fbpx

حكومة تصريف الأعمال في دمشق بين المأمول والمعمول به

0 41

منذ الثامن من كانون الأول 2024، دخلت سوريا مرحلةً جديدةً تحت حكومة تصريف الأعمال، حاولت خلالها التعامل مع إرثٍ معقدٍ من الصراعات والدمار، وسط تحدياتٍ داخليةٍ وخارجيةٍ لم تكن أقل تعقيداً من السنوات السابقة. لم تكن هذه الفترة خاليةً من الإنجازات، كما لم تخلُ من الانتقادات، لكنها تشكل محاولةً لرسم مسارٍ مختلفٍ عما سبق، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة من النجاح والفشل.

في الجانب الإيجابي، يمكن النظر إلى إسقاط نظام بشار الأسد كأبرز محطةٍ في هذه المرحلة، إذ أنهى هذا الحدث حقبةً استمرت لعقود، مثقلةً بالصراعات الدموية والقمع السياسي. جاء هذا الإسقاط متزامناً مع تفكيك المؤسسة العسكرية التابعة للنظام، التي كانت أداةً رئيسيةً في قمع الشعب السوري، مما فتح الباب لإعادة بناء جيشٍ جديدٍ تحت مظلة وزارة الدفاع السورية المُشَكَّلة حديثاً، والتي نجحت – إلى حدٍ ما – في توحيد الفصائل العسكرية الثورية تحت راية واحدة، مما قلّل من الاحتكاكات الداخلية التي طالما عرقلت الاستقرار وكانت مصدر قلق لأي حركة عكسية تعيدنا إلى نقطة الصفر. كما سعت الحكومة إلى ملاحقة ما تبقى من رموز النظام السابق، في محاولةٍ لتحقيق شعار العدالة الانتقالية، وإن ظهرت هذه الخطوة انتقائيةً في بعض الحالات، بحسب مراقبين.

على الصعيد الخدمي، حاولت الحكومة تأمين الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للسكان، رغم العقوبات الدولية المشددة التي أعاقت استيراد المواد الأولية، وعرقلت إصلاح البنية التحتية المُدَمَّرة. وقد تجلّى ذلك في إعادة تشغيل بعض المشافي والمدارس، وإن كان ذلك بشكلٍ محدود، معتمدةً على الدعم المحلي والدولي غير الرسمي. وفي محاولةٍ لتعزيز الأمن، بذلت جهوداً لاحتواء العنف المسلح في المناطق المحررة حديثاً، عبر تفعيل أجهزة أمنية محلية، رغم استمرار بؤر توترٍ متفرقة.

لم تكن التعاملات السياسية بمعزلٍ عن هذه التحولات، إذ تبنت الحكومة خطاباً يركز على “سوريا للجميع”، داعياً إلى تجاوز الانقسامات الطائفية والمناطقية، وفتح حواراتٍ مع المكونات في جبال الساحل السوري والجنوب السوري، عبر منهجٍ حاول الجمع بين الحسم في ملفات الأمن والمرونة في التفاوض. كما سمحت للحركات السياسية الناشطة في المحافظات بممارسة عملها دون تدخلٍ مباشر، ما أتاح تنفساً نسبياً في المشهد السياسي المتجمد منذ عقود طويلة.

لكن هذه الصورة لا تخلو من شوائبَ عديدة. فمنذ البداية، وُجِّهت انتقاداتٌ حادةٌ لتشكيل الحكومة من “لونٍ واحد”، تمثل بهيمنة “هيئة تحرير الشام” على أغلب المفاصل التنفيذية، مما أثار مخاوف من تكرار نموذج الاستئثار بالسلطة، وأفقد جزءاً من السوريين الثقة في نوايا الحكومة، خاصةً مع ضبابية الخطط الانتقالية نحو انتخاباتٍ شاملة لاحقاً. كما ظل ملف المخيمات في الشمال السوري غائباً عن الأولويات، حيث تعيش آلاف الأسر في ظروفٍ إنسانيةٍ مزرية، دون حملاتٍ جادةٍ لإعادة الداخلين منها إلى مناطقهم، أو حتى تحسين ظروفهم المعيشية وتوج ذلك بإيقاف الدعم كلياً عن المنظمات العاملة بالشمال السوري بقرار دولي.

وفي السياق الخدمي، برزت شكاوى من توزيع غير متوازن للمساعدات الغذائية والطبية، إذ حظيت المناطق المحررة حديثاً باهتمامٍ أكبر، مقارنةً بمناطق الشمال التي عانت لسنواتٍ تحت سيطرة الفصائل العسكرية وقصف نظام بشار الأسد لها، مما عمّق مشاعر التهميش لدى سكانها، الذين اعتبروا أن تضحياتهم خلال سنوات الثورة لم تُقابل بالاعتراف الكافي. يضاف إلى ذلك تعثر الحكومة في تقديم رؤيةٍ اقتصاديةٍ واضحة، تعالج الآثار الكارثية للعقوبات، أو تستثمر الموارد المحلية المتاحة لإنعاش الاقتصاد.

بينما حاولت هذه الحكومة أن تقدم نفسها كبديلٍ عن نظام الأسد وفعلاً نجحت بذلك، يبدو أن إدارتها واجهت معضلةً تاريخية: كيف تنتقل من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، دون أن تسقط في أخطاء الماضي؟ لقد نجحت في تفكيك جزءٍ كبيرٍ من النظام القديم، لكنها لم تبنِ بعد نظاماً بديلاً متكاملاً وهذه حالة طبيعية بوجود العوائق التي لا تعد ولا تحصى. لقد أدارت بعض الملفات بحنكة، لكنها تسببت – عن قصدٍ أو غير قصد – في إهمال ملفاتٍ أخرى قد تُهدد مستقبل الاستقرار كملف شمال شرق سوريا مثلاً المتمثل بميليشيات قسد. الفجوة بين ما تحقق وما كان مُنتظراً لا تزال واسعة، لكنها ربما تشكل نقطة بدايةٍ لوضعٍ سوريٍ جديد، إن أُنجزت الانتقالات السياسية والأمنية بخطواتٍ أكثر شموليةً وعدالة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني