
صفعة دولية جديدة للنظام الإيراني
في خطوة تعكس تصاعد القلق الدولي إزاء سجلّ النظام الإيراني الأسود في مجال حقوق الإنسان، اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جلسته المنعقدة يوم الخميس 4 أبريل 2025 في جنيف، قراراً بتمديد ولاية المقرّر الخاص المعني بحقوق الإنسان في إيران، إلى جانب لجنة تقصّي الحقائق الدولية المستقلة، وذلك لمدة عام إضافي. وقد حاز القرار على تأييد 24 دولة مقابل معارضة 8 وامتناع 16 عن التصويت، رغم الحملة الدبلوماسية الواسعة التي شنّها نظام الملالي لإجهاضه.
هذا القرار، الذي وسّع نطاق تفويض لجنة تقصّي الحقائق ليشمل جميع الانتهاكات الجسيمة والمستمرة داخل إيران، أثار ردّ فعل غاضباً ومتشنّجاً من قبل النظام، عكس حجم الإرباك الذي سبّبته له هذه الخطوة الدولية. إذ لم تَعُد التحقيقات مقتصرة على وقائع بعينها، بل باتت تشمل المنظومة القمعية بأكملها، بما فيها المؤسسة القضائية والأمنية التي تشكّل أدوات القمع الأساسية.
منظمة العفو الدولية، في تعليقها على القرار، رأت فيه رسالة تحذيرية لا لبس فيها إلى قادة النظام الإيراني، من القضاة إلى المدّعين العامين ورجال الأمن والاستخبارات، مفادها أنهم لن يفلتوا من تبعات الجرائم والانتهاكات التي يقترفونها بحقّ الشعب الإيراني. وأكّدت المنظمة أنّ آلية التمديد هذه لا تقتصر على توثيق مرحلي، بل ترسّخ مساراً قائماً على جمع الأدلة وحفظها، تمهيداً لملاحقات قانونية مستقبلية.
إنّ تمديد هذه الولاية إنما يعكس إرادة المجتمع الدولي في مواجهة الإفلات من العقاب، ويمثّل خطوة جديدة نحو محاسبة مرتكبي الجرائم المنظمة ضد الإنسانية في إيران. وهو في الوقت ذاته تعبير عن رفض العالم للصمت حيال أحكام الإعدام الجماعية، والتمييز الصارخ بحقّ النساء والأقليات، وكبت الحريات العامة والخاصة.
القرار لم يكتفِ بالإدانة، بل طالب بشكل واضح النظام الإيراني بتمكين المقرر الخاص ولجنة تقصي الحقائق من دخول الأراضي الإيرانية دون قيود، بما يشمل حرية التنقل والاطلاع على الأوضاع من دون حواجز. وهو ما يشكّل اختباراً جديداً لمدى استعداد هذا النظام للتجاوب مع المعايير الدولية.
من الجدير بالذكر أنّ لجنة تقصّي الحقائق كانت قد شُكّلت في العام 2022 على خلفية القمع الوحشي للاحتجاجات الشعبية، وقد دعت المقاومة الإيرانية آنذاك إلى توسيع نطاق مهام اللجنة لتشمل مجمل الانتهاكات التي ترتكبها الأجهزة القمعية للنظام. وقد لبّى القرار الأخير هذه الدعوة، فاتحاً المجال أمام رصد ممنهج وشامل للانتهاكات، وحفظ الأدلة التي قد تُستخدم في مسارات عدلية مستقبلية، سواء على الصعيد الدولي أو في مرحلة ما بعد سقوط النظام.
وخلال الجلسة، عبّر عدد من ممثلي الدول عن دعمهم الحازم للقرار. فقد صرّح ممثل آيسلندا، باسم مجموعة من الدول الأوروبية، بأنّ “الوضع الحقوقي في إيران يشهد تدهوراً خطيراً، مع تنفيذ أكثر من 900 حكم إعدام خلال عام واحد، ما يدلّ على عمق المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب الإيراني”. كما شدّد ممثل إسبانيا، باسم الاتحاد الأوروبي، على ضرورة أن “يتوقف النظام الإيراني عن سياسة أخذ الرهائن، وأن يضمن الحقوق الأساسية لكل المواطنين دون تمييز”.
وفي مقابل هذا الموقف الدولي المتقدّم، ظهر النظام الإيراني كمن هو في عزلة خانقة. فقد زعم ممثله في الجلسة أن القرار لا يمتّ إلى الواقع بصلة، وأن الآلية المستحدثة لا تتماشى مع ما وصفه بـ”الوضع الحقيقي” لحقوق الإنسان في إيران، متجاهلاً حقيقة أنه النظام الأكثر تنفيذاً لحكم الإعدام في العالم، وأنه خضع لأكثر من سبعين إدانة دولية خلال السنوات الأخيرة.
أما وزارة الخارجية للنظام، فقد أصدرت بياناً مرتبكاً وصفت فيه القرار بأنه “عديم القيمة القانونية”، ودعت الدول “الصديقة” إلى معارضته. لكن هذه المناورات السياسية لم تفلح، وانتهت الجلسة بتوجيه صفعة جديدة لنظام دأب على قمع شعبه خلف ستار “السيادة”، متناسياً أن الحقوق الإنسانية لا تخضع لمساومات ولا تُمحى تحت ركام الأكاذيب الرسمية.
إنّ هذا القرار، وما سبقه من قرارات مشابهة، يؤكد أن المجتمع الدولي لم يعُد يتسامح مع انتهاكات ممنهجة ترتكب باسم الدين أو بحجّة الأمن القومي. وإنّ الأصوات التي ارتفعت في جنيف هذا الأسبوع، إنما تعبّر عن ضمير إنساني عالمي بات يرى في نظام الملالي خطراً ليس فقط على شعبه، بل على الاستقرار الإقليمي والعدالة الدولية.
http://probox-club.ru/forums/index.php?autocom=gallery&req=si&img=5951