fbpx

ربيع تركي – أمريكي… سيعقبه صيف ساخن في سوريا

0 5٬361

كان الضباب الاستراتيجي الذي لَفّ السياسات التركية، بحاجة لسطوع شمس كي تُبدّده.

هل نجح بوتين في إحداث صدع جيوسياسي ضمن غريمه حلف الناتو واستطاع اختطاف تركيا منه كأحد الركائز الإستراتيجية فيه بعد كُلّ المغريات التي قَدّمها لاستمالتها الى جانبه؟ أم أنّ المناعة التركية الأطلسية قادرة على مقاومة كل الفيروسات الروسية وبالتالي إنّ زمرة الدم التركية أو الـ DNA ستبقى غربية أطلسية؟.

كان الغزو الروسي لأوكرانيا منذ أكثر من عامين هو العامل الهام أو الحاسم الذي فَرض على تركيا تحديد خياراتها هل هي أوراسية أم أطلسية، وهل هي دولة فعالة بالنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وتسعى للتموضع فيه، أم أنها من أنصار هدمه كما كان يسعى بوتين (وربما الصين أيضاً).

في اليوم الأول للغزو كان الموقف التركي واضحاً وصريحاً ولم يحتاج للوقت للتفكير وحسم الخيارات (حيث تبقى الخلافات في البيت الأطلسي تكتيكية).

تَبدّد الضباب الاستراتيجي التركي وبدأ الدفء يعتري مسار العلاقة بين واشنطن وأنقرة.

وخلال عامي 2022 و2023 تَمّت تسوية معظم الملفات الخلافية بين واشنطن وأنقرة وتم تتويجها بالموافقة التركية على عضوية السويد وفنلندا في حلف الناتو وتذليل العقبات في الكونغرس والإدارة الأمريكية أمام ملفات تزويد الجيش التركي بالأسلحة التي يحتاجها، وأنجزت تركيا تصفير مشاكلها مع دول عربية مهمة تدور في الفلك الأمريكي، ولم تسر مع موسكو كما كانت تتمنى الأخيرة في كسر الجليد مع نظام الأسد.

حتى إنّ الموقف التركي من حرب غزة كان يحظى على الرضى الأمريكي ولم تُؤثّر علاقة أنقرة بحركة حماس الجيدة في أخذ تركيا لمواقف لا ترغب بها الولايات المتحدة، وقد يكون لتركيا إسهام في ترتيبات اليوم التالي في غزة تنسجم مع الرؤى الأمريكية والأوربية والعربية.

لاشَكّ أنّ الحرب في أوكرانيا والحرب في غزة (وهما حدثان غير مُتوقعان ويُمكن أن يُطلق على كل منهما بجعة سوداء) سيلقيان بظلالهما على العالم وما يهمنا هو تداعيات تلك الأحداث الكبرى على سوريا.

حيث كما هو واضح وثابت فقد أصبحت كل التفاهمات الأمريكية – الروسية حول سوريا من الماضي وانتقل التفويض الأمريكي للروس بالملف السوري إلى صراع صفري بارد، ولابُدّ للولايات المتحدة من التفكير بشريك قوي على الأرض تُفوّضه ويَحلّ مكان الشريك الروسي اللدود، بحيث يكون وسيط القوة الجديد.

وكان واضحاً في العامين الأخيرين عدم رضى واشنطن عن أداء ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية في المناطق التي تُسيطر عليها.

وبالطبع يعلم الجميع أنّ سياسات مكافحة الإرهاب قد هبطت إلى الدرجة السادسة أو السابعة في سُلّم الأولويات الأمريكية دولياً وفي سوريا أيضاً.

لم تعط واشنطن وعوداً لقسد بأكثر من كون الذي يربطهما علاقة تعاقد مُحدّدة لأجل محاربة تنظيم داعش، وقد مَرّ 10 سنوات على إنشاء التحالف الدولي وانتهت داعش، وقد يكون حان الوقت لإنهاء هذا التحالف الدولي حيث تحتاج مناطق ساخنة أخرى لتحالفات مثله كما حدث مؤخرا ضمن تحالف حارس الازدهار في البحر الأحمر لتأمين الملاحة الدولية والحرب على تنظيم الحوثي الإرهابي، بل إنّ ما يساعد على ظهورها مرة أخرى هو ممارسات قسد والميليشيات الإيرانية بحق سكان المنطقة من السنة.

بمعنى أنّ قسد ليست حليفاً للولايات المتحدة بل كانت شريكاً محلياً على الأرض لفترة لابد أن تنتهي يوماً ما.

ولم يُخفِ المسؤولون الأمريكان سعيهم لإنجاح خطة بإنشاء جبهة معارضة قوية في الشمال السوري تَضمّ جناحي الفرات الغربي والشرقي تكون نِداً قوياً للنظام بأي حل سياسي قادم، وبالطبع تعلم واشنطن أنّ العقبة الرئيسية أمام ذلك المسعى هو احتكار الـ PKK (التركي والسوري) للسلطة والثروة في المنطقة وبالتالي فإنّ إزاحة تلك العصابة القنديلية المُتسلطة سيخلق حالة جديدة وواقعاً مختلفاً يرضى عنه الأتراك والأكراد والعرب، وهو ما يبدو أن العمل جار عليه في سوريا والعراق.

الصيف الساخن الذي وعد به الرئيس التركي في سوريا والعراق، يبدو أنه أصبح واضحاً أكثر في العراق، وقد نَضجت الظروف الموضوعية السياسية لاستكمال عملية (المخلب، القفل) في شمال العراق بحيث تُحقّق حزاماً أمنياً تركياً بعمق 40 كم داخل الأراضي العراقية يشمل كامل الحدود العراقية التركية (378 كم) بمشاركة من بيشمركة أربيل وتغطية سياسية من الحكومة الاتحادية في بغداد، تَمتدّ تلك العملية إلى جبال سنجار المحاذية لمحافظة الحسكة على الحدود السورية حيث تتواجد بقوة ميليشيات لحزب الـ PKK تحت مسميات مختلفة وهي ضمن ما يسمى ميليشيا الحشد الشعبي والذي ينضوي رسمياً تحت سلطة الحكومة العراقية وسيشارك بعملية استئصال الحزب الإرهابي ضمن صفقة كبرى مدعومة من الولايات المتحدة وتحظى برضى طهران عبر موافقة حكومة بغداد عليها ضمن ما يسمى بالأمن مقابل المياه والتنمية والتجارة مع الحكومة التركية.

لا نعرف ما سيجري لاحقاً شرق الفرات في سوريا لكن التواصل الجغرافي بين جبال قنديل وقسد سيصبح من الماضي وبالتالي سَيتمّ إضعاف قسد عسكرياً بحرمانها من كواردرها الفعالة وشريان حياتها واتفاق خصوم الأمس عليها.

أما من ناحية عملية عسكرية تركية فقد يبدو الوصل الجغرافي بين تل أبيض وجرابلس وتفعيل عملية نبع السلام يبقى الأكثر ترجيحاً، وذلك بسبب الأهمية الاستراتيجية لطرد قسد من ذلك الشريط وإغلاق هذه الفتحة على الحدود، بينما مناطق شرق رأس العين تبدو أكثر تعقيداً وبحاجة لظروف وترتيبات أخرى.

صيف ساخن في إدلب

كانت تُدرك قيادة هيئة تحرير الشام أنها ستكون ضحية مع قسد لأيّ تفاهمات أمريكية – تركية حيث كان كِلا التنظيمان ورقة بيد الدولتان ويتغذيان على الخلافات بينهما، وقد يكونان أدركا (وهذا قد يبدو بديهياً) أنهما سيكونان مُقدمة لتسوية الخلافات بينهما في سوريا والتعاون في بناء سياسة تخدم مصالح واشنطن وأنقرة وفق التفويض الأمريكي لتركيا في الملف السوري.

وإزاء عدم تَمكّن الهيئة من اختراق خطوط الهدنة الهشة مع قوات النظام في مناطق سيطرتها لأنّ تلك الخطوط عبارة عن تفاهمات كبرى بين ثلاثي أستانة ولا قبل للهيئة بتخطيها أو مواجهة تداعياتها إن فعلت ذلك.

كان الحل في التمدّد شرقاً باتجاه مناطق سيطرة الجيش الوطني فعملت على إذكاء الخلافات وإحداث الشروخ بين الفصائل المسيطرة واستغلال أيّ حدث طارئ، وذلك لتأمين تواصل جغرافي مع قوات قسد يتيح خلط للأوراق وزيادة الموارد المالية عبر السيطرة على معابر المحروقات وخطوط التهريب، والأخطر من ذلك هو الإمساك الكامل بورقة الثورة السورية على الأرض كما يحلو لنا تسميتها، أو الإمساك بقرار الأغلبية العربية السنية في سوريا كما يراه الآخرون وتلك كارثة كبرى لو حصلت حيث سيكون الشمال السوري بيد تنظيم مُصنّف على لوائح الإرهاب الدولي وبالتالي سَيتمّ تكرار ما حصل لسنة العراق عندما تم استبعادهم عن العملية السياسية بل أصبحوا هنوداً حمراً في بلادهم.

فشلت غزوة الهيئة واضطرت للانكفاء إلى إدلب وتركت أذرع لها تحت مُسمّيات شتى لاستثمارها عندما تحين الفرصة، وتجري الآن عملية تفكيك واحتواء تلك البؤر من قبل الجيش الوطني.

يرى بعضهم أنّ الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة والتي انطلقت في الاول من شهر آذار، مع الارتباك والتشظّي في البنى الصلبة للهيئة وسقوط هيبتها والهتاف علناً في الساحات بسقوط رمزها، هو تكامل للظروف الذاتية والموضوعية لتداعيات السقوط والذي قد يكون أسرع من المُتوقّع، خاصةً أنّ الأسباب الخارجية لذلك التغيير موجودة بقوة وهو استفادة العامل التركي (القوي والفعّال) من هذا التغيير حيث تتمّ المقايضة مع السيطرة القنديلية شرق الفرات.

لاشكّ أنّ تركيا والولايات المتحدة ستكونان المستفيدتان من سحب ورقة مهمة من الروس والإيرانيين لتبرير تواجدها العسكري في سوريا بحجة محاربة الإرهاب.

على المسرح السوري تَمّت كتابة السيناريو والذي ينتظر بعض اللمسات الأخيرة، واتفق المنتج مع المخرج وجاري تنفيذ الديكورات الخاصة بالعرض ولم يتبقَ إلا رفع الستارة عن هذا العرض الصيفي الساخن.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني