fbpx

رغيف الخبز آخر الخطوط الحمراء في شمال شرق سوريا

0 240

رغيف الخبز الذي أعلن مسؤولو الحكومة مراراً أنه خط أحمر على مدى سنوات الصراع السوري، وأنه سيبقى بعيداً عما يدور، كونه يشكل المادة الغذائية الأساسية والرئيسة لعامة الشعب. ولكنه أصبح حلماً، وأصبح الحصول عليه إنجازاً في المناطق كافة، حتى في أرضه ومنبته في مناطق شمال شرق سوريا، والتي تعتبر مصدر قمحه الأول. 

فمع بدء الأزمة السورية، وتحولها لساحة صراع للقوى والأطراف كافة، تم تدمير البنية التحتية والخدمية لمعظم البلاد، وقطع الطرقات، وعزل المحافظات والمدن والبلدات عن بعضها، وزادت صعوبة تأمين المواد الأساسية. 

بات الحصول على رغيف الخبز مهمة شاقة تتطلب الوقوف ساعات في طوابير أمام منافذ البيع في الأفران العامة، وغالباً ما كان يتعرض الواقفون للإهانة والضرب بالعصي من قبل رجال الأمن الذين كانوا يشرفون على عمليات البيع وتنظيم الأهالي، بالرغم من اتفاقهم مع بعض الباعة، وتسهيل حصولهم على كميات من الخبز، لقاء مبالغ مالية، ليتم بيعها خارج الأفران بأسعار مرتفعة، يشتريها من لديه القدرة الشرائية دون أن ينتظر ساعات للحصول عليه من منافذ البيع في طوابير الذل والمهانة. 

وكان المحظوظ من الأهالي من يستطيع الحصول على ورقة موقعة من مدير المنطقة تسمح له بالحصول على ربطة أو أكثر من الخبز يومياً دون صعوبات ودون التعرض له.

أزمة استمرت سنوات عدة عانى منها أبناء المنطقة. إلى أن تم القضاء على تنظيم داعش وعودة الاستقرار نسبياً إلى المنطقة وتمت إعادة تشغيل الأفران ومنح تراخيص لفتح أفران خاصة لسد النقص الحاصل لكن رغم ذلك لا تزال هناك مشكلات عدة.

تزايد عدد السكان ضغط مضاعف:

فمع تعرض المحافظات السورية كافة للقصف والتدمير والقتل الممنهج، المترافق مع الغزو الداعشي لمناطق شمال شرق سوريا، وبعد القضاء عليه وعودة الاستقرار للمنطقة التي أصبحت ملاذاً آمناً للنازحين، سواء من المحافظات السورية كافة، أو من القرى والبلدات المجاورة، أو من العراق الذين تم إنشاء مخيمات خاصة لاستقبالهم قادمين من الموصل وشنكال. 

شكل الأمر زيادة ملحوظة في عدد السكان، ما يستوجب زيادة في إنتاج كميات الخبز اليومية بشكل مضاعف. وبحسب تصريح مدير فرع المخابز في الحسكة (محمد بشير عمر) فإن المخابز الآلية في المحافظة تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية والتي تجاوزت 140% وذلك لتغطية الاحتياجات اليومية للزيادة السكانية، والتي بلغت نحو 250 ألف عائلة حيث تحتاج المحافظة إلى حوالي 600 طن من الطحين يتم تأمين 400 منها من المحافظة والباقي كان يتم تأمينه من حلب.

الأمر الذي أدى إلى توقف توريده بسبب قطع الطرقات، إضافة لعدم توفر الكهرباء والمازوت لتشغيل الأفران بالشكل المطلوب وقد بلغ الإنتاج مؤخراً حوالي 83015,6 حيث جاء مخبز البعث في القامشلي أولا بنسبة تنفيذ 186% تلاها مخبز تل تمر بنسبة تنفيذ بلغت 179% ثم مخبز الباسل في الحسكة بنسبة 173% يليها مخبز عامودا بنسبة 172% ومخبز تشرين بنسبة 161% ثم مخبز الحسكة الأول بنسبة 154% يليها مخبز الدرباسية بنسبة 152% ومخبز آذار بالحسكة بنسبة 140% ومخبز الشدادي بنسبة 138% وتل براك بنسبة 122% وأخيراً مخبز رأس العين بنسبة 89% نتيجة توقف العمل فيه مؤخراً بعد سيطرة الفصائل المسلحة عليه. حيث تضم المنطقة حوالي 15 مخبزاً بـ 24 خط إنتاج يعمل على ورديتين صباحية ومسائية بطاقة إنتاجية تقدر بـ 225 طن للخط الواحد يومياً. كما يوجد ما يقارب 250 مخبزاً خاصاً 80 منها في مدينة القامشلي.

سوء نوعية الخبز ومواصفاته

رغم عمل هذه المخابز بكل طاقتها لتأمين مادة الخبز لأهالي المنطقة والنازحين إليها، ومحاولة توفيرها، إلا أن نوعية الخبز ومواصفاته سيئة، فالطحين المستخدم في الأفران الحكومية يحتوي على نسبة عالية من النخالة والشوائب تصل نسبتها إلى 60% فقد كانت مطحنة مانوك في حي الوسطى بالقامشلي تفرز حوالي 70% من مادة النخالة وتعزلها عن الطحين أما الآن فلا تصل نسبة الفرز إلى 7% أما الخبز المصنوع من الطحين الصافي النظيف المستخدم في المخابز الخاصة فتبلغ أسعاره ثلاث أضعاف الخبز العادي.

(أم جوان 39 عاماً) أم لثلاثة أطفال تحدثت لنينار برس: “نحن أسرة مؤلفة من خمسة أشخاص نحتاج يوميا إلى ربطتين من الخبز باعتبارها مادة أساسية لنا لا تستطيع الاستغناء عنها”

وتابعت “الوضع كان أفضل بكثير من السنوات السابقة من حيث توفر الخبز، لكنه سيء الصنع وفيه نسبة كبيرة من الشوائب ويتلف بمجرد خروجه من الكيس لدقائق ما يتسبب بهدر كميات منه، كما أن الخبز السميك في الأفران الحجرية يصنع يدوياً دون ارتداء الكفوف لعدم وجود الرقابة لهذا لا أحب شراءه، ولا أستطيع شراء الخبز السياحي المدعوم لغلاء سعره”.

وتتابع “لكن عادت أزمة الخبز مرة أخرى هذه الأيام والكل يلقي باللائمة على الآخر وبات تأمين رغيف الخبز مهمة يومية شاقة جداً”

ارتفاع الأسعار لم يرحم رغيف الخبز

الارتفاع المتواصل لأسعار المواد والحاجات الأساسية واليومية، لم يستثن رغيف الخبز، رغم وعود الحكومة بأنه خط أحمر. فقد بلغ سعر ربطة الخبز من منافذ البيع في الأفران 200 ل.س ويباع بسعر أعلى خارجها. أما الخبز السياحي المدعوم فيصل سعر الربطة لأكثر من 600 ل.س. ويصل سعر رغيف الخبز السميك الذي تشتهر به المنطقة إلى 100ل.س هذا قبل الأزمة الحالية حيث تباع ربطة الخبز ذي السبع أرغفة بـ 700ل.س وسعر للرغيف الواحد من الأفران الحجرية (الخبز السميك) 200 ل.س ووصل سعر الخبز السياحي إلى 1000 ل.س

(أحمد علي أب لأربعة أطفال) “نحتاج في اليوم الواحد لربطتين من الخبز. فإن اشتريت الخبز العادي أحتاج يومياً إلى 1000 ل.س وهو غير مستساغ وسريع التلف وكثير الهدر. وإن اشتريت الخبز السياحي أحتاج 2000 ل.س يومياً. والخبز السميك لا يقل سعره عن 1400 ل.س. وفي جميع الأحوال سعر الخبز كمادة أساسية يومية عال جداً وتعجز الكثير من العائلات عن تأمينه بالشكل المطلوب”

ويعزو أصحاب الأفران الخاصة ارتفاع أسعار الخبز السياحي إلى زيادة نفقات الإنتاج من تأمين الطحين النظيف، وخلطة بمواد إضافية ليبقى طرياً، وصعوبة تأمين المازوت بأسعار، بالإضافة لأعمال الصيانة، وأجرة اليد العاملة، وغيرها من النفقات. فكل ذلك يتم إضافته لسعر ربطة الخبز وتعود سبب أزمة الخبز الحالية إلى رفع الإدارة الذاتية الدعم عن مادة الطحين. حيث كانت توفرها للمخابز بسعر 11000 ل.س وطلبت منهم شراءه من الأسواق حيث فارق السعر كبير جداً يصل إلى 33 ألف ل.س ما دفع أصحاب الأفران إلى الإضراب وإغلاق الأفران. وقد أعلنت الإدارة عن البدء بإصلاحات لتحسين نوعية الخبز ودعم المخابز الحكومية لكن حتى الآن لا توجد بوادر جدية لذلك.

وتبقى أزمة الخبز والمعاناة من إرتفاع أسعاره، ودرجة جودته من أهم المشكلات التي تواجه الأهالي وأبناء حقول القمح.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني