دلالة عيد الأضحى الأخلاقية
تواضع الناس على أن كلمة عيد تشير إلى يوم أو أيام يُحتفل بها في طقوس متفق عليها. ولكل شعوب الأرض أعيادها، وحتى للفرد صار عيد خاص به، وهو عيد ولادته (عيد ميلاد الفرد)، وازدادت أعياد البشر المعاصرين فصاروا يحتفلون بعيد المرأة وعيد الأم وعيد الرجل وعيد الحب وعيد رأس السنة وهكذا، وغالباً فإن الأعياد ممارسة لطقوس الفرح والمحبة. أما عيد الأضحى فله خصوصية فريدة.
تشكل القصة الدينية حول إبراهيم وابنه شاهد على قداسة الإنسان، تقول القصة: إن إبراهيم طلب من الإله أن يهب له غلاماً، فلما نزل به ضيوف من الملائكة المرسلين، بشروه بغلام حليم، فقال إبراهيم لما بشر به: هو إذاً ذبيح الله. فلما ولد الغلام وبلغ معه السعي قيل له أوف بنذرك، نذرت تقربا إلى الله تعالى وكان هذا هو السبب في أمر الله خليله إبراهيم بذبح ابنه، وتضيف القصة أن إبراهيم رأى في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل فقال لابنه: خذ الحبل والمدية ثم انطلق بنا إلى هذا الشعب لنحتطب فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب كبير أخبره بما أمر به، وقال: يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك، فقال له ابنه: يا أبتي اشدد رباطي حتى لا أضطرب، وكفف عن ثيابك حتى لا ينتضح عليها دمي، فينقص أجري وتراه أمي فتحزن، واشحذ شفرتك وأسرع بجر السكين على حلقي ليكون أهون للموت علي، فإن الموت شديد فإذا أتيت أمي فأقرئها مني السلام ،فإن رأيت أن ترد قميصي إليها فافعل، فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني… ففعل إبراهيم ما أمره ابنه، ثم أقبل عليه يقبله وقد ربطه وهو يبكي… ثم إنه وضع السكين على حلقه لكن السكين لم تعمل شيئاً. وتقول القصة إن الإله قد ضرب صفيحة من النحاس على حلق إسماعيل، فقال إسماعيل عندئذ: يا أبت كبني ففعل إبراهيم ذلك ثم إنه وضع السكين على قفاه وانقلبت ونودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، هذه ذبيحتك فداء لابنك فاذبحها دونه وهكذا كان.
كثيرة هي الدلالات الرمزية لهذه القصة الدينية فالإله أراد أن يختبر إبراهيم بأصعب اختبار ممكن ألا هو ذبح الابن. أجل إنه أصعب اختبار على الإطلاق أن يذبح أب ابنه .فالإله يدرك ولا شك علاقة التوحد المطلقة بين الأب والابن أو الأم والابن، الابن بدوره يدرك هذه الحقيقة ويدرك أن أباه لا محال متردد في تنفيذ أمر الإله، كما أنه يعرف ما الذي سيحصل لأمه فيما لو عرفت أنها فقدته، أي أن إسماعيل على وعي بأن حب إبراهيم له أقوى من أمر الإله له، ولهذا ساعده على تحمل الأمر الإلهي وما إن نجح إبراهيم بالاختبار حتى تدخل الإله، وعدل عن أمره، لأن الإله يعرف ما قيمة الابن، فقرر أن يفديه بكبش من السماء، أي بحيوان هو بالأصل موضوع ذبح.
لا شك بأن هذه القصة تتناقض مع تصور معرفة الإله، فالإله لا يختبر أحداً، لأنه من وجهة نظر المؤمنين به يعلم بالوقائع قبل حدوثها، وبالتالي فإنه يعلم مسبّقاً بأن ابراهيم سيمتثل لأمره.
فدلالة القصة الرمزية هذه دلالة مركزية الروح الإنسانية، إنها درس للبشر بأن الإله قد فدى اسماعيل بذبح كبش، والكبش في الأصل للذبح ولأمور أخرى.
ولهذا فإن عيد الأضحى هو عيد الاحتفال بقيمة الإنسان، بل وبقدسيته، فإذا كان الإله قد عدّل عن أمره وفدى اسماعيل، فعلى جميع المؤمنين بالإله، وبخاصة بالإله الذي فدى اسماعيل، أن يكفوا عن قتل إي إنسان بدافع أيديولوجي باسم الإله أو غيره.
ترى أي أمر يدفع مؤدلجو الحرب لدفع الأبناء إلى القتل: ليقتلوا ويقتلوا من ذا الذي أعطى الحق لهؤلاء أن يضحوا بما لا يملكون من الأبناء ثم يرفعون نخب النصر جالسين على جماجم الأبرياء كيف يقتلون الابن في حضن أبيه أو أمه ثم يبتسمون.