
حقوق الإنسان: معوقات وآفاق
مقدمة
حقوق الإنسان كلمتان سحريتان نبحث عن صداهما في الواقع فلا نجدهما، نتلمّس الطريق إليهما كمن تُعصب عيناه في وضح النهار، وتُكتَّف يداه، ويبحث عن كنز مدفون، فكيف يجده؟ ومتى يجده؟ هكذا تبدوان، يطلب تحقيقهما في حياته، فما هي حقوق الإنسان؟
باختصار، إنها تلك الحقوق التي يتمتّع بها الإنسان، ويُعترَف له بها بصرف النظر عن جنسيته، أو عرقه، أو قوميته، أو دينه، أو لونه، أو وضعه الاجتماعي والاقتصادي.
وهي مجموعة مبادئ وقيم معنوية مستمدة من طبيعته الإنسانية، ومطالب أخلاقية يمارسها بغض النظر عن الالتزام الرسمي للحكومات والمعاهدات الدولية، وتمتاز بعدم التمييز العنصري، والمساواة، والعالمية، والمشاركة، وعدم القابلية للتجزئة.
نشأة حقوق الإنسان
حقوق الإنسان جاءت كنتيجة لتفاعل ثقافات الشعوب وتطورها الحضاري، وهي ملك للبشرية جمعاء على اختلاف أجناسها، وتعبر عن تطلع الإنسان إلى ممارسة الحرية والديمقراطية وتقرير المصير، وبناء مجتمع متماسك يتمتّع أفراده بتكافؤ الفرص في جوّ من العدالة والمساواة، ونبذ النزاعات لتحقيق كرامته الإنسانية في مجتمع آمن.
وقد نشأت وتطوّرت عبر معاناة الإنسان وسعيه المستمر لحياة أفضل، وواجهت معوقات كثيرة وما زالت مستمرة. ومن أقدم النصوص المكتوبة التي وصلتنا:
- قانون حمورابي (1750 ق.م)
- العهد القديم (1200 ق.م)
- البوذية (563 ق.م)
- الكونفوشيوسية (551 – 479 ق.م)
- المسيحية
- الإسلام (622 م)
- الماغنا كارتا (1215 م) مع الملك جون الأول
- وثيقة حقوق الإنسان (1688 م) مع جيمس الثاني
- وثيقة استقلال الولايات المتحدة الأمريكية (1776 م)
- إعلان حقوق الإنسان (1789 م) إثر انتصار الثورة الفرنسية
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948 م)، وهو أول وثيقة دولية بعد الحرب العالمية الثانية
معوقات حقوق الإنسان
ولدت معوقات حقوق الإنسان معها، وما زالت مستمرة حتى الآن، وذلك بسبب الثنائية الضدية في حركة التاريخ الطبيعي والإنساني، ومسيرة الحضارة البشرية التي قامت على مبدأين:
- قوة الفكر والكلمة ممثلة بقوى الخير والسلام
- قوة العضل والسلاح بدءاً من الحجر حتى السلاح النووي، ممثلة بقوى الشر والنزاعات
المعوقات تنقسم إلى معوقات موضوعية وأخرى ذاتية.
1. المعوقات الموضوعية
أ. الدول الكبرى
- تسيّدها لقانون القوة أدى إلى:
- الحد من سلطة الأمم المتحدة
- مراعاة مصالحها الذاتية وسيطرتها على الدول النامية
- تقسيم العالم بعد الحرب العالمية الثانية في مؤتمر يالطا (1945) إلى:
- دول تمتلك القوة وهي المنتصرة في الحرب
- دول تحت الوصاية أو مستعمرة تُثير النزاعات لنهبها
- استخدامها حقوق الإنسان كذريعة للتدخل في شؤون الدول النامية، فتشن الحروب الاقتصادية والعسكرية (أفغانستان، العراق، سوريا، اليمن، دول أفريقيا، وأمريكا اللاتينية).
ب. الأمم المتحدة
رغم دورها الكبير، فهي شبه عاجزة عن:
- تحقيق غايات ميثاقها في تجنب الحروب والحفاظ على حق الإنسان في الحياة والحرية والعيش الكريم
- تحقيق المصير للشعوب، مثل قضية فلسطين
- تنفيذ قراراتها، مثل قرار عودة اللاجئين الفلسطينيين
- محاكمة بعض الجناة إذا دعمتهم الدول الكبرى
- الحد من سطوة الدول الكبرى التي تملك حق النقض في مجلس الأمن
ج. الدول النامية
تعاني الدول النامية من:
- أنظمة استبدادية تُضعف منظمات المجتمع المدني
- تفشي الأمية السياسية والتعليمية
- سياسة إعلامية موجهة تعوق الوعي المجتمعي
- هشاشة البنية الثقافية والاقتصادية
- التحفظ على بعض بنود الاتفاقيات الدولية للتهرب من تنفيذها
د. الدول العربية
تواجه الدول العربية تحديات إضافية مثل:
- اختلاط مفهوم حقوق الإنسان مع الأفكار الغربية
- تباين المفاهيم بين حقوق الإنسان في الإسلام والشرعة الدولية
- وضع المرأة المتأثر بالقوانين الدينية والموروث الثقافي
2. المعوقات الذاتية
- ضعف استقلالية المنظمات الحقوقية عن النشاط السياسي
- قلة الكوادر المؤهلة في حقوق الإنسان
- ضعف التمويل والاعتماد على المساعدات الدولية
- ضعف التدريب والتثقيف في مجال حقوق الإنسان
آفاق حقوق الإنسان
رغم التحديات، فإن البشرية تصبو إلى عالم يسوده السلام والأمان، والتنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، وصون الكرامة الإنسانية.
أ. الأمم المتحدة
- تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون والتنمية
- إنشاء بعثات حفظ السلام
- دعم التنمية في الدول الفقيرة
- تشكيل لجان تحقيق دولية لحل النزاعات
- دعم منظمات حقوقية مثل اليونيسف واليونسكو
ب. المنظمات الدولية
- تحسين الوضع التعليمي والصحي
- دعم اللاجئين
- تعزيز حقوق المرأة من خلال التعليم
خاتمة
رغم التحديات التي تواجه حقوق الإنسان، فإن انتشار الوعي، ودور الأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية يزيد من فرص تحقيق عالم يسوده السلام، وتصان فيه حقوق الإنسان وكرامته، ليكون مستقبلاً أكثر إشراقاً، ولو بعد حين.
إحالات
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)
- عبد الله تركماني – حقوق الإنسان والارتهان للسياسة الدولية (2014)
- د. هيثم القرعان – الفرق بين الناشط الحقوقي والناشط السياسي (2017)
- د. حمزة الحسن – العمل الحقوقي سياسي في جوهره (2019)
التاريخ: السبت 2025/2/1