دمشق من القطار الكهربائي إلى ماراثونات ومعارك للحصول على مقعد في باصات دمشق
في عام 1904 أنشئ أول خط في دمشق للحافلات الكهربائية، وكان يهدف إلى تسهيل حركة الانتقال بين شوارع دمشق ثم تمت توسعة المشروع عام 1935 وإنشاء 5 محطات أخرى لربط الشام بريفها وكانت جميعها تنطلق من ساحة المرجة، وفي عام 1962 قررت الحكومة السورية إلغاء تلك الخطوط بحجة مزاحمة الحافلات الكهربائية للسيارات وبمشاكل الصيانة التي تعاني منها الشركة ولكن الحقيقة أن الإلغاء جاء نتيجة مطامع شركات النفط ورغبتها في زيادة أرباحها وكان الترام الدمشقي هو الثالث عربياً بعد المصري والجزائري، أما بالنسبة للقطارات فقد
أنشأت أول محطة قطار ومدت خطوط السكك الحديدية في نهاية القرن التاسع عشر وقد ربطت مختلف المحافظات السورية مع بعضها من حلب شمالاً حتى درعا جنوباً بالإضافة إلى أنها شملت لبنان وفي عام 1900 م أنشئ الخط الحديدي دمشق الحجاز الذي ربط دمشق بالحجاز مروراً من العاصمة الأردنية عمان، بالإضافة إلى خط درعا – حيفا وحلب – إسطنبول.
ومن ثم بدأت الباصات بالتدفق إلى دمشق فبدأت بباصات كبيرة يطلق عليها اسم (الهوب هوب) نظراً لرداءتها حيث أنها تهتز طول الطريق بالإضافة إلى أنها كانت تتكدس بالركّاب لدرجة تستطيع أن ترى أناساً متشبثين بالأبواب من الخارج، ومن ثم بدأت الباصات الصغيرة والتي تسمى (بالميكرو) بالانتشار بشكل كبير والجميل أنها كانت تغطي جميع المناطق في العاصمة وتخفف الازدحام كثيراً بالإضافة لكون كل باص مختص لمنطقة واحدة فقط مما يخفف الضغط.
في بداية العام 2010 صدر قرار بمنع دخول الميكروباصات إلى داخل العاصمة بحجة أن أسماء الأسد ترى أن وجودها مظهراً غير حضاري واستبدلتها بباصات كبيرة الحجم كتلك الموجودة في لندن على حد قولها، لكن السبب الحقيقي أن شركات النقل كـ هرشو وعتيق وغيرها تابعة بالحقيقة لأفراد من عائلتها، وبتلك الحالة زادت الضغوطات داخل المدينة على الباصات وعدنا من جديد إلى نقطة الصفر.
الحرب زادت وضع المواصلات سوءاً
مع بدء الحرب زاد الأمر تعقيداً، تدفق الملايين من نازحي الداخل وخروج عدد كبير من الباصات عن الخدمة بالإضافة إلى توقف حركة القطارات نهائياً بسبب المعارك المستمرة في أماكن مرورها، أما عن باصات السيدة أسماء فاستخدمت أغلبها في نقل عناصر الجيش أو الميليشيات وفيما بعد كان لها الدور الكبير في نقل عناصر المعارضة بعد عقد المصالحات أي خرجت تماماً عن مهمتها في نقل المواطنين، أما سيارات الأجرة فحدث ولا حرج فبعد أن كانت تخضع لرقابة وقوانين صارمة للأجرة واشتراط وجود عداد لحساب الأجرة تبعاً للمسافة المقطوعة، كل تلك الأمور اختفت ووضع المواطنين تحت رحمة السائقين وطمعهم بل اختفى السائقون بمعظمهم، ففي بداية الحرب تكونت عصابات مهمتها سرقة السيارات، عن طريق تهديد السائق بالقتل في حال لم يترك سيارته ويرحل أو اختطافه هو وسيارته وطلب فدية من ذويه ومن يقوم بتلك الأعمال كان إما من عناصر الدفاع الوطني أو عناصر الأمن، وقد أخبرنا باسل وهو سائق سيارة أجرة أنه أقلّ 4 أفراد من الفرقة الرابعة وقاموا بتهديده بالقتل وأجبروه على ترك سيارته، وعندما تقدم بشكوى ضدهم هددوه بالقتل إذا لم يكف البحث عن سيارته التي أصبحت ملكية للفروع الأمنية.
ومع بداية سريان قانون قيصر والشح في المشتقات النفطية تأزمت مشكلة النقل والمواصلات إذ أصبح من الطبيعي أن تشاهد مئات البشر على جوانب الطرقات في ساعات الذروة يتراكضون وراء الباصات والميكروباصات، ومن المشاهد المؤلمة مشهد ضرب أحد عناصر جيش النظام لمواطن ركب في المقعد الخالي في الباص كون هذا المقعد محجوز له وعند تدخل زوجة الرجل وتوسلها للعسكري كون زوجها مريض كلية ولا يحتمل الضرب قام بضربها هي الأخرى.
ولم يفلح أي من الموجودين في إيقافه، أما مريم الطالبة الجامعية فتضطر للخروج قبل دوامها بساعتين لكي تصل إلى جامعتها، وتنتظر ساعتين يومياً لتستطيع الرجوع لمنزلها، وقد لفتني مشهد غريب من أم تحت جسر الرئيس قامت بإدخال ابنها ذو الثلاث السنوات من نافذة الباص كي يحجز لها مقعداً وتتحجج به للصعود.
أساليب غريبة وكثيرة يلجأ إليها المواطنون ليستطيعوا أن يؤمنوا وسيلة للعودة في ظل فشل حكومي ذريع في حل ولو مشكلة أو أزمة صغيرة أو كبيرة يتعرض لها المواطنون ويبقى كل شي مباح في ظل وجود حكومة اسمية فقط تزيد من مشاكل المواطنين بدل من أن تحلها.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”