته بعد التعرّض لحادث، وتمنعه من القيام بوظيفة، أو مجموعة من الوظائف الأساسيّة، وبالتّالي لا يستطيع الحفاظ على حياة اجتماعيّة طبيعيّة، وهو بحاجة للآخرين من أجل مساعدته في تنفيذ بعض الأمور، وتختلف درجة الصعوبة التي يجدها المعاق في حياته باختلاف المجتمع الذي يعيش فيه.
يقول حسام الخلف المتخصص في الخدمة الاجتماعية والعمل الاجتماعي مع منظمة ألمانية لنينار برس:
إن ذوي الإعاقة: هم أفراد يمتلكون طاقات هائلة والمجتمع يطلق عليهم ذوي الاحتياجات الخاصة أي إنهم يحتاجون إلى أمور تختلف عن الأشخاص العاديين، ويرفضون مصطلح معاق، وهو ليس كذلك ولو تأهل المجتمع المحيط به فسيكون فعالاً، ويقدم أكثر فالوظيفة تقع على عاتق المجتمع والأسرة من خلال الكشف المبكر والتدخل وتأهيل المجتمع من خلال بيئة مكانية ومجتمعية خالية من المعيقات.
ويؤكد أحمد نصرو، مدرب برايل للمكفوفين ضمن فريق سند للاحتياجات الخاصة، ومقدم برامج عن ذوي الاحتياجات الخاصة، لنينار برس بأنه لا توجد إحصائية دقيقة لحالات الإعاقة وإصابات الحرب، هناك بعض المنظمات الدولية التي تعنى بشؤون ذوي الاحتياجات الخاصة، وتحدد الإصابات التي تتراوح بين البتر والعاهات المتوسطة والدائمة والإصابات البسيطة.
وحسب إحصائية منظمة (هندي كاب) الدولية نهاية عام 2017 التي أحصت ثلاثة ملايين حالة إعاقة منها مليون ونصف إعاقة دائمة وبينها 70000-80000 من حالات الإعاقات الناتجة عن بتر الأطراف.
لامبالاة وتهميش وصعوبات أخرى يواجهها ذوو الإعاقة
صعوبات كثيرة واجهها ذوو الإعاقة في سوريا فلم تكن المناهج الدراسية تتناسب مع أوضاعهم ومتطلباتهم، إضافة للمعلمين الذين يشعرون بشيء من اللامبالاة بتعليم هؤلاء الأشخاص وغير مهتمين بأمرهم، الأمر الذي يخالف المادة رقم 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تقول:
– يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء.
وبالنسبة للمدارس في سوريا لم يكن يوجد سوى مدرستين للمكفوفين فقط لا غير، وكان يطلق عليها المؤسسة النموذجية لتأهيل المكفوفين في دمشق وحلب، وحالياً تم تحويلها إلى سجن مركزي ومعهد الأمل للإعاقات الذهنية ومدرسة للصم والبكم.
أما عن الصعوبات التي يواجهها ذوو الإعاقة يقول الخلف لنينار برس “ترتبط الصعوبات بنوع الإعاقة التي يحملونها، فمثلاً إذا كانت إعاقة حركية لطفل على كرسي متحرك فالمدرسة التي فيها درج سيكون من الصعب عليه استخدام الدرج، ومن المفترض أن يكون هناك تأهيل مكاني بحيث يصبح هذا المكان مناسب لمثل هؤلاء الأشخاص، وقد يكون الشخص ذو إعاقة بصرية وبالتالي يجب أن تكون المعوقات المكانية قليلة، حيث تعتبر المعوقات المكانية من أكبر المعوقات أمام هؤلاء الاشخاص.”
ويضيف “تدخل المحيط في إزالة هذا المعوقات يبدأ منذ ولادة هذا الطفل، وخاصة الأسرة وبذلك يكون لدينا تأهيل مبكر ويستفيد الطفل بسن مبكرة، ومهما كانت نوع الإعاقة فالتدخل المبكر يساعد الإعاقة أن تتأهل وتتطور، وقد يستفاد من التدخل الطبي المبكر فيؤدي لتطور وتحسن الإعاقة والتأهيل المبكر وهو أول مرحلة يمكن أن ترفع المعيقات”.
وقد يوضع الفرد بموقف محرج نتيجة الإعاقة فهي بحد ذاتها تفرض قيوداً على الأداء الأكاديمي الأمر الذي يجعل التعلم في الصف العادي، وبالطرق التربوية العادية أملاً يصعب أو يستحيل تحقيقه.
مرّت الأيام وأنهت شفاء المرحلة الابتدائية، وفي منتصف المرحلة الإعدادية اتخذت الأسرة قراراً بنقل شفاء الى مدرسة أخرى تتناسب مع وضعها الصحي والنفسي، وبدأت مرحلة البحث عن مدرسة متخصصة، تستقبلها في داريّا لكنّها للأسف لم تجد المدرسة مناسبة، ما دفع العائلة للبحث عن مكان آخر، إلى أن وجدوا مدرسة متخصصّة بذوي الاحتياجات الخاصة اسمها مدرسة “الأمل” وهنا بدأت مرحلة التحدي والمعاناة والإصرار على العلم.
أمل جديد وحياة جديدة
“اليوم لدينا طالبة جديدة، أرجو الاهتمام بها” بهذه العبارة استقبلت مديرة مدرسة الأمل شفاء في يومها الأول، تعبر شفاء عن هذه اللحظات بقولها “في هذه اللحظة شعرت بفرحة لا توصف غمرت قلبي، ومنذ أول يوم لي في المدرسة بدأت مرحلة جديدة في حياتي التعليمية، المعلِّمات حاولن مساعدتي على استدراك ما فاتني من المعلومات الدّراسية واستطعت متابعة دراستي”.
حسب المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد ته الجمعية العامة بموجب قرار للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948
1. لكل شخص حق في التعليم. ويجب أن يوفر التعليم مجاناً، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليم الابتدائي إلزامياً. ويكون التعليم الفني والمهني متاحاً للعموم. ويكون التعليم العالي متاحاً للجميع تبعاً لكفاءتهم.
تعلق على ذلك غيثاء الأسعد، (مدربة دعم نفسي اجتماعي): “علينا أن ندرك أن أي فرد من ذوي الاحتياجات الخاصة يعتقد أنه أقل من الآخرين لذلك تكون ثقته بنفسه مهزوزة بعض الشيء، لذلك علينا أن نتعامل مع الموقف إنسانياً وأخلاقياً ونتعاون فيما بيننا كي نجعل حالات التنمر والسخرية ضئيلة ومعدومة، وبهذا نستطيع دمج ذوي الاحتياجات الخاصة بمجتمعاتهم وإظهار ما لديهم من مواهب وطاقات محبوسة ليقدموها لنا ولمجتمعاتهم ويمنحونا الفائدة والمعرفة”.
وتضيف الأسعد “علينا مخاطبة المجتمع من خلال وسائل الإعلام وعن طريق إطلاق حملات توعية وبرامج خاصة بتأهيل وتعليم الطفل الذي يعاني من إعاقة ما، وإيصال رسالة بأن المجتمع والمدرسة والبيت والشارع، يجب أن يكونوا حاضنين ورعاة للطفل كي يستطيع أن يكون فرداً منتجاً وفاعلاً على صعيده الشخصي وعلى صعيد أسرته ومجتمعه.”
بداية عام 2011 مع انطلاق الأحداث في سوريا توقفت شفاء عن متابعة دراستها ودفعتها الظروف لترك بلدتها داريا، لتلجأ إلى منطقة أخرى، وفي تلك الفترة استطاعت شفاء أن تشغل نفسها بقراءة الكتب بالإضافة لهوايات أخرى هي الكتابة حيث بدأت تكتب كل ما يجول في خاطرها، وكتبت عن أحلامها وطموحاتها، وسجلت الأحداث التي كانت تمر بها كل يوم، أيضاً عملت على تحسين لغتها الإنجليزية طوال الفترة التّي مكثت فيها في البيت.
لم تلبث طويلاً حتى انتقلت شفاء وأسرتها إلى منطقة بلودان الجبلية التي تقع في غربي ريف دمشق، وبدأ نمط جديد من الحياة تصفه شفاء بـ “الصعب أحياناً، والممتع أحياناً أخرى، والمتعب في كثير من الأحيان” وذلك لعدم قدرتها على التنقل بسهولة، إلا أن شفاء تغلّبت عليه بإرادتها وزادت ثقتها بنفسها يوماً بعد يوم ولم تكن تشعر يوماً أنَّها مختلفة عن غيرها.
لحظة تاريخية في حياة شفاء
سافرت شفاء مع أسرتها إلى لبنان، ولم تتمكن من العودة إلى سوريا بعد ذلك، وهنا بدأت حياة جديدة بالنسبة لشفاء، ففي أحد الأيام أُتيحت أمام شفاء فرصة مهمة كانت لحظة تاريخية في حياتها، عندما تم قبولها كمتطوعة للأمم المتّحدة شريطة أن تكون من ذوي الاحتياجات الخاصة (على كرسي متحرّك).
كانت مهمة شفاء إحصاء العائلات السورية التي دخلت إلى لبنان، وتسليمها بطاقات لاستلام مساعدات إغاثية، حيث استمرت في عملها حوالي عام لكن للأسف أُجبرت مرة أخرى على ترك المنزل الذي كانت تسكن فيه والتخلي عن عملها.
حضرت شفاء العديد من ورشات العمل في التمكين ودعم المرأة، والانتخابات وحقوق الإنسان والجندرة والحوكمة، وفي نهاية هذه الورشات حصلت على شهادة حضور من الجامعة الأميركيّة (جورج ميسن)، وكانت المفاجأة عند انتهاء الورشة، ترشيح شفاء من قبل الإدارة لتكون من رؤساء المراكز الأساسييّن، وحالياً تعمل في مركز تستقل في عينتاب كمساعدة لمديرة المركز.
تحضر شفاء نفسها للدخول إلى امتحان الشهادة الثانوية كما أنها عثرت على فرصة عمل تناسب وضعها وإعاقتها الجسدية.
“حسب المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة بموجب قرار للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948.
لكل شخص حق العمل، وحرية اختيار عمله، وفى شروط عمل عادلة ومرضية، وفى الحماية من البطالة”
حلم وردي لم تتمكن شفاء من تحقيقه
يبقى هناك حلم وردي اللون تتحدث به شفاء مع نفسها بصوت أشبه بالهمس “قد أستطيع يوماً أن أختار من يشاركني حياتي الخاصة، وأبوح له بكل الأسرار في قلبي ويجمعنا ما يتحدث عنه الآخرين ويسمونه الحب وربما تصبح لدي أسرة صغيرة”
تتساءل شفاء إذا كان لذوي الإعاقة الحق بأن يكون لديهم أسرة وتجيب نفسها قائلة “نعم فلديهم قلب سليم، ومن حقهم أخذ القرار واختيار الحياة التي يعيشونها، ومخطئ جداً من يقول إن الإعاقة تحرم صاحبها من تكوين أسرة واختيار شريك الحياة المناسب”.
وتتابع شفاء لنينار برس: “لا أحب أن أعيش معتمدة على أحد، ومن حقّي أن أعيش مستقلة عن الآخرين كما أريد، ومن حقي وحق كل شخص عاقل ألا يشعر أنه عبء على الآخرين، وإن حياته وتدبيره شؤونه وأموره تخصه وحده ولا تعتمد على أشخاص إذا أشغلتهم شؤون الحياة عن متابعتهم انهارت كل حياتهم وطموحاتهم هذا تفكير غير سليم، وإذا اقتربت من ذوي الاحتياجات الخاصة عرفت أنهم يمتلكون قلوباً رائعة ولهم الحق في تقرير المصير والاختيار والقرار طالما العقل سليم فلا شيء يعيق العيش في حياة يملؤها الحب”.
تغيرات ثورية على المستوى الدولي تجاه ذوي الإعاقة
وفي الأعوام الأخيرة، حدث تغيير ثوري على الصعيد العالمي، من أجل سد فجوة الحماية وضمان تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بنفس معايير المساواة والحقوق والكرامة التي يتمتع بها جميع الأشخاص الآخرين.
تم إعلان اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي اعتُمدت في عام 2006 ودخلت حيز النفاذ في عام 2008، والتي أطلقت إشارة إلى “تحول نموذجي” من النُهج التقليدية الموجهة للأعمال الخيرية القائمة على أساس طبي إلى نهج قائم على حقوق الإنسان.
وقالت مفوضة الأمم المتحدة السابقة لحقوق الإنسان، لويز أربور، “إن الاحتفاء بالتنوع وتمكين الفرد هما رسالتان أساسيتان في حقوق الإنسان، والاتفاقية تجسد هاتين الرسالتين وتنقلهما بوضوح وذلك بتوخي دور فعال تماماً في المجتمع للأشخاص ذوي الإعاقة.”
توفر اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة معايير كافية لحماية الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة على أساس الإدماج والمساواة وعدم التمييز، وتوضح الاتفاقية أن الأشخاص ذوي الإعاقة يحق لهم العيش المستقل في مجتمعاتهم المحلية وتحديد خياراتهم وأداء دور فعال في المجتمع.
وفي تركيا، بحسب مصادر رسميّة، هناك نحو 513 ألف من ذوي الاعاقة، وتعتمد الدولة مجموعة من الأنظمة والقوانين الخاصة لتحسين حياتهم ودمجهم في المجتمع، كما أن النقل مؤمّن مجاناً لهم، إضافة إلى فرص عمل من خلال وكالة توظيف حكومية، وقروض لأصحاب المشاريع، خصوصاً تلك التي تؤمّن فرص عمل جماعية لذوي الإعاقة، حيث زادت تركيا دعمها لميزانية الأشخاص ذوي الإعاقة من 1.5 مليار ليرة تركية (280 مليون دولار أميركي) بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة نهاية عام 2002، إلى 38 مليار ليرة تركية (7 مليارات و78 مليون دولار أميركي) العام الجاري.
تمّ إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان” بتمويل من برنامج عالم كندا Global Affaris Canada
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”