جولة بايدن الشرق أوسطية…الأمن والاقتصاد يصنعان السياسة
سيقوم الرئيس الأمريكي بجولة من 13-16 تموز تشمل دولة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية والمملكة العربية السعودية.
وسأتطرق هنا إلى قمته في الرياض التي تجمع دول مجلس التعاون الخليجي الست ودول ما عرف بمحور الشام الجديد التي تضم العراق والمملكة الاردنية الهاشمية ومصر.
من اتفاق نووي مع إيران إلى تعاون أمني إقليمي ضدها
كان الحفل المعد للاحتفاء بتوصل إيران مع المجموعة الدولية 5+1، يجري الإعداد له في منتصف شهر آذار الماضي عقب تذليل آخر العقبات التي تعترضه، مع دلال وتمنع إيراني جرى على وقع التصعيد الروسي الكبير على الحدود الأوكرانية والحشودات الضخمة التي كانت تنبئ باجتياح وشيك.
ولأن الخطر الروسي يدق أبواب القارة العجوز، ورغبة الولايات المتحدة بالتهدئة مع إيران في الشرق الأوسط لمجابهة التهديد الروسي للقارة الأوروبية، واحتواء الصين التي زارها الرئيس الروسي قبل غزوه، معلناً معها شراكة استراتيجية ليس لها حدود، ضغطت الدول الأوروبية للتوصل للاتفاق، ولكن الاجتياح الروسي لأوكرانيا سبق التوقيع على اتفاق نووي جديد، ودخل العالم في حقبة دولية جديدة الغاية منها الصراع الدائر على إنزال الولايات المتحدة عن عرش قيادة النظام الدولي وإنشاء نظام عالمي جديد لا قطبي سيكون حتماً متعدد الأقطاب، وجوهر الصراع الدائر الآن هو على الطاقة وخطوط نقلها.
حصدت الإدارة الأمريكية ما زرعته الإدارات السابقة، وما وعد به الرئيس الأمريكي بحملته الانتخابية وخلال أكثر من عام على توليه زمام الأمور، فقد اتخذت دول الإقليم التي هي تاريخياً من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، موقفاً حيادياً من حربها وحشدها وعقوباتها على الاتحاد الروسي، وقد تجلى ذلك سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً واقتصادياً، فقد رفضت أهم دولتين في الخليج، “المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة” الاستجابة لمناشدات الرئيس الامريكي زيادة إنتاج النفط لتعويض الفاقد الروسي من السوق العالمية علماً أنهما تمتلكان قدرة على ضخ كميات إضافية من النفط وبالتالي تزويد الحلفاء وخفض الأسعار.
وكان الموقف التركي مشابهاً لموقف بقية الحلفاء (المفترضين) فقدمت تركيا نفسها كمحايد مستعد للعب دور الوساطة في الحرب، ورافض للانضمام للعقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا.
أدركت المؤسسات الأمريكية ودوائر صنع القرار في واشنطن مدى الضرر الحاصل في العلاقات الأمريكية مع المملكة العربية السعودية تحديداً، وأدركت أن اختراقاً صينياً وروسياً كبيراً حصل في منطقة من أهم مناطق النفوذ الأمريكي، بل هي من أهم منابع الطاقة العالمية وخطوط نقلها وعقدة المواصلات الدولية.
بدأ الضغط في الساحة الأمريكية على الإدارة من المؤسسات والشخصيات كافة، ومن عتاة اليسار الديمقراطي (الذي يرأسه بايدن) لإصلاح ما أفسدته إدارة أوباما بالأساس وما أفسدته الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ هجمات أيلول 2001.
وأدركت الولايات المتحدة مدى الخسارة الجيوسياسية التي لحقت بها نتيجة تخادمها مع إيران باتفاقها النووي السابق، وشعاراتها حول حقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق المرأة والأقليات، الأمر الذي خلق نفوراً منها لدى دول الإقليم، وأتاح لتغلغل روسي وصيني، وذلك لرغبة دول المنطقة بتنويع تحالفاتها بدل الاعتماد على حليف واحد أصبح خصماً وحكماً وليس حليفاً.
وعلى وقع ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً وخاصة في الولايات المتحدة المقبلة على انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي في الخريف القادم، وبسبب تبيان أن جيش بوتين الاقتصادي أقوى من جيشه العسكري، وأن هزيمة بوتين بشكل كامل لا تتم إلا بهزيمته اقتصادياً، رغم حظر مصادر الطاقة الروسية بعد فرض كم هائل من العقوبات عليها ولم تتأثر كثيراً لعوامل عديدة، وبقاء الروبل في مستوياته قبل الحرب، أوفدت الولايات المتحدة رئيس جهاز استخباراتها وليم بيرنز إلى المملكة العربية السعودية في نيسان الماضي لوقف التدهور في العلاقات السعودية – الأمريكية، ووضعها على خطا الإصلاح، فكانت جولة المسؤول الأمريكي هي التمهيد الحقيقي لزيارة بايدن إلى المملكة.
الأهداف الأمريكية من قمة 9+1
- التأكيد لدول المنطقة على أن تولي الولايات المتحدة الشرق الوسط بعداً استراتيجياً في صراعها مع الروس شمالاً واحتواءها للصين شرقاً.
- رعايتها لنظام عربي جديد بين الدول الحاضرة التسع (ومن ينضم لاحقاً)، والتأكيد على الدعم الأمريكي لهذا التجمع بكل أبعاده الأمنية والاقتصادية والسياسية.
- رعاية الولايات المتحدة ودعمها لمنظومة أمن إقليمية في ظل القيادة المركزية للقوات الأمريكية (السنتكوم) تنضم لها إسرائيل، باعتبار أن التنسيق الآن قائم على الأرض وسيتطور قريباً إلى ربط لكل وسائط الدفاع الجوي لدول المنطقة، ما يشكل قبة حديدية واحدة تكون جاهزة للتصدي للتهديد القادم من أماكن انتشار الحرس الثوري الإيراني عبر صواريخه البالستية أو طيرانه المسير.
- الإسراع بخطوات التطبيع العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وتوسيع اتفاقات أبراهام.
- 5- سيبحث بايدن بالتأكيد، في زيارته لإسرائيل والضفة، الدفع بحل القضية الفلسطينية وفق رؤيته لحل الدولتين.
- السبب المباشر والأهم، هو زيادة الإنتاح اليومي للنفط من الدول القادرة على ذلك لكبح جماح الأسعار الحالية (125$ للبرميل الواحد) وتعويض الفاقد الروسي، لتشديد الخناق على روسيا ووقف الشريان المالي الذي يموّل آلتها العسكرية.
مطالب الدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية
- تجديد الشراكة السعودية – الأمريكية (النفط مقابل الأمن)، التي عقدت عام 1945 على ظهر الطراد الأمريكي كوينسي بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت، والتي مضى عليها ثمانون عاماً، لفترة مثلها.
- الشراكة السعودية – الأمريكية تكون عابرة للإدارات والأحزاب ولا تتأثر بالرئيس أو الحزب الذي يحكم البيت الأبيض، بل علاقة استراتيجية بين المؤسسات العميقة في الدولتين.
- مطالبة الدول كلها بعدم السماح لإيران امتلاك قنبلة نووية، والتصدي معاً لأنشطة الحرس الثوري التي تهدد دول المنطقة.
- دخول المملكة في الضمانة النووية الأمريكية (التي تفترض عدم سعي المملكة للحصول على التقنيات النووية العسكرية) كردع استراتيجي لإيران.
- المساهمة الأمريكية الفعالة لإجبار جماعة الحوثي على الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني وحل القضية اليمنية سلمياً.
بالتأكيد لن تكتفي الدول العربية بوعود أمريكية وحسن نوايا، بل سوف تطلب أفعالاً تترجم الأقوال، ولن تضحي بفرصتها التاريخية بتنافس الدول العظمى، لكسبها إلى جانبها، ولن تفرط بعلاقاتها مع الصين وروسيا، التي وصلت لدرجة كبيرة من التطور إلا بالتزام أمريكي واضح بتلبية شروطها.