fbpx

سوريا الجديدة: تحديات أمنية وانتهاكات حقوق الإنسان في حمص

0 28

في ظل التحولات العميقة التي تعيشها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، تواجه الحكومة الانتقالية تحديات أمنية معقدة، تتراوح بين فرض القانون وملاحقة المتورطين في الجرائم، وبين ضمان احترام حقوق الإنسان وتجنب إعادة إنتاج ممارسات القمع والانتهاكات. وبينما تسعى السلطات لضبط الأمن في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السابق، توثق التقارير الحقوقية تجاوزات مقلقة، تثير تساؤلات حول مدى التزام الأجهزة الأمنية بالمعايير الدولية.

أحدث هذه التقارير صدر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والذي وثّق انتهاكات شملت التعذيب وإهانة الكرامة الإنسانية والرموز الدينية، خلال حملة أمنية في محافظة حمص. التقرير، الذي يستند إلى شهادات ميدانية وتحقيقات موثقة، يضع الحكومة الانتقالية أمام اختبار حقيقي:

كيف يمكن تحقيق العدالة دون الانزلاق إلى انتهاكات جديدة؟

حملة أمنية واسعة… وانتهاكات مقلقة:

في 21 كانون الثاني/يناير 2025، نفذت قوات الأمن العام، بالتنسيق مع إدارة العمليات العسكرية التابعة للحكومة الانتقالية، حملة أمنية استهدفت مطلوبين متهمين بارتكاب جرائم وانتهاكات خلال حكم النظام السابق. شملت الحملة عدة بلدات في ريف حمص، أبرزها: مريمين، فاحل، مجيدل، بلقسة، جبورين، كفرنان، الزعفرانة.

جاءت هذه العمليات ضمن خطة أوسع لنزع السلاح غير الشرعي وملاحقة الأفراد الرافضين للتسوية التي أعلنتها السلطات الانتقالية عقب سقوط النظام في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024. ومع ذلك، كشف تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن تجاوزات خطيرة رافقت الحملة، بما في ذلك عمليات تعذيب، وإهانات طائفية، وتخريب ممتلكات.

انتهاكات موثقة: شهادات من الميدان:

1. بلدة مريمين: ضرب وتعذيب…وتمزيق رموز دينية:

في 23 كانون الثاني/يناير 2025، اقتحمت قوات الأمن البلدة، ونفذت مداهمات واسعة بحثاً عن مطلوبين. وخلال العملية، وثّقت الشبكة: تخريب ممتلكات مدنية، ضرب وتعذيب بعض المدنيين، بينهم مسنون، باستخدام الكابلات الكهربائية، كذلك تمزيق صور لرموز دينية خاصة بالطائفة المرشدية، بالإضافة إلى إطلاق نار كثيف أدى إلى حالة ذعر بين الأهالي.

خلال العملية تم اعتقال 31 شخصاً، وأُفرج عنهم لاحقاً بحلول 30 كانون الثاني/يناير، إلا أن بعض الأهالي أفادوا بأن مجموعة عسكرية غير رسمية دخلت البلدة بعد انتهاء العملية، وارتكبت انتهاكات إضافية.

وعلى إثر ذلك، شهدت المنطقة احتجاجات واسعة دفعت السلطات لإرسال وفد رسمي بهدف احتواء الغضب الشعبي.

2. بلدة فاحل: اشتباكات دموية:

في اليوم نفسه، شهدت بلدة فاحل مواجهات مسلحة عنيفة بين قوات الأمن ومسلحين كانوا ينتمون إلى ميليشيا الدفاع الوطني وقوات النظام السابق، وأسفرت عن:

مقتل 15 مسلحاً، بينهم ضباط سابقون.

احتجاز 7 أشخاص (تم الإفراج عنهم لاحقاً).

إغلاق مداخل البلدة وتطويقها بالكامل.

ورغم أن معظم القتلى سقطوا خلال الاشتباكات، تواصل الشبكة الحقوقية تحقيقاتها وسط مخاوف من حصول عمليات إعدام ميدانية بحق بعض المطلوبين.

3. قرية مجيدل: استهداف مزار ديني:

في حادثة خطيرة أثارت قلقاً واسعاً، تعرض مزار ديني للطائفة العلوية في قرية مجيدل لحريق متعمد، ما أدى إلى أضرار مادية متوسطة. وحتى الآن، لم تُحدد الجهة المسؤولة، لكن الحادثة جاءت بعد حملة أمنية شهدت توترات طائفية، مما يثير مخاوف من محاولات إشعال فتيل الصراع الطائفي مجدداً.

بين فرض الأمن واحترام حقوق الإنسان:

أمام هذه الانتهاكات، دعا تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى تصحيح المسار الأمني وضمان عدم تكرار أخطاء الماضي. وجاءت أبرز التوصيات كما يلي:

1. تعزيز الرقابة والمحاسبة:

من خلال تشكيل لجان تحقيق مستقلة لمتابعة أداء الأجهزة الأمنية، ومحاسبة العناصر المتورطة في الانتهاكات علناً لتعزيز الثقة.

2. احترام الرموز الدينية وحقوق الأقليات:

توجيه القوات الأمنية بعدم المساس بالمقدسات والرموز الدينية.

التحقيق الفوري في أي اعتداء طائفي ومعاقبة المسؤولين عنه.

3. تحسين التواصل مع الأهالي:

إصدار بيانات رسمية توضح أهداف العمليات الأمنية لتجنب التوترات.

تنظيم لقاءات دورية مع وجهاء القرى والطوائف المختلفة.

4. ضبط استخدام القوة ومنع التعذيب:

تدريب القوات الأمنية على احترام حقوق الإنسان.

التأكد من أن الاعتقالات تستند إلى أدلة واضحة ومذكرات قضائية.

5. التصدي لحملات التضليل الإعلامي:

إنشاء منصات رسمية لنشر المعلومات الصحيحة وتفنيد الشائعات.

تعزيز التعاون مع الإعلام المستقل والناشطين المحليين لضمان تغطية محايدة.

6. دعم جهود المصالحة وإعادة الإعمار:

إطلاق مشاريع تنموية لإعادة تأهيل المناطق المتضررة.

تسهيل وتسريع إجراءات التسوية للمطلوبين غير المتورطين في جرائم كبرى.

7. منع الانزلاق إلى صراعات جديدة:

اتخاذ إجراءات صارمة لمنع تحول الحملة الأمنية إلى صراع طائفي.

التركيز على الأمن الوقائي بدل الاعتماد على الحلول العسكرية وحدها.

مفترق طرق في المرحلة الانتقالية:

تقف سوريا اليوم على مفترق طرق بين بناء دولة تحترم حقوق الإنسان، أو إعادة إنتاج الأنماط القمعية التي أسقطها الشعب بثمن باهظ. إن نجاح الحكومة الانتقالية في ضبط الأمن دون انتهاك الحقوق سيكون حجر الأساس لمستقبل سوريا الجديدة.

ولذلك، فإن الالتزام بالمحاسبة، والشفافية، واحترام الكرامة الإنسانية، ليس مجرد مطلب حقوقي، بل ضرورة استراتيجية لضمان عدم عودة الفوضى والصراع من جديد.

فهل تتجه سوريا نحو العدالة، أم تقع في فخ الانتقام؟ الأيام القادمة ستحدد الإجابة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني