fbpx

جريمة مشفى المعمداني في حيثيات العلاقات الجدلية بين قوى الصراع!!

0 113

لفهم جميع جوانب مشهد الصراع الراهن في غزّة عموما، والمرتبطة بمجزرة المشفى المعمداني، بشكل خاص – وحول القضية الفلسطينية ومسألة التطبيع الإقليمي، وما يخلق من علاقات بين القوى الرئيسية المتورّطة، في سياقات المرحلة الراهنة من التسوية السياسية الأمريكية الشاملة المستمرة منذ نهاية 2019 – من المفيد إدراك طبيعة العلاقات الجدلية بين النظام السوري/الإيراني وبين الولايات المتّحدة، من جهة أولى، وبينهما، وبين إسرائيل من جهة ثانية، وبينها وبين الولايات المتّحدة، من جهة ثالثة.

في موازاة تفاقم العلاقات التناحرية بين النظامين الإيراني والإسرائيلي حول شروط التسوية السياسية الأمريكية على الصعيد السوري (التي تتضمّن وتشرعن استمرار التواجد الإيراني) وعلى صعيد التطبيع الإقليمي (وما ينتج عن تعقيدات العلاقات مع السعودية)، وما يتخللها من استخدام اوراق ضغط، بلغت ذروتها في هجوم طوفان الأقصى، وتصاعد درجة الخلاف بين الولايات المتحدة وحليفها الإسرائيلي حول شروط التسوية السياسية الأمريكية ذاتها، تتسم العلاقات بين الولايات المتّحدة وأنظمة سوريا وإيران بطبيعة توافقية، تصل إلى درجة التكامل التشاركي في تحقيق خطوات وإجراءات التسوية السياسية[1]؛ رغم ما يظهر من خلافات تكتيكية حول تقاسم الحصص ومناطق النفوذ. هذه العلاقات التكاملية هي التي تفسّر دوافع وأسباب حرص الولايات المتّحدة وأنظمة سوريا وإيران على عدم خروج الحرب الدائرة في غزّة، وعلى القضية الفلسطينية، عن سقف الصراع المرتبطة بشروط التسوية والتطبيع، وألا يتمدّد لهيبها إقليمياً، بما قد يحرق إنجازات التطبيع الإقليمي التي نجحت واشنطن في إدارة خطواتها، وأصابع معظم اللاعبين، شركاء التسوية السياسية الأمريكية الشاملة!.

رسالة إسرائيل لقيادة وأطراف مشروع التطبيع الإقليمي عموما، ولمصر والأردن والسعودية، بشكل خاص، ولأطراف التسوية السياسية في سوريا- الولايات المتّحدة والنظام الايراني/السوري، تقول بوضوح: لن نضيّع الفرص التاريخية التي قدّمتها حماس، لفرض شروط التطبيع والتسوية التي تخدم مصالح الأمن القومي الإسرائيلي، قبولنا بوجود وشرعنة إيرانية دائمة في سوريا وفقاً لمتطلّبات التسوية، ودمج النظام الإيراني في إطار المنظومة الاقتصادية والسياسية الإقليمية في سياق التطبيع الإقليمي، يشترط القبول بحل الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي وفقا لخطة نتنياهو[2].

على أيّة حال، في هذه اللحظة السياسية المصيرية، ووفقا لما يَظهر على خشبة المسرح، يدور الصراع على مستقبل القضية الفلسطينية، بأدواته العسكرية والسياسية، بين إرادتين:

1- إرادة إسرائيلية، تسعى لتجيير هجوم حماس من أجل إحداث أوسع حالة تهجير من غزة، وإلحاق الجزء الأكبر من الفلسطينيين بمصر، عبر دفعهم جنوباً إلى رفح، ووضعهم تحت الإدارة المصرية كما كانوا قبل حزيران 1967، لكن خارج إطار التراب الوطني الفلسطيني، وبالتالي فرض واقع إلحاقهم سياسيا بمصر من خلال شكل ما من أشكال الفدرالية، ذاتيّة الحكم. يواكب هذا الحل لمستقبل غزة، إعادة إلحاق الضفة الغربية بالأردن، ليصار لاحقا إلى وضعها تحت الإدارة الأردنية، في إطار شكل فدرالي آخر، وبما يقوّض إمكانية حلّ الدولتين، وبما يؤدّي إلى تصفية نهائية للقضية الفلسطينية.

تحقيق هذه الأهداف الإسرائيلية يتطلّب على صعيد غزة عدم إسقاط سلطة حماس …لانّ إسقاطها في هذه اللحظة السياسية يعني إعادة غزة سياسيا إلى الوضع الذي كانت عليه بين 2005-2007 – قبل انقلاب حماس الميليشياوي، واحتكار سيطرة حماس والجهاد – ووضعها تحت إشراف السلطة الوطنية، أو إدارة انتقالية، مؤقّتة، لحين الوصول إلى حل سياسي، في إطار الدولتين!.

2- إرادة إقليمية/أمريكية، تتقاطع عند مصلحة قيام حلّ الدولتين، وما يتطلّبه من وجود سلطة وطنية فلسطينية واحدة في غزة والضفة، وقد كان انقلاب حماس 2007 أحد معوقات الحل، وقد تقاطعت هنا مصلحة حماس مع مصلحة اليمين الإسرائيلي، الرافض لحل الدولتين!.

ما نتج عن تفاقم الصراع الذي أعقب هجوم طوفان الأقصى، واتخاذه أبعاداً إقليمية ودولية، ترتبط بطبيعة أدوات السيطرة الإقليمية التشاركية بين الولايات المتّحدة والنظام الايراني، لم يُغيّر طبيعة العلاقات التي كانت قائمة قبل 7 تشرين الأول، بل عزز قيام جبهة واحدة:

الجبهة الجديدة، التي من مصلحة أطرافها مواجهة سياسـات نتنياهو الدافعة للتهجير، وإيجاد تسوية للصراع مع حماس، تضمّ جميع شركاء مشروع التطبيع الإقليمي الذي تقوده واشنطن (ما عدا إسرائيل)، ويقاطع بين مصالح طهران والرياض، التي تتوافق مع نجاح جهوده حل الدولتين!.

ضمن هذا الإطار، تأتي أهمية لقاء القمّة الرباعية التي كان من المقرر أن تلتئم في عمان اليوم 18 تشرين الأول بقيادة بايدن، وحضور ملك الأردن ورئيس مصر ورئيس السلطة أبو مازن من أجل تنسيق مواقف الأطراف حول دعم جهود حل الدولتين، ومواجهة أخطر نتائج الصراع بين نتنياهو/حماس – تهجير الفلسطينيين؛ كما ونفهم طبيعة الرسالة التي حملها الهجوم القاتل على مستشفى غزة – مشفى مسيحي، بروتستانتي، أمريكي، والمعمدانيون أكبر طائفة بروتستانتية أمريكية، تضم حوالي 50 مليون منهم بوش وأوباما – وما نتج عنه من عودة أبو مازن إلى الضفة، وإعلان عمّان رسمياً إلغاء المؤتمر، وبالتالي تحقق أهداف الجريمة السياسية، التي دفع ثمنها نزلاء المشفى، كما يدفع الغزّايون بشكل خاص أثمان صراعات إقليمية.

تساؤلات تطرح نفسها:

على الصعيد العام، أين تقف الولايات المتّحدة سياسياً؟ هل من مصلحة تحقيق أهداف مشروعها للتسوية، بمستوييه السوري والإقليمي، التي تعزّز أدوات سيطرتها التشاركية، أن تدعم مشروع التصفية الإسرائيلي أم حل الدولتين؟ هل هي الرابحة، بكلّ الأحوال؟.

مَن المسؤول عن جريمة المشفى؟ نتن ياهو وحكومته الوطنية، أم جيش الدفاع، وهل ثمّة تناقض بين رؤى الجانبين بخصوص مآلات الحل السياسي؟.

في حال فشل خطط وسياسات التهجيير والفدرلة الإسرائيلية، هل لدى المؤسسة الأمنية/السياسي خطّة بديلة؟ ما هي طبيعة الخطّة (ب)، ومَن هم ضحايا؟.

كيف سيكون موقف أمريكا، التي تلقّت جهود رئيسها طعنة في الظهر بعد إلغاء قمّة عمّان؟.

يعتقد بعضهم أنّ انتصار إرادة التهجير القسري الإسرائيلية، وما يتطلّبه من بقاء سلطة حماس، وما ينتج عنه من إعاقة لتقدّم مسار خطوات التطبيع الإقليمي الذي تقوده واشنطن منذ 2020، في سياق التسوية السياسية السورية، يشكّل تحدياً خطيراً لسياسات السيطرة الإقليمية التشاركية للولايات المتّحدة، ويضع واشنطن الديمقراطية في مواجهة مباشرة مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وقد تصل امتداداتها إلى داخل واشنطن، حيث يتربّص الجمهوريون، منتظرين الفرصة المناسبة للعودة إلى البيت الأبيض.


[1]– وهذا ما يُغضب موسكو، ويبيّن بعض أسباب هامشية دورها، وعجزها عن فرض رؤيتها للتسوية السياسية، التي تقوم على أرضية مخرجات اللجنة الدستورية؛ وقد عبّرت عنه آراء المقابلة الخاصة لدرعا 24 مع المستشار السياسي المقرّب من دوائر صنع القرار في روسيا رامي الشاعر، الأحد 15 تشرين الأول. https://2u.pw/vjWD7Uf

[2]– وثيقة غير رسمية، بقلم المستشار غدير زهدان، مؤسس ورئيس مجلس إدارة نبع الغدير لحقوق الإنسان والسلام تتداولها منصّات تواصل، تتحدّث عن مشروع اتفاق القرن – دولة فلسطينية بدون القدس – موزّعة بين كونفدرالية مع الاردن وأخرى مع مصر، وفقا لمبادرة رئيس وزراء الكيان الصهيوني.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني