دمشق تواجه البرد بلا كهرباء ولا وقود تدفئة ليلها دامس وبردها قارص
كان يا ما كان في هذا البلد الصغير المتوسطي المناخ، العديد من الحقول النفطية التي تؤمن حاجة البلاد من المشتقات النفطية محققة اكتفاءً ذاتياً لها بل وتساعد جاراتها من الأقطار العربية في تأمين بعض احتياجاتها من المشتقات النفطية بل وحتى من الكهرباء والماء، وبسبب المناخ المتوسطي الجميل الذي تتمتع به هذه الدولة الجميلة لم يكن شتاؤها قاسياً إذ كانت الأشهر الباردة لا تتجاوز أربعة أشهر مع برودة معقولة ورغم ذلك كان مازوت التدفئة متوفر وبكثرة وبأسعار رخيصة إذ كان سعر اللتر الواحد 5 ليرات وكان جميع المواطنين السوريين يستعملونه بشكل أساسي ولم تكن المدافىء تنطفئ أبداً في الشتاء.
ويعتقد الجميع أن الحرب المشتعلة في سوريا أثرت بشكل كبير على الواقع النفطي وهذا صحيح لكنه بالتأكيد ليس السبب الوحيد فسيطرة قسد ومن خلفها أمريكا ساهم بشكل كبير بنقص كمية النفط الواردة إلى مناطق النظام وأدى إلى شح ونقص في الكثير من المشتقات النفطية، لكن إذا عدنا بالذاكرة إلى فترة ما قبل الحرب وجدنا أن العائلة الحاكمة في سوريا قد استحوذت بشكل كلي على قطاع النفط ولم يكن هناك أي إعلان حقيقي عن عدد الحقول الحقيقي أو حجم الإنتاج ولم يكن يدخل ضمن موازنات الدولة وحتى منصب الوزير المسؤول كان شكلياً وكل أرباح النفط تعود إلى العائلة الحاكمة التي كانت تقوم بإسكات الشعب عن طريق تأمين حاجته من المشتقات النفطية بأسعار رخيصة والاستحواذ الكامل على أرباحه كافة، أي أن حقيقة ما حدث هو انتقال ملكية القطاع النفطي من عائلة واحدة إلى تنظيم مع استمرار سرقته من قبل مجموعة لصوص، وكالعادة اللصوص ينعمون والمواطنون يعانون فمنذ بدأ الحرب وسقوط المناطق تباعاً تارة في يد داعش وبعدها قسد بدأت معاناة الناس في البحث عن الوقود بشكل عام والمازوت بشكل خاص إذ تميز شتاء السنين الأخيرة في فترة الحرب ببرد قارس ودرجات حرارة منخفضة تحت الصفر أي حتى المناخ المتوسطي انقلب علينا أيضاً بالإضافة إلى تساقط الثلوج.
ومع هذا الطقس البارد وغياب تام للكهرباء ازداد الطلب على المازوت ما أدى إلى ارتفاع أسعاره حتى وصل المدعوم منه إلى 180 ليرة سورية وغير المدعوم إلى 300 ليرة سورية وفي بداية العام 2019 قررت الحكومة توزيع مادة المازوت عبر البطاقة الذكية إذ يستحق كل مواطن إذا كان من سكان المدينة كمية 400 ليتر وإذا كان من سكان الريف فالكمية 200 ليتر فقط ما آثار حفيظة المواطنين وقتها لأنه من المعروف في سوريا أن الأرياف أكثر برودة من المدن خاصة الجبلية منها، وكعادتها في سرقة المواطنين قامت الحكومة بإعطاء المواطنين نصف الكمية المخصصة لهم فقط واستمرت بالمماطلة حتى انتهاء الشتاء، ومع بداية شتاء هذا العام الذي أتى فجأة دون سابق إنذار والانخفاض الكبير في درجات الحرارة طفت إلى السطح مجدداً أزمة مازوت التدفئة بالإضافة إلى البطء الشديد في توزيع مخصصات المواطنين عبر البطاقة الذكية بحجة أن الأمر أصبح أكثر سوءاً بسبب الحصار المفروض نتيجة قانون قيصر والشح الشديد في المشتقات النفطية، فكان أول قرار اتخذته الحكومة هو رفع سعر ليتر المازوت الحر إلى 650 ليرة سورية ما دفع بعض المواطنين أصحاب الباصات التي تعمل على المازوت إلى شراء مخصصاتهم المدعومة منه وبيعها في السوق السوداء بسعر قد يصل إلى 80أ0 ليرة سورية أو حتى 1000 ليرة سورية لليتر الواحد، ما تسبب أيضا بأزمة مواصلات خانقة لن أصحاب الباصات أصبحوا يبيعون المازوت بدلاً من استخدامه بحجة أنه يوفر لهم دخلاً أعلى دون أي مجهود.
وحتى الحطب الذي يستخدمه المواطنون في بعض المناطق للتدفئة ارتفع سعر الطن الواحد منه ليصبح 100 ألف ليرة سورية وفي بعض الأرياف الباردة وصل السعر إلى 200 ألف ليرة سورية بعد أن كان الوسيلة الأقل تكلفة للتدفئة، أما الكهرباء حدث ولا حرج فهناك مناطق تغيب عنها لمدة أيام أما المناطق التي سيطر عليها النظام حديثاً فتنعدم فيها تماماً ويعتمد المواطنون فيها على المولدات التي تحتاج إلى الوقود غير الموجود أو الأمبيرات مرتفعة التكلفة.
دخل الشتاء معمقاً جراح السوريين سواء داخل الخيام التي لا تقي سهام البرد أو بيوت معتمة باردة وحكومة فاشلة عاجزة ورئيس متفرج وكأن الأمر لا يعنيه.
والسؤال الأهم إلى متى سيبقى العجز هو لسان حال هذه البلد وإلى متى سيبقى المواطنون هم الخاسر الأكبر في معادلة الوطن المنهار.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”