fbpx

ثلاثيّ الإجرام المُدمِن

0 146

كتب الأديب الروسي “دوستويفسكي” مؤلِّف رواية “المقامِر” رسالة إلى أخيه ميخائيل يُخبره عن تجربته مع المقامرة: لقد كنت أؤمن بنظامي، إذ فزت بـ “600” فرنك خلال ربع ساعة، وهو ما أسال لعابي تجاه المزيد، ثم فجأة بدأت أخسر، ولم أستطع التحكم في نفسي حتى فقدت كل شيء، بعد ذلك أخذت أموالي الأخيرة وذهبت للّعب مُجدداً، لقد تأثرت بهذا الحظ الطيب غير العادي وخاطرت بجميع نابوليوناتي الـ “35” وفقدتها جميعها. تبقت لدي 6 نابليونات من الذهب لأدفع بها ثمن إيجاري وتكلفة الرحلة، وفي جنيف رهنت ساعتي”.

ويعتبر الطبيب الإيطالي “سيزاري لومبروزو” مؤسس علم “الجريمة والعقاب” الذي كان يعمل طبيباً في الجيش الإيطالي في القرن الثامن عشر وتوصّل إلى أن الجريمة تبدأ بالانحراف في السلوك إما بالولادة وإما بالاكتساب، وتتجلّى مظاهر الانحراف بالميل إلى احداث الوشم والرسوم القبيحة على الجسد كما وتبين له عند تشريحه لجثث عدد من المجرمين الذين أدمنوا ارتكاب الجرائم الوحشيّة وجود عيوب خلقية في تكوينهم الجسماني وشذوذ في الجمجمة وكانت عيّنته الأشهر المجرم المتوحِّش “فرسيني” الذي اعترف بقتل عشرين امرأة بطريقة وحشية وشرب دمائهن.

بوتين وبشار وخامنئي يُجسّدون حال “دوستويفسكي المقامِر” و”فرسيني المُجرِم المتوّحِش” فهم يوغلون في الإجرام الممنهج الذي تعكس وحشيّته مدى تأصّل هذا الإجرام في نفوسهم، وعدد ضحاياهم الهائل الذي يُعبّر عن حالة الإدمان الفظيع على الإجرام.

وما يدعو للأسف الشديد هو تقاعس أو عدم جديّة المجتمع الدولي في الوقوف بوجه هؤلاء المجرمين الأمر الذي منحهم هامشاً واسعاً لممارسة هذا الإجرام وارتكاب الفظائع سواء في سوريّة أو في العراق أو في اليمن أو في لبنان أو في أوكرانيا.

إن السياسة العقابية تقوم على ثلاثة أسس وهي:

الردع: وهو الحلّ الناجع لمن تأصّل في نفسه الإجرام أو أدمن على ارتكاب الفظائع دون أي إحساس بالذنب أو بالمسؤوليّة والذي يتطلب اجتثاث هؤلاء من الوجود لعدم قابليتهم للإصلاح فالموت هو الحل الوحيد للتخلّص من شرورهم، وهو ما تتحاشاه الأمم المتحدّة والمجتمع الدولي مع هؤلاء.

الإصلاح أو تقويم السلوك: ويكون للمجرمين بالصدفة الذي يشعرون بالندم ويبادرون إلى التوبة، ويكون إصلاحهم من خلال فرض عقوبات بسيطة هي مزيج بين الزجر والإصلاح مثل الحبس البسيط ومن خلاله القيام بورشات عمل توعويّة إصلاحية لتقويم سلوكهم وتمكينهم من العودة الى مجتمعاتهم والانخراط بها بعد التخلّص من الاثار النفسيّة التي خلّفتها الجريمة. وهو ما تتّبعه الولايات المتحدّة الامريكيّة والدول الأوروبيّة من خلال فرض عقوبات” مالية – منع دخول الأراضي الأوروبية والامريكية – الحرمان من الحصول على الفيزا…..”.

الرعاية: وهو أسلوب خاص بالمجرمين المرضى نفسيّاً أو عقليّاً، أو الأحداث الجانحين حيث يوضعون في مراكز خاصّة يشرف عليها أخصائيّين اجتماعيين وأطباء مختصّين يتكفلّون بمعالجتهم حتى وصولوهم إلى درجة “التعافي” الذي ما إن تحقّق كان سبباً في اعادتهم الى مجتمعاتهم ليمارسوا حياتهم الطبيعيّة.

وما يثير الأسى والغضب تجاه المجتمع الدولي والمنظمات الأمميّة هو تبنيها منهج “الإصلاح والرعاية” مع أعتى المجرمين الذين عرفتهم البشرية في العصر الحديث، وخاصّة النظام السوريّ المجرم وعلى رأسه المجرم الأكبر بشار أسد، حيث تقوم اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر بدور “المرشدة الاجتماعية” في مراكز رعاية الأحداث الجانحين حيث تقوم بتدريب عتاة المجرمين على القانون الدولي الإنساني من خلال عقد ورشات العمل، وتقوم المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين بدور “الطبيب” من خلال تمويلها لمشاريع “التعافي المُبكّر” التي تقدّم إلى مؤسسات ويستفيد منها “الميليشيات” التي سلبت ونهبت ممتلكات السوريين، ومجرمين قاموا بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة، وعرّاب كل هذا هو المبعوث الاممي “بيدرسون” مروِّج ومنفِّذ الخطة الروسيّة الخبيثة خطة “الخطوة مقابل خطوة”.

ويأتي بيان مسؤولي الأمم المتحدة في سوريّة حول جريمة “قصف مخيّمات المُهجّرين قسريّاً” في إدلب ليفضح تخاذل الأمم المتحدّة وتحريفها للحقائق، من خلال استخدام عبارات فضفاضة لتجنّب توجيه أيّ إدانة للمجرمين مثل مصطلح “أسلحة شديدة الانفجار” و”أعمال عدائيّة” فالسلاح المستخدم معروف وهي صواريخ “أرض – أرض” من نوع “220mm 9M27-K Uragan” محملة بقنابل عنقودية محرمة دولياً من نوع “9N235″، وهي من الذخائر المُحرّمة دوليّاً بموجب الاتفاقية الدولية لحظر الأسلحة العنقوديّة لعام 2008.

كما أنّ الاستهداف ليس من قبيل الأعمال العدائيّة أبداً وإنما هو استهداف لمخيّمات إيواء المهجّرين قسريّاً وهي مناطق مدنيّة من المُفترض أنها “محميّة” بموجب القانون الدوليّ حيث يقطنها “مدنيون” أبرياء، وأن احداثيات ومواقع هذه المخيّمات وبيانات سكانها كلّها موجودة عند الأمم المتحدّة كونها مشمولة بمساعدات برنامجها لتقديم المساعدات عبر الحدود، ومن المفترض أن النظام الروسي وباعتباره عضواً دائماً في مجلس الأمن الدوليّ يعلم كل هذه التفاصيل، وبالتالي علم النظامين السوري والإيراني بها، مما يؤكّد النيّة المُبيّتة لاستهداف المخيّمات وقتل سكّانها من خلال استخدام أسلحة “عنقوديّة” ذات الضرر الشامل والواسع وهو سبب تحريمها دوليّاً، الأمر الذي يُعدّ انتهاكاً لمعاهدات جنيف الأربع وخاصة المادة “51” من البروتوكول الأول لعام 1977، ويعتبر جريمة حرب مُركبّة وفق المادة “8” من نظام روما للمحكمة الجنائيّة الدوليّة.

وعليه يجب على الأمين العام للأمم المتحدّة تحمّل مسؤوليّته والايعاز لمن يلزم لفتح تحقيق شفّاف مع مسؤولي الأمم المتحدة الذي أصدروا بيانهم المُضلّل، وفتح تحقيق بهذه الجريمة وملاحقة كل من النظام الروسي والنظام السوري.

وعلى المنظمات الحقوقية السوريّة والعربية والدوليّة الضغط على الأمم المتحدة لتحمّل مسؤوليّتها في حماية المدنيين والمهجّرين السوريين من بطش المجرمين الروس وعصابات الأسد والميليشيات الايرانيّة.

وعلى المعارضة السوريّة التوقّف عن المُقامرة بحياة السوريين في “كازينو جنيف” ألم يكفِهِم، استعادة بوتين نابليونات “دوستويفسكي” وساعته المرهونة، وتعافي بشار أسد وامتلاء جيوبه من أموال الأمم المتحدة، ولم يبق على الطاولة إلّا ساعة “غوتيرش” فبخسارتها تنتهي اللعبة؟!!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني