
درعا.. جريمة تدمير واستيلاء: كيف حوّل نظام الأسد الأرض إلى سلاح لإبادة الثورة؟
عندما يصبح التدمير سياسة رسمية:
لم تكن الحرب في سوريا مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت ساحة لصراع أشد خطورة: صراع على الوجود والهوية. منذ انطلاق الثورة السورية في 2011، استخدم نظام بشار الأسد التدمير الممنهج كأداة للقضاء على معارضيه، ليس فقط بقتلهم أو تهجيرهم، ولكن أيضاً بسرقة ممتلكاتهم وتحويلها إلى غنائم حرب سياسية. درعا، مهد الثورة السورية، تحولت إلى نموذج واضح لهذه السياسة، حيث استخدمت القوانين والبراميل المتفجرة والأرض المحروقة لفرض واقع جديد، يستحيل معه عودة المهجّرين.
هذا التقرير الصادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان يوثق بالأدلة كيف استُخدمت الممتلكات كسلاح قمعي، وكيف ساهم ذلك في إعادة تشكيل الخارطة السكانية في سوريا.
أولاً: درعا.. الثورة والعقاب الجماعي:
منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي، كان رد فعل النظام وحشياً، حيث عمد إلى تفريغ المناطق الثائرة من سكانها عبر القصف العشوائي، الاعتقالات، والإعدامات الميدانية. لكن الأداة الأشد فتكاً كانت تدمير البنية التحتية والاستيلاء على الممتلكات، مما جعل العودة مستحيلة أمام مئات الآلاف من النازحين واللاجئين.
1. التدمير كأداة تهجير:
وفقاً للتقرير، فقد قتل النظام السوري في درعا وحدها 22,443 مدنياً، بينهم 3,869 طفلاً و2,140 سيدة، كما ألقى 11,153 برميلاً متفجراً على أحيائها، ما أدى لمقتل 1,177 مدنياً.
2. القوانين الجائرة: شرعنة السرقة:
لم يكتفِ النظام بالتدمير، بل أصدر سلسلة قوانين تهدف إلى نهب ممتلكات السوريين، أبرزها:
المرسوم 66 لعام 2012: الذي سمح بإحداث مناطق تنظيمية جديدة، وإقصاء المالكين الفعليين.
القانون رقم 10 لعام 2018: الذي منح الدولة الحق في الاستيلاء على أملاك المهجرين دون علمهم.
ثانياً: نماذج من جرائم الاستيلاء والتدمير:
1. مخيم درعا وطريق السد
كانت هذه المناطق من أولى الأحياء التي تعرضت للحصار والتدمير، حيث استُهدفت بالبنية التحتية بالكامل لإجبار سكانها على الرحيل، قبل أن يستولي النظام على ممتلكاتهم لاحقاً.
2. بلدة خربة غزالة ومدينة نوى
تعرضت هذه المناطق لقصف مكثف، أدى إلى تهجير السكان بشكل شبه كامل، ليسيطر النظام عليها ويعيد توزيعها بما يخدم مصالحه الأمنية والديموغرافية.
ثالثاً: لماذا لا يعود اللاجئون؟
رغم الدعوات الدولية لعودة اللاجئين، فإن الواقع على الأرض يجعل ذلك مستحيلاً:
1. التهديد الأمني: حيث لا يزال النظام يعتقل العائدين بتهم سياسية ملفقة.
2. العوائق القانونية: القوانين التي تمنع اللاجئين من استعادة ممتلكاتهم.
3. الدمار الهائل: غياب أي خطط لإعادة الإعمار، وارتفاع تكلفة إعادة البناء.
رابعاً: توصيات لتحقيق العدالة:
1. المجتمع الدولي والأمم المتحدة:
تشكيل هيئة مستقلة لتوثيق جرائم الاستيلاء على الممتلكات.
رفض أي قوانين أصدرها النظام للاستيلاء على أملاك النازحين.
دعم استخدام صور الأقمار الصناعية لتوثيق حجم الدمار والانتهاكات.
2. المنظمات الحقوقية الدولية:
إعداد ملفات قانونية حول انتهاكات الملكية، وتقديمها للمحاكم الدولية.
الضغط من أجل فرض عقوبات على المسؤولين عن جرائم الاستيلاء والتدمير.
3. المفوضية السامية لشؤون اللاجئين:
إنشاء منصة إلكترونية تتيح للسوريين تسجيل شكاواهم حول ممتلكاتهم.
ضمان أن تكون عودة اللاجئين طوعية، آمنة، وكريمة.
سرقة الأرض.. سرقة المستقبل:
ما جرى في درعا ليس استثناءً، بل نموذجاً لكل ما حدث في سوريا. النظام لم يكتفِ بقمع الثورة عسكرياً، بل سعى إلى اقتلاع جذورها بتدمير ممتلكات المعارضين والاستيلاء عليها. هذا ليس مجرد انتهاك لحقوق الملكية، بل هو جريمة تهدف إلى تغيير وجه سوريا إلى الأبد. إن ترك هذه الجرائم دون محاسبة يعني إعطاء الضوء الأخضر للأنظمة القمعية حول العالم لاستخدام نفس التكتيك. يجب أن يكون هذا التقرير وثيقة تحريض للعدالة، وأن يكون نقطة انطلاق نحو مساءلة المجرمين وإعادة الحقوق إلى أصحابها. فهل يتحرك العالم قبل أن يُفرض هذا الواقع كأمر دائم؟